شعار قسم مدونات

عندما يكون الطوفان حياة!

بوركت سواعدكم يا صقور المقاومة وتخضبت جباهكم بالمسك والعنبر (غيتي إيميجز)

منذ نكسة 67 والمواطن العربي يعيش حالة من الخذلان والإحباط تركت على مر السنين جراحات في القلب والذاكرة، تئن أرواحنا ألماً وتجيش قلوبنا بكاءً وتتيبس عروقنا جفافاً، حسرةً وحزناً على أرضنا وترابنا الذي استباحه العدو، على مقدساتنا التي دنسها الظالمون، على شهدائنا وأسرانا الذين دفعوا سنين عمرهم ثمناً لما بقي من كرامتنا، حتى جاء الصبح، "أليس الصبح بقريب".

صباح ليس ككل صباح ونهار ليس ككل نهار، فالشمس لبست أجمل أثوابها والسماء نفضت غبارها وتزينت بصفائها، والبحر تجهّز ليعزف سمفونية النصر، صباح كان الرجال أبطاله، "رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه" لم تزعزع قواعد إيمانهم معاهدات، ولم تحبط عزيمتهم اتفاقيات، ولم ينساقوا مثل القطعان وراء الحوارات، رجال علموا وهم أجنّة في بطون أمهاتهم أن ما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة، وأن الحديد لا يفلّه أوراق وقلم يوقع في أسفل الصفحات على اتفاقيات الخزي والعار، تجرعوا مع حليب العزة والشرف والبطولة أن الحديد لا يفلّه إلا الفولاذ المشتعل، وأن المتغطرس والمتكبر لا يريد يداً تصافح، بل يريد يداً تطرق أعالي رأسه المتجبر لتنزله أسفل السافلين، رجال نقشوا منذ طفولتهم على قلوبهم صورة الأقصى وعلى سواعدهم صورة البندقية، فلا تحرير للمسجد من غير قوة، ولا صلاة فيه من غير إيمان.

رجال نقشوا منذ طفولتهم على قلوبهم صورة الأقصى وعلى سواعدهم صورة البندقية، فلا تحرير للمسجد من غير قوة، ولا صلاة فيه من غير إيمان

"ذق إنك أنت العزيز الكريم" أتحسب أن تمر جرائمك دون عقاب..؟؟ أتحسب أن لن يأتي يوم الحساب..؟؟ ها هي القيامة جاءت وها هو جحيم المقاومة قد فتح أبوابه للمجرمين يسوقهم زمراً إلى غزة العزة أسرى، ذُق مما أذقت الشرفاء منه، ذُق من الخوف والرعب الذي عاشه أطفالنا على مر السنين، ولتفزعوا كما فزعت أمهاتنا على أطفالهم، ولتبكوا كما بكت نساؤنا شهدائهن، وليعيش أطفالكم يتامى كما عاش أطفالنا، فأنتم شعب الله المختار..!!، اختارهم الله للذل والهوان، اختارهم الله ليذوقوا وبال أمرهم، وليدفعوا ثمن أفعالهم فلا التراب ترابهم ولا الأرض أرضهم.

بوركت سواعدكم يا صقور المقاومة، وتخضبت جباهكم بالمسك والعنبر، فأنتم آخر الرجال المحترمين في زمن أشباه الرجال، وأنتم آخر بصيص للأمل في زمن اليأس، وأنتم آخر سبيل للحرية في زمن العبودية، بوركت سواعدكم العصية القوية، وتعالت رؤوسكم لتطال عنان السحب، فهناك مكانكم، دامت دماؤكم النقية الزكية، دماء الحرية والعزة والشموخ، ودامت بنادقكم مذخرة مسدّدة الرمي، حتى تُسعدوا ملايين من الشعوب المنكسرة، التي نفضت  بالأمس غبار الهوان وانتفضت قائمة تحييكم وتدعو لكم بالنصر والظفر، فقد شفيتم صدورنا ورفعتم رؤوسنا، فلكم منا تحية إجلال وإكبار وقبلة على جبين كل واحد منكم، وليتها توفيكم حقكم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.