شعار قسم مدونات

طوفانُ الأقصى.. البقرة الإسرائيليّة قد مُسّت!

أسرى إسرائيليون بدون زي عسكري من حساب تليغرام الخاص بكتائب القسام (تومير ألون نمرودي)
أسرى إسرائيليون دون زي عسكري من حساب تليغرام الخاص بكتائب القسام (تومير ألون نمرودي) (مواقع التواصل الاجتماعي)

دروس الصّراع العربي الإسرائيلي أو قل الفلسطيني الإسرائيلي (وفقا وبكلّ أسفٍ للواقع العربيّ الرّاهن المفكّك) لا تزال مستمرةً منذ النّكبة قبل 75 عاما في 14 مايو/أيار 1948م، فلم تُعر إسرائيل أدني اهتمامٍ لكلّ ما تمّ من قراراتٍ للشّرعية الدّولية أو اتفاقياتِ أوسلو، طيلةَ سنوات الصّراع الطّويلة، ولم تهتم إسرائيل كذلك بكلّ المبادرات التي طرحت لتسوية الصّراع سواء من الأصدقاء أو الأعداء من الرّباعية الدّولية أو أبرز ما طرحه العرب للتّسوية المصحوبة بإغراءاتٍ لدولة الكيان الصّهيوني الجالسة في الخاصرة العربية وكان ذلك من خلال: (مبادرة السّلام العربية) في العام 2002م والتي كانت واضحةً وهي تعرض على الكيان الصّهيوني مسارا جليا "الأرض مقابل السلام" على حدود عام 1967م والقدس الشرقية عاصمة للدّولة الفلسطينيّة مقابل الذّهاب للتطبيع.

لكن هذا على ما يبدو لم يكن الخيار الإسرائيلي المفضّل، فهي تريد بكلّ وضوح ابتلاع الأراضي الفلسطينيّة في الضّفة والقطاع بالكامل، وهي التي تضع يدها بالكامل على الخط الأخضر وعرب الـ48 وتتبع لتحقيق أهدافها نظريات الإخضاع للشعب الفلسطيني بالتّخويف والتّرهيب والتّقتيل والإذلال والتّهجير والمصادرة والتّضييق وكلّ ذلك يتمّ تحت سمع وبصر العالم وشرعيته الدّولية الممثّلة في الأمم المتحدة وأجهزتها وآلياتها وفي مقدّمتها مجلس الأمن الدّولي وجمعيّتها العامّة، وأمام المسار القانوني الدّولي ممثلا في محكمة العدل الدّولية والمحكمة الجنائيّة الدّولية وغيرهما.

إنّ جهاد ونضال الشّعب الفلسطيني بغية حرّيته وحقوقه المشروعة عبر سلاحه الأوحد المقاومة مهما كانت التّضحيات والأثمان فمهر الحرية واسترداد الحقوق لا بدّ وأن يكون باهظا وإن طالت السّنوات واشتدّ الصّراع

الخيارات الإسرائيلية للصراع:

لم تترك إسرائيل أمام الفلسطينيين -قيادةً وشعبا- سوى خيارين وهما:

  • الخيار الأول: الخنوع والخضوع تحت المظلّة الإسرائيلية المدعومة دوليا بقبول المعادلة الإسرائيلية المتمثّلة في تناسي حلّ الدّولتين بشكلٍ نهائيّ والذّوبان في المجتمع الإسرائيلي بدولة واحدة هويّتها يهوديّة صهيونيّة.
  • الخيار الثاني: أما الخيار الثّاني الذي تريد إسرائيل إجبار الشّعب الفلسطيني على اللّجوء إليه فهو الخروج نهائيا من الأرض الفلسطينيّة من الضّفة والقطاع الى حيث ما يريدون.

