شعار قسم مدونات

التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي

حياة ذكية- عرض لآخر التطورات التكنولوجية في الساحة الرياضية
عام 2010 تم إدخال تقنية الفار إلى عالم كرة القدم لتسهيل اتخاذ القرارات من قبل الحكام وتخفيف نسبة الأخطاء التحكيمية غير المقصودة (الجزيرة)

من تابع كأس العالم 2022 في دولة قطر لم يستغرب التطور التكنولوجي الذي وصلنا إليه في حياتنا اليومية، فهذا التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي تم إدخاله في الرياضات والصناعات والإدارات والمهن، لذا نسأل أنفسنا: ما هي الخطوط الحمراء لهذا المارد التكنولوجي؟

منذ انطلاق كرة القدم في عام 1863 كان الحكام هم أصحاب القرار (بقيادة حكم الساحة) دون أي تدخل تكنولوجي، مما كان يؤدي إلى وقوع أخطاء تحكيمية جسيمة.

لكن معظم هذه الأخطاء كان يستحيل على الحكام أن يتنبهوا لها، فهم أناس طبيعيون لا يستطيعون رؤية المشهد من جميع زواياه، بل فقط من مكانهم الذي يوجدون فيه.

ويستحيل عليهم إعادته في عقولهم ورؤيته بالعرض البطيء، فمن منا لم يشاهد هدف مارادونا بيده في مرمى المنتخب الإنجليزي في عام 1986، خلال تلك الفترة كان الحكام يتحملون مسؤولية قراراتهم التي أدت في بعض الحالات للقتل.

وفي عام 2010 تم إدخال تقنية الفار إلى عالم كرة القدم، وذلك لتسهيل اتخاذ القرارات من قبل الحكام وتخفيف نسبة الأخطاء التحكيمية غير المقصودة، فهل نجحت هذه التقنية في تحقيق المطلوب؟

وأخيرا في كأس العالم 2022 تم استخدام 12 كاميرا تُثبّت أسفل سقف الملعب بهدف تتبع حركة الكرة، وما يصل إلى 29 نقطة بيانات تعمل بسرعة 50 مرة في الثانية مخصصة لكل لاعب في أرضية الميدان.

كما أن الكرة الرسمية لمونديال قطر "الرحلة" كان لها دور رئيسي في تطبيق تقنية رصد التسلل، إذ تحدد الشريحة المثبتة فيها بدقة مكان تسديد الكرة قبل الإقرار بوقوع التسلل أو عدمه.

وعلى الرغم من كل هذه التعديلات فإن الأخطاء التحكيمية ما زالت موجودة، والشهود على ذلك هم لاعبو المنتخب المغربي الذين سيقولون عند سؤالهم إن الحكام ظلموهم في معظم مبارياتهم.

وعليه، هل سيتم إلغاء التدخل البشري بشكل كامل في كأس العالم 2030 واعتماد الذكاء الاصطناعي لتحليل حركة اللاعبين والكرة وإصدار قرارات تحكيمية علمية، أي أن حكم الساحة يصبح فقط مرسالا يقوم بإيصال القرارات الذكية التي تصله من جهاز ذكي في غرفة بعيدة؟!

وعند الانتقال إلى تحليل تأثير التطور التكنولوجي من عالم المستديرة إلى عالم الموارد البشرية نرى أيضا أن عملية التحول الرقمي وتقنية الذكاء الاصطناعي أصبحت من أعمدة هذه المهنة وإجراءاتها، فمثلا عند التوظيف أصبح الاعتماد على هذه التقنية أساسيا لتسهيل إجراءات اختيار المرشح الأفضل، وذلك عبر مراجعة آلاف السير الذاتية، وإجراء المقابلات والرد على أسئلة المرشحين.

لكن هل هذه الإجراءات تضمن فعليا اختيار الشخص الأنسب للوظيفة؟ هل يمكن التحايل على "السيستم" (النظام) من المرشحين؟ هل يتم استخدام هذه التقنية للوظائف الصحيحة؟ هل يتم التأكد من أن عملية البرمجة تمت بطريقة سليمة وغير متحيزة؟ وهل يتدخل موظف الموارد البشرية عند المرحلة الصحيحة لضمان دقة الاختيار؟

جميع هذه الأسئلة محقة، ولكن يبدو صعبا انتقاد هذه التقنية، إذ إن شركات التكنولوجيا الكبرى تقوم بالتسويق لها بشكل شرس، كما أن مسؤولي الموارد البشرية ملزمون بإظهار التطور التكنولوجي في إداراتهم وإجراءاتهم كي يتماشوا مع إستراتيجية التطور التكنولوجي في معظم الشركات، بالإضافة إلى أن هذه التقنية تقوم بتسهيل بعض الأعمال الروتينية والإدارية لموظفي الموارد البشرية.

لكن الذين يمكنهم أن يعبروا عن استيائهم أو تحفظهم من نتائج هذه التقنية هم المتقدمون للوظائف الذين لا يتم ترشيحهم لمقابلة شخصية (الأغلبية الكبرى) بقرار من نظام مبرمج يقوم بتحليل المعلومات على السيرة الذاتية ومطابقتها مع الوصف الوظيفي.

كما أن الموظفين الذين يطلب منهم الدردشة مع تقنية شات بوت وليس عبر التواصل مع زملائهم في الموارد البشرية هم أيضا يجب استفتاؤهم لمعرفة رضاهم عن هذه التكنولوجيا.

ومن المؤكد أن تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي في إجراءات الموارد البشرية هو تطور مميز ولديه منافع عديدة، لكن الملاحظة الوحيدة هي وجوب الاستعانة بهذه التقنية عند وجود فائدة لمصلحة العمل ومنفعة للموظفين، وليس لأن شركات أخرى تستخدمها.

وفي النهاية -وليس بهدف المقارنة- فإن عملية التنفس الاصطناعي يمكن أن تنقذ حياة الإنسان لكن يجب تنفيذها عندما يكون الشخص غير قادر على التنفس بشكل مستقل وطبيعي، كما يجب أن تنفذ بشكل سليم لتكون النتيجة إيجابية، ورغم ذلك فإن هذه التقنية يمكن ألا تنجح في إنقاذ جميع الحالات الطبية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.