شعار قسم مدونات

أقوَمُ ما يُختار في مؤلفات المغاربة عن مولد الرسول المختار

المسجد النبوي 241060945
المسجد النبوي الشريف (شترستوك)

اعتنق المغاربة الإسلام وارتضوه دينا لهم، ومرجعية نهائية ينتمون إليها، مع بقاء نوع من الاختلافات في التنزيل والفهم والتأويل، وتبنوا طريقة الجنيد السالك، وهي أشعرية اعتدالية جمع تيارها ومنظروها وتابعوها بين العقل والنقل، وتعالت الصلات بينها وبين فقهاء الوقت وأقطاب الصوفية طيلة عصر الموحدين، والمرينيين ثم السعديين فالعلويين، ف"تحقق حولها الإجماع".

كما اختار المغاربة طريقتهم الخاصة في التعبير عن محبتهم للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، عبروا عنها سياسيا بدعمهم إدريس بن عبد الله الكامل حفيد علي بن أبي طالب، ونصبوه أميرا عليهم، ومن بعده ابنه إدريس الثاني، فحفدته.

واجتماعيا، بالتعلق بآل البيت الكرام، ومحبتهم، وتسمية أبنائهم بأسمائهم. وثقافيا، بربط العلاقات مع الحجاز وأرض الحرمين، وشد الرحلة إليهما، وطلب العلم في جوارهما، والتدريس بهما، وتنظيم الرحلة الحجية خصصيا إليهما، وإهداء المؤلفات إلى خزائنهما، والمصاحف أيضا، ولعل مثالها البارز، المصحف الذي بعث به السلطان الأفخم علي بن عثمان المريني رحمه الله، بخط يده إلى المسجد النبوي الشريف.

عبد السلام بن مشيش يكتب في (صلاته المشيشية) داعيا: اللهم ألحقني بنسبه، وحققني بحسبه، ويصف النبي بأنه فيه ارتقت الحقائق، وتنزلت علوم آدم فأعجز الخلائق، وله تضاءلت الفهوم فلم يدركه منا سابق ولا لاحق

النثر المدرار في وصف ومدح النبي المختار

لعل أكثر من عبر عن التعلق الصادق بشخص الرسول محمد وشمائله ومميزات أهل بيته وعاطر سيرته، أقطاب التصوف السني بالمغرب الأقصى، عبر مختلف الحقب وتعاقب الدول، الذين وطدوا لـ"تصوف الأخلاق والرقائق الذي استقر عليه عامة المتصوفين المغاربة، وكان له الأثر الفعال في مجتمعنا الإسلامي المغربي"[4]، ومن خلالها قربوا العامة من رسول الإسلام وأخلاقه.

فهذا عبد السلام بن مشيش يكتب في "صلاته المشيشية" داعيا: "اللهم ألحقني بنسبه، وحققني بحسبه"، ويصف النبي بأنه "فيه ارتقت الحقائق، وتنزلت علوم آدم فأعجز الخلائق، وله تضاءلت الفهوم فلم يدركه منا سابق ولا لاحق". وهذا الإمام القاضي عياض (ت1149م) يصف رسول الله أنه أزكى بني البشر "محتدا ومنمى، وأرجحهم عقلا وحلما، وأوفرهم علما وفهما، وأقواهم يقينا وعزما (..) صلى الله عليه صلاة تنمو وتنمى". وهذا ابن سليمان الجزولي يثني عليه بقوله إنه "نخبة الله من برية الله، وصفوة الله من أنبياء الله (..) أشرف الأنبياء نصابا، وأبينهم خطابا، وأفضلهم مولدا وعترة وأصحابا (..) وأصدقهم قولا، وأزكاهم فعلا، وأثبتهم أصلا، وأوفاهم عهدا، وأمكنهم مجدا، وأكرمهم طبعا، وأحسنهم صنعا، وأطيبهم فرعا (..) وأعلاهم مقاما وأحلاهم كلاما وأزكاهم سلاما، وأجلهم قدرا وأعظمهم فخرا (..) وأثبتهم برهانا، وأرجحهم ميزانا، وأولهم إيمانا، وأوضحهم بيانا، وأفصحهم لسانا، وأظهرهم سلطانا".

ومن أهم ما أفاد به الجزولي الأجيال وشرف به المنهج التربوي والصوفي المغربي عبر العصور، تدوين كتابه "دلائل الخيرات وشوارق الأنوار في ذكر الصلاة على النبي المختار" في سبعة أقسام، ومقدمتين.