الخيار الفلسطيني الوحيد والمفضل

لكن إسرائيل تعلم وتريد أن تتناسى أنّ الخيار الفلسطيني الوحيد والمفضّل هو (الخيار الثالث) وهو الذي تخشاه، والخيار المستمرّ منذ النكبة هو خيار المقاومة رغمَ كلفته العالية، وهذه سنّة الحياة المرتبطة بطبيعة هذا الصّراع، مثلما أنّه خيار معظم الشعوب والأمم التي سعت للانعتاق والحرية وطلب حقوقها على وجه البسيطة، وهذا هو الّناموس الكونيّ، وهكذا رسمت ملامح الصّراع الكونيّ مع الغطرسة والظّلم في عالمنا، والأمثلة كثيرةٌ في هذا السّياق وهي لا تبدأ في جنوب أفريقيا وسياسة التّمييز العنصري، ولا تنتهي في الهند والجزائر ودول العالم الثالث إبان الحقبة الاستعمارية الغربية في آسيا وأفريقيا أو أميركا اللّاتينية أو حتي في أميركا الشمالية.

العزيمة الفلسطينيّة ليست وحدها بفضل التّعاطف الدّولي الواسع من الأصدقاء دولا وشعوبا والذي لا يربطه بالقضيّة الفلسطينيّة مصير مشترك لا إسلاميّ ولا عربيّ سوى الرّوابط الإنسانيّة العامّة التي يمكن التّعويل عليها

إنّ جهاد ونضال الشعب الفلسطيني بغية حريّته وحقوقه المشروعة عبر سلاحه الأوحد (المقاومة) مستمرٌّ مهما كانت التّضحيات والأثمان، فمهر الحرّية واسترداد الحقوق لا بدّ أن يكون باهظا وإن طالت السّنوات واشتدّ الصّراع ،فالذي دفعه الشّعب الفلسطيني على سنوات الصّراع من أثمان من الدّماء والنّفوس لم يكن قليلا ولا يمكن التّضحية بكلّ ما قدّم، وتبقى عزيمة الشّعب الفلسطيني عزيمةً صادقةً وإرادةً قويّةً لا تفتّ من عضدها ولا تضعف من همّتها الآلةُ العسكريّة الإسرائيليّة المتطوّرة، إنّ العزيمةَ الفلسطينيّة الصّامدة ليسَت وحدها ، بل ترفدها العزيمة العربيّة والإسلاميّة ولو كانت معنويّة في ظلّ الضّعف والخوَر الذي يطبق عليها بفعل الموجّهات الحاكمة للسّياسة الدّولية ومؤسّساتها، ورغم تأرجح التّعددية القطبيّة الدّولية، فإن العزيمة الفلسطينيّة ليست وحدها أيضا، بفضل التّعاطف الدّولي الواسع من الأصدقاء دولا وشعوبا، الذي لا يربطه بالقضيّة الفلسطينيّة مصير مشترك لا إسلاميّ ولا عربيّ سوى الرّوابط الإنسانيّة العامّة التي يمكن التّعويل عليها.

فعلُ المقاومة الأخير المميّز في عملية (طوفان الأقصى) قد مسّ البقرة الإسرائيليّة المقدسة وانتهت نظريّة القوة القاهرة والجيش الذي لا يقهر

طوفان الأقصى يغيّر مراحل الصّراع

إنّ فعل المقاومة الأخير المميّز في عمليّة (طوفان الأقصى) قد مسّ البقرة الإسرائيليّة المقدّسة وانتهت نظريّة القوّة القاهرة والجيش الذي لا يقهر، لقد أثبتت عملية طوفان الأقصى عمقَ الإيمان بالقضيّة الفلسطينيّة العادلة في درسٍ خالد سيبقى شاهدا على الفدائيّة والجسارة التي تتحلّى بها فصائل المقاومة بمسمّياتها المختلفة، وأبرزت مدى الدّقة في التّخطيط فهو عملٌ (مميّز) تخطيطا وتنفيذا منذ وقتٍ طويلٍ وبكامل السّرية، ومختلفٌ نوعا وكمّا، عملٌ لم يعرف الضّعف والخور والخنوع، بل هو عملٌ عنوانه التّضحية والفداء. إنّ عمليّة طوفان الأقصى أوضحت بجلاء استعداد المقاومة الفلسطينية الظّافرة وحضورها القوي لنقل الصّراع إلى مرحلةٍ مختلفةٍ تجبرُ العدوّ للتّعامل مع مربّع جديدٍ لمسارِ الصّراع.

