شعار قسم مدونات

هل هي بوادر حرب عالمية جديدة؟

File photo published by Hamas (Islamic Resistance Movement) shows shows Al Qassam brigades training on ...
إذا طال زمن الصراع الذي انطلق يوم السبت الماضي فقد تضطر الولايات المتحدة وأوروبا لدعم الكيان الصهيوني (شترستوك)

يقول العلامة ابن خلدون في مقدمته: "إن التاريخ في ظاهره لا يزيد عن الإخبار، ولكن في باطنه نظر وتحقيق". فبالرغم من أن التاريخ علم اجتماعي، إلا أنه أيضا علم تجريبي، إذ إن اجتماع عدة عناصر في نفس الوقت في زمنين مختلفين، قد ينتجان نفس الحدث وإن اختلف الزمن. والظروف المحيطة بما يحدث هذه الأيام شبيهة شديدة الشبه بما حدث قبيل الحرب العالمية الثانية.

عرف العالم في تلك الفترة سيطرة اليابان على الصين بعد مناوشات طويلة، وكسادا اقتصاديا بعد انهيار تاريخي في بورصة وول ستيرت عام 1929

فقبل الحرب العالمية الثانية عرف العالم صعود الشعبويين والمتطرفين في العديد من دول العالم. فقد شهدت إيطاليا صعود الفاشية وعلى رأسها موسيليني، الذي كان يعادي النخب السياسية والمثقفة، وانتخب الألمان لأدولف هتلر ليؤسس ألمانيا النازية التي تعتبر العرق الآري هو العرق المتفوق. أما في الاتحاد السوفياتي فقد صعد جوزيف ستالين لسدة الحكم بعد وفاة المؤسس فلاديمير لينين، وقام بتصفية خصومه السياسيين وتأسيس دولة مستبدة. ونصّب اللواء ثيودوروس بانغالوس نفسه دكتاتورا على اليونان وفرانكو نفسه ديكتاتورا على إسبانيا، بعد حرب أهلية طاحنة.

كما عرف العالم في تلك الفترة سيطرة اليابان على الصين بعد مناوشات طويلة، وكسادا اقتصاديا بعد انهيار تاريخي في بورصة وول ستيرت عام 1929، وتطور تكنولوجي ملفت عسكريا خصوصا في سلاح الجو والاتصالات.

ساهمت هذه العوامل مجتمعة، مع وجود عدة عناصر أخرى، في انفجار الوضع العالمي سنة 1939، واحتلال هتلر دون سابق إنذار بولندا لتنطلق الحرب العالمية الثانية، والتي كانت من نتائجها، بعد نهايتها تأسيس النظام العالمي الجديد.

 

لم يقتصر صعود الشعبويين والمتطرفين في أوروبا، بل امتد ليصل إلى الهند، حيث لا يخجل رئيس الوزراء ناريندرا مودي من قمعه العلني لمواطنيه المسلمين

والمتأمل في الواقع العالمي الحالي، يرى كأن التاريخ بصدد إعادة نفسه. فالشعبوية والتطرف بدأت تجتاح العالم. إذ صعد اليمين المتطرف في فرنسا بسرعة جنونية، حتى أصبح رقما صعبا في كل محطة انتخابية. كما وصلت جورجيا ملوني، التي لا تخفي إعجابها بالفاشية، ومعادية للهجرة، إلى رئاسة الوزراء في إيطاليا. وفي فنلندا، انضم القوميون اليمينيون المتطرفون مؤخرا إلى الحكومة الائتلافية. ويدعم الحزب الديمقراطي السويدي المناهض للهجرة والتعددية الثقافية، الحكومة الائتلافية اليمينية. وفي اليونان فازت ثلاثة أحزاب يمينية متشددة بعدد من المقاعد في البرلمان، بينما في إسبانيا، فاق حزب فوكس القومي، وهو أول حزب يميني متطرف ناجح في إسبانيا منذ وفاة الديكتاتور الفاشي فرانسيسكو فرانكو، كل التوقعات في الانتخابات الإقليمية الأخيرة.

لم يقتصر صعود الشعبويين والمتطرفين في أوروبا، بل امتد ليصل إلى الهند، حيث لا يخجل رئيس الوزراء ناريندرا مودي من قمعه العلني لمواطنيه المسلمين، وتونس، حيث يتبنى الرئيس قيس سعيد خطابا شعبويا وصل إلى حد التطرف أدى إلى تصادم بين المواطنين التونسيين والمهاجرين من جنوب الصحراء. ولم تسلم حتى الولايات المتحدة الأمريكية من الشعبوية، التي يتبناها دونالد ترامب، الذي يسعى بكل قوة للعودة إلى البيت الأبيض، بخطاب شعبوي أكثر من ذلك الذي كان يتبناه في 2016. كما عرفت عدة دول في العالم صعود السياسيين المتبنين للخطابات الشعبوية والمتطرفة.

كما يشهد العالم غليان وتقلبات مثيرة. إذ لم يكد يستفيق من صدمة جائحة كورونا، حتى غزت روسيا أوكرانيا، وجعلت أوروبا على كف عفريت. فالوضع في القارة العجوز يكاد ينفجر كما تعرفه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. كما شهد الاقتصاد العالمي تعثرا وركودا بعد تأثر ارتفاع أسعار المحروقات والقمح بسبب تلك الحرب. ودخلت أوروبا في صداع جديد مؤخرا، بعد طرد حكومة أذربيجان الأرمن من إقليم كاراباخ، لتحيي صراعا نائما منذ الحقبة السوفياتية.

لم يحدث أن نجح جنود عرب في الدخول إلى حدود 1948، والقتال على تلك الأراضي، مما يعني نقلة جديدة في الصراع العربي الإسرائيلي.

لم تقتصر الأحداث على أوروبا فحسب، فشرقا، بدأت الصين تدق رويدا رويدا طبول حرب قادمة. فقد قامت مؤخرا باستفزاز الولايات المتحدة الأمريكية بمناورات عسكرية في المياه الإقليمية التايوانية، مؤكدة أن تايوان جزء لا يتجزأ من بكين. كما أثارت حفيظة أميركا بطرح شركة هواوي الصينية هاتفا جديدا يحتوي على تقنية سرية للاتصالات لا تمتلكها إلا شركة أبل الأمريكية في هواتفها أيفون، مما أثار المخاوف من التجسس الصيني على واشنطن، خصوصا مع إعلانها في يناير الماضي إسقاط منطاد صيني للتجسس في سمائها.

كما أن الأحداث الأخيرة في الأراضي المحتلة، تعتبر زلزالا في التوازنات العالمية. فإضافة لعنصر المفاجأة، والنتائج المذهلة التي حققتها المقاومة الفلسطينية، فإنه لم يحدث أن نجح جنود عرب في الدخول إلى حدود 1948، والقتال على تلك الأراضي، مما يعني نقلة جديدة في الصراع العربي الإسرائيلي. وإذا طال زمن الصراع الذي انطلق يوم السبت الماضي، فقد تضطر الولايات المتحدة وأوروبا لدعم الكيان الصهيوني وهو ما قد يضعف الجبهة الأوكرانية لتستغله روسيا لصالحها، وقلب الموازين على الأرض.

تتشابه إذا الظروف والأحداث الحالية مع ما عرفه العالم قبل الحرب العالمية الثانية سنة 1939، فهل إرهاصات لتفجر الوضع أكثر واندلاع حرب عالمية شاملة؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.