أفرد أولاهما لأسماء الله الحسنى، وأخراهما لأسماء النبي الخاتم عليه الصلاة والسلام، وبين قصده من كتابه هذا قائلا: "إني نويت بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم امتثالا لأمرك، وتصديقا لنبيك، ومحبة فيه وشوقا إليه، وتعظيما لقدره، ولكونه أهلا لذلك، فتقبلها مني بفضلك وإحسانك (..) ووفقني لقراءتها على الدوام بجاهه عندك"[9]. وقد كان له ما أراد، وحقق الله ما في خالص نيته، فأطبقت شهرة الكتاب الآفاق، وتناقله القراء جيلا تلو جيل، وتشرفت المساجد بذكر أوراده العطرة، ولهجت الألسن بفضله بالصلاة والتسليم على الرسول الكريم، وأحيت فرق الإنشاد ليالي المديح والمولديات اعتمادا على هذا الكتاب.

كانت عناية سلاطين الدولة كبيرة بمظاهر التدين وممارستها، ولا سيما على عهد السلطان أبي الحسن المريني (ت 1351م) الذي كتب الكثير عن تقواه وزهده ورعايته آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعنايته بأهل الله وجميل اعتقاده فيهم

تخليد ذكرى مولد سيد المرسلين على عهد المرينيين

ذهب مؤلفو "تاريخ المغرب تحيين وتركيب" إلى القول بوجود أول إشارة في هذا الصدد قد أعطيت من قبل يعقوب المنصور المريني الباني الحقيقي للدولة "عندما قرر الاحتفاء بعيد المولد سنة 1272". ومنذ أعلنت المنظومة المرينية "عن انضمامها إلى معسكر أهل السنة المالكية (..) وجاهرت بابتداع إستراتيجية شريفية بكل ما في الكلمة من معنى"، وأقرت بقوة أحقية حفدة الأدارسة كافة من الاستفادة من الشرف والتبرك به، ارتفعت أسهمهم بالمغرب، وحمدت سيرتهم على ألسن العامة، وقوبل سلوكهم تجاه المذهب المالكي ورجالاته وعلمائه الكبار بالاحترام والتقدير من قبل الكافة والخاصة.

وكانت عناية سلاطين الدولة كبيرة بمظاهر التدين وممارستها، ولا سيما على عهد السلطان أبي الحسن المريني (ت 1351م) الذي كتب الكثير عن تقواه وزهده ورعايته آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعنايته بأهل الله وجميل اعتقاده فيهم، وكثرة ثناء الأولياء عليه، ورعاية باقي السلاطين لكتب المناقب التي انتشرت بوفرة أواخر عهد الدولة.

وذكرى المولد النبوي على سبيل المثال، كانت تحدث على هذا العهد في "مشهد عظيم وموكب فخيم. وكانت هذه المظاهر الشائقة كثيرا ما تغري كبار الذوات العلمية والأدبية في الأندلس والمغربين الأدنى والأوسط، فيفارقون بلادهم غير آسفين عليها، ويؤمون الحضرة الفاسية حيث يتمتعون في كنف الدولة المرينية بأسنى ما كان يتمتع به رجالات الدول السالفة كالعباسيين والأمويين، مما سمعوا به ولم يروه (..) [لما كانت عليه] في عصرها حامية بيضة الإسلام، وموئل العروبة" ومعزة جناب النبي الكريم عليه الصلاة والسلام.

وإلى بيت الشرفاء العزفيين تنسب البدايات المبكرة والواعدة للاحتفاء بذكرى مولد رسول الله، فقد كان هذا البيت على عهد بني مرين "بقيامه في الندب للاحتفال بالمولد النبوي، ولهذا النوع من المبادرات أبعاد خطيرة في تاريخ المغرب الإسلامي، ثقافيا واجتماعيا وسياسيا (..) شكل مشروعا رياديا في الطريق إلى زعامة أو رئاسة، أو عبر محاولة تجاوز انتكاسة. فلا بد أن يحس بهذا الارتباط من يتأمل المحيط الخاص للعزفيين، وهو مدينة سبتة بموقعها بين عدوة المغرب وعدوة الأندلس، وبحركيتها العلمية المتميزة، وما فرضه الموقع عليها من عدم استقرار في الولاء السياسي، ثم لا بد أن يقتنع بذلك من ينظر في هذا المخاض السياسي والفكري بالمغرب خلال القرنين الخامس والسادس [الهجريين] وما أسفر عنه القرن السابع [الهجري] من تيارات روحية تنظم المجتمع وتكون قاعدة تبلور الشعور العام والأسلوب الأنجع لترسيخ القيم، بينما تطفو عليها التشكيلات السياسية بمختلف ملابساتها، ووقائعها تعتورها أحوال الهدوء تارة وأحوال الاضطراب تارة أخرى".

