شعار قسم مدونات

طوفان الأقصى.. سقوط جدار الإمبراطورية

المخزون الصاروخي لكتائب القسام.. أرقام لا يعرفها أحد المصدر:حساب تليغرام الخاص بالقسام الرابط: https://t.me/qassambrigades/28479
المخزون الصاروخي لكتائب القسام أرقام لا يعرفها أحد (حساب تليغرام الخاص بالقسام)

في السابع من أكتوبر استهدفت المقاومة الفلسطينية الكيان الصهيوني بعملية سمّيت طوفان الأقصى، والتي جاءت أشد إيلاما للعدو من حيث عدد الضحايا والأسرى، والأهم من ذلك حجم الفشل الذريع الذي منيت به الاستخبارات الإسرائيلية في كشف العملية قبل حدوثها، ويأتي طوفان الأقصى ردا على الاقتحامات المتكررة والعدوان المستمر من طرف المستوطنين، ليشهد العالم الحر سقوط أسطـورة الدولـة القوية، بين يدي قلّة من المقاومين يواجهون أعتى آلات القتل للإمبراطورية الأمريكية الداعم الرئيسي لنظام الفصل الصهيوني، من أجل ذلك تكمن أهمية استعادة مركزية المسألة الفلسطينية في الوجدان العربي والعالمي، وعلاقتها بزوال قيم الإمبراطورية مقابل استمرارية الحضارة، وما بين الاستهداف الممنهج للمدنيين والصحفيين وقصف البنى التحتية، تأتي تصريحات وزراء الاحتلال بأبشع أوصاف التمييز والاحتقار لاختزال الإرهاب في الفلسطينيين.

الاحتلال الصهيوني يأخذ بعدا حضاريا؛ ديمقراطيا وفق السرديـة الغربية، تتجاذب الجغرافيا العربية لدول الطوق طبقة حاكمة اصطنعت في المخابر البريطانية، لترث ألقابا مزيفة تبرر بها استيلاءها الوحشي على أي انتقال سلمي للسلطة

نكبة البورجوازية

منذ عام 1948 يعيش الفلسطيني نكبة وصفت أنها الأبشع في تاريخ البشرية، فالتهجير والقتل والإبادة التي تعرضت لها قرى ومدن فلسطينية من عصابات الصهيونية، مازالت تحمل في الوجدان الإسلامي؛ العربي هول الكارثة الإنسانية التي طالت السكان الأصليين، لكن تبقى النكبة حالة تاريخية حتمية لطفرات الحضارة المرعبة في الاعتراف بحق الشعوب في التحرر، وواقعا يعايشه المجتمع العربي منذ توطين البورجوازية لتحكم الجغرافيا الموروثة عن الاستعمار، إذ تعمل الإمبراطورية ضمن استراتيجية الهيمنة والقوة الناعمة، لخلق المزيد من النماذج الاستعمارية التي تتحكم في مصير الشعوب ومستقبلهم، وحينما استعادت الجماهير العربية ربيعها نهاية 2010 تداعى الغرب لحماية حدائقه الجنوبية من الزوال.

وحيث إنّ الاحتلال الصهيوني يأخذ بعدا حضاريا؛ ديمقراطيا وفق السرديـة الغربية، تتجاذب الجغرافيا العربية لدول الطوق طبقة حاكمة اصطنعت في المخابر البريطانية، لترث ألقابا مزيفة تبرر بها استيلاءها الوحشي على أي انتقال سلمي للسلطة، ومنذ تفعيل الخرائط الكولونيالية ضمن فضاء أيديولوجي بديل للأمـة الجامعة، ظلت تلك النماذج الكومبراودية حجر عثرة أمام نصرة المجتمعات العربية للمسألة الفلسطينية والقضية الصحراوية.

وفي سياق تاريخي استثنائي بقيت مقاومة الاحتلال بجميع أشكاله اللاحضارية تفرض نفسها على دول الطوق التي يعمل أربابها على استمرارية الحصار، ومثلما خذل أولئك الذين امتهنوا السلطة من لدن الإمبراطورية آمال شعوبهم في التغيير والديمقراطية، كان لزاما أن يتآمروا على مصير المسألة الفلسطينية، وأبرز صور ذلك التآمر تفكيك السلطة الفلسطينية وعدم تمكينها من تسيير مقدراتها المقدسة باعتبارها سلطة قائمة بحد البندقية والسلام، فأن تكون الأردن والمغرب وصيتين على المناطق المقدسة في فلسطين، ضمن اتفاقات الوصاية والتطبيع التي لا تعترف بها إسرائيل من حيث التغييرات والاقتحامات التي تطال المقدسات، لهو أمر بالغ الأهمية لإسقاط معاهدات الانبطاح في استعادة الفلسطينيين حقهم التاريخي لرعاية بيت المقدس، فمن يملك السلاح دفاعا بنفسه وماله وشعبه عن الأقصى، هو الأحق بأن ترفع له رايات النصرة في وجه البورجوازية المتصهينة المتاجرة بالمسألة الفلسطينية.