إنّ المقاومة الفلسطينيّة تعلم تماما تبعات ومتّرتبات عمليّة طوفان الأقصى، ويبدو واضحا أنّها تتحسّب وتستعدّ لعمليّات سيتبعها العدوّ من عمليّات انتقامٍ واسعةٍ في القطاع أو حتّى في الضّفة، أو حتى عمليّة اجتياح موسّعة لقطاع غزّة كما حدث في حرب العام 2014م في أطراف غزة، فتحسّب المقاومة والاستعداد لما قد يكون من ضمن بنك الأهداف الإسرائيلية من سيناريوهات محتملة وما سيقدم عليه جيش الاحتلال لن يكون أقل استعدادا من المفاجآت التي حملتها عملية طوفان الأقصى.

مستقبل مشروع المقاومة

إنّ العديد من القراءات والاتّجاهات تشي بأنّ فعلَ المقاومة الأخير سينقل القضيّة الفلسطينيّة لمرحلةٍ جديدةٍ في طبيعة الصّراع، رغم التّضحيات الضّخمة من الدّماء والتّدمير الممنهج للأحياء المدنيّة واستهداف المدنييّن، وليسَ أهدافا محدّدة لفصائل المقاومة كما كان يفعل العدو سابقا، بل إنّ قطع الكهرباء والمياه من قطاع غزّة والتّصريحات المرفوضة دوليّا من قبل المسؤولين الإسرائيليين كتصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت سيلقى ردا قويّا من قبل المنظّمات الدّولية القانونيّة كما فعلت هيومن رايتس ووتش، ومن المتوقّع أن تتبعها العديد من المنظمات الحقوقية الدّولية، فلن يصمتَ العالم على وحشيّة الاحتلال، مثلما أنّ مشاريع إسرائيل المطروحة إقليميّا أو دوليّا للتّعاطي مع القضيّة الفلسطينيّة لن تجد من يتعاطف معها وإن راهن عليها البعض.

إنّ واقعا مختلفا رسمته وسترسمه عمليّة طوفان الأقصى في مسار القضية الفلسطينية، فلن تكون البدايات منذ النّكبة كما النّهايات في مستقبل القضيّة، فإنّ العمليّة قد حقّقت نتائج مباشرة، وحتما فإنّ النتائج ستنتظر دورها في التّحقق بحسب العديد من الآراء والقراءات المرتبطة بالوقائع والحيثيّات الرّاجحة طالما تغيّرت القواعد وقويت العزيمة والشوكة للمقاومة.

النتائج التي استطاعت المقاومة تحقيقها

  • اختراق الجدار العازل والقدرة على التّسلل إلى الدّاخل الإسرائيلي.
  • تغيّر قواعد الاشتباك ونقله إلى الدّاخل الإسرائيلي.
  • استعداد عناصر المقاومة للتّضحية والفداء.
  • إيصال رسالة فحواها مركزيّة الأقصى في طبيعة الصّراع.
  • الحفاظ على سرية التّخطيط والتّنفيذ.
  • النّجاح في تجريب استخدام التّسليح النّوعي الجديد للمقاومة.
  • الاستعداد الدّائم للتّخطيط والتّضحية والفداء.

نتائج معركة طوفان الأقصى المتوقعة

  • تغيير معادلات التّفاوض مع العدو الإسرائيلي مستقبلا.
  • تقوية ظهر المفاوض الفلسطيني.
  • كسر خيال قوّة جيش الاحتلال المدّعاة.
  • علوّ كعب المقاومة في طبيعة الصّراع.
  • رفض سلوك الاحتلال على الصّعد كافّة خاصة في الأقصى.
  • خلخلة مواقف السّاحة السياسية الداخلية الإسرائيلية.

إنّ الطّموحات والآمال لكلّ من يعيش مع القضيّة الفلسطينية فعلا أو تضامنا معنويا من الفلسطينييّن وغير الفلسطينييّن أن يرى وحدة الإرادة الفلسطينيّة الرسميّة والشعبيّة من القوى السّياسيّة والفصائل المختلفة، ووحدة التوجّه ونبذ الخلاف بعيدا عن الأوهام الإسرائيلية وطرح الرباعية الدّولية الكذوب، فهل تلتقط القوى والفصائل الفلسطينيّة قفّاز المبادرة بفضل الفعل الجسور الأخير للمقاومة الفلسطينية؟!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.