ورئيس هذا البيت، أبو العباس أحمد بن القاضي أبي عبد الله اللخمي، عرف بابن أبي عزفة، وإليها ينسب، من مواليد 17 رمضان 557هـ، تربى في بيت علم وشرف، وحاز العلم من علماء الشرق والمغرب، ثم تصدر للتدريس بجامع سبتة، واشتغل بالتأليف أيضا، فخلف لنا كتابه المشهور "الدر المنظم في مولد النبي المعظم"، وكتابه في التصوف "دعامة اليقين في زعامة المتقين ومناقب الشيخ أبي يعزى".

فيما يرجع الأستاذ العلامة عبد الله كنون الاحتفاء بالمولد النبوي الشريف إلى إسهام ودور عالم فذ كتب في الشمائل المحمدية وأهمية الاحتفاء بالمولد النبوي يدعى أبا الخطاب بن دحية السبتي صاحب كتاب "التنوير في مولد السراج المنير".

بهذه الإشارات البليغة والمفردات الجميلة، والمصنفات الأثيرة، عبرت النخبة العلمية المغربية على مر الأحقاب بتعلقها الشديد بسيرة الرسول الكريم، وانتهاض عزماتها للتعريف بشمائله وتعديد محاسنه

الدر الفاخر بذكر مؤلفات المغاربة عن شخصية النبي الطاهر

ففضلا عن مظاهر الإعزاز والتقدير والاحتفاء التي عبر عنها المغاربة تجاه مولد النبي وسيرته وحياته، فقد نشط العلماء للتأليف في الشمائل المحمدية وفي كل ما يرتبط بالبعثة النبوية على مدار القرون، مخلفين لنا عشرات المؤلفات والقصائد والأرجوزات التي انتشرت مع كرور الأيام ومرور الأعوام، ونقتصر هنا على ذكر عينة من تلكم الكتابات على سبيل الذكر لا الحصر:

  • "الآيات البينات في ذكر ما في أعضاء رسول الله من المعجزات" و"التنوير في مولد السراج المنير" للكاتب أبي الخطاب بن دحية، وهو من أعلام عصر الموحدين.
  • "عرائس الأفكار في مدائح المختار"، وهي منظومة شعرية من إبداع أحمد بن عبد الحي الفاسي (ت 1708).
  • "كمال الفرح والسرور بمولد مظهر النور"، للعلامة أحمد العياشي السكيرج.
  • "وردة الجيوب في الصلاة على النبي المحبوب"، للفقيه محمد بن عبد العزيز الرسموكي.
  • "هداية المحبين إلى ذكر مولد سيد المرسلين"، للشيخ محمد التهامي بن المدني كنون.
  • "السر الرباني في مولد النبي العدناني"، للفقيه محمد البناني الفاسي.
  • "ربيع القلوب في مولد النبي المحبوب"، للشيخ العربي بن عبد الله التهامي الرباطي (ت 1920).
  • "السانحات الأحمدية في مولد خير البرية"، للعلامة محمد بن عبد الكبير الكتاني.
  • "السر الأبهر في ولادة النبي الأطهر"، للشيخ أحمد بن جعفر الكتاني.
  • "النور اللائح بمولد الرسول الخاتم الفاتح"، للمؤرخ والأديب عبد الرحمن بن زيدان (ت 1949).
  • "الرحمة العامة في مولد خير الأمة"، للعلامة والمصلح محمد بن عبد الله المؤقت المراكشي.
  • "بلوغ القصد والمرام بقراءة مولد خير الأنام"، للفقيه محمد الحجوجي الحسني الدمناتي (ت 1950).

بهذه الإشارات البليغة والمفردات الجميلة، والمصنفات الأثيرة، عبرت النخبة العلمية المغربية على مر الأحقاب بتعلقها الشديد بسيرة الرسول الكريم، وانتهاض عزماتها للتعريف بشمائله وتعديد محاسنه، وزاحمت الكتبة المشرقية بأنفس المؤلفات والقصائد والمولديات التي أضحت ميسما بارزا للحركية التأليفية عن الذات النبوية الشريفة وسيرته المنيفة، عليه أزكى الصلاة والسلام.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.