الإمبراطورية تدعم الاحتلال كونه صهيونيا يحفظ هيمنتها على المنطقة، وفق أطروحة اقتصادية للصراع العربي؛ الإسرائيلي والضرورات التي تحتمها عملية انتقال رؤوس الأموال من بؤر التوتر والنفوذ إلى مناطق الاستثمار وإعادة الهيكلة

مركزية المسألة الفلسطينية لدى الإمبراطورية

إن لم تكن إسرائيل موجودة، كان علينا إيجادها، عبارة تكرر صداها في وسائل الإعلام للرئيس الأمريكي بايدن، ومازالت تتناقلها الألسن باعتبار الإمبراطورية شرطي العالم والداعم للاحتلال، لكن يبقى السؤال الذي يطرح نفسه مع أول رصاصة تنطلق ضد الاحتلال الصهيوني من طرف المقاومة الفلسطينية، لما تدعم الإمبراطورية تواجد دولة صهيونية إلى حد الإقرار بإمكانية استخدام إسرائيل وسائل إبادة وسياسات الأرض المحروقة ضد الفلسطينيين؟

تكمن الإجابة في عدة عوامل مرتبطة بالبعد التاريخي للمنطقة، وموقعها الاستراتيجي وحجم الثروات التي يمكن استغلالها ، كما أنّ البعد الأيديولوجي لصراع الحضارات كونه دينيا لا يمكن التغاضي عنه في وقت تتصاعد هتافات اليمين واليسار الغربي على حد سواء لدعم الاحتلال وأشكاله البربرية في المنطقة، فأن تكون فلسطينيا معناه أن تواجه أفظع أبارتايد منذ نشأة البشرية، نظام تكفله القوانين الدولية وتدعمه ترسانة التسليح الغربية بمختلف القرارات السياسية والاقتصادية التي من شأنها أن تعزز استمرارية سياسات الأرض المحروقة من طرف الاحتلال الصهيوني.

الإمبراطورية تدعم الاحتلال كونه صهيونيا يحفظ هيمنتها على المنطقة، وفق أطروحة اقتصادية للصراع العربي؛ الإسرائيلي والضرورات التي تحتمها عملية انتقال رؤوس الأموال من بؤر التوتر والنفوذ إلى مناطق الاستثمار وإعادة الهيكلة، لكن تلك النظرة وإن جرى العمل على ترسيخها في الوجدان العربي والخطابات السائدة لدى كثيرين ممن يرون هجرة اليهود إلى المنطقة خطيئة غربية كان أولى ضحاياها اليهود أنفسهم، إلا أنّها تفرض معادلة الصراع الأيديولوجي كون الاحتلال وإن اتخذ شكله الديني أو الاقتصادي أو حتى الثقافي، فإنّ ممارساته ضد الإنسانية تجاوزت التهجير والإبادة والاستيطان، وإسرائيل ليست استثناء منذ نشأتها في المنطقة، إذ كان العمل على تحريك الآلة الكولونيالية الغربية لدعم تواجد كيان وظيفته الحفاظ على عدم استقرار المنطقة العربية، إلى جانب الكومبراودية التي وطّنها البريطانيون في الجزيرة العربية باسم الشرعية التاريخية للمقدسات، حيث المنابر التي كانت تعادي الصهيونية باتت تناصرها اليوم بالدعاء.

إنّ صورة الاحتلال كونه دولة ديمقراطية وحيدة في المنطقة كما تصوره الإمبراطورية، اقترنت بما قاله رئيس الوزراء البريطاني سوناك حين وصف إسرائيل بالدولة الديمقراطية والوحيدة التي يمكن للمثليين أن يعيشوا فيها، فالغرب بقيمه المعادية للإنسانية لا يمكنه التخلص من عقدة الاستعمار والهيمنة الذي اختزل الحرية في المادية المتوحشة، ودعمه للاحتلال لا ينصب فقط في التسليح والاقتصاد، بل تعداه إلى الاعتراف بحق الاحتلال الصهيوني في إبادة شعب الفلسطيني لحماية إسرائيل، وتلك النظرة وإن روجتها وسائل إعلام غربية على أنّها دفاع عن النفس مقابل إرهاب المقاومة، إلا أنّ المعايير المزدوجة للمانيفستو الغربي تفضح تلك الصورة المتشظية والهزيلة لادعاءات الإمبراطورية تجاه الحق في المقاومة، وفي الأرض.

ولعل ألمانيا نموذج الدولة الحضارية التي تخلصت من الإرث النازي، والتي سارع مستشارها أولاف شلوتس لقطع المعونات على الفلسطينيين بسبب عملية طوفان الأقصى، لا تتوانى في تذكير العالم بمسؤولياتها التي نشأت عن الهولوكوست، متغاضية عن حجم العنصرية والاضطهاد اللذين يمارسهما الغرب على الآخر كونه، مسلما، شرقيا، ووصف وزير الحرب الصهيوني غالانت الفلسطينيين بالحيوانات، إشارة منه لبدء إبادة جماعية في غزة، بضوء أخضر غربي ودعم غير مشروط  من الإمبراطورية، وبدل أن يحذر البوندستاغ مستشاره الألماني من التضييقات التي اتخذها شلوتس بمنع المظاهرات وحظر أنشطة الجمعيات الداعمة للفلسطينيين، علت التصفيقات تحت قبته معلنة ولاءها المطلق لكيان لا يعرف إلا القتل والتهجير والاستيطان، ومع أنّ الآمال مخيبة في استعادة المانيفستو الغربي قيمه الإنسانية في دعم تحرر الشعوب، إلا أنّ المظاهرات التي تغزو عواصم أوروبية من شأنها أن تبعث أساطيل الحرية نحو فلسطين المحتلة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.