شعار قسم مدونات

عصفورية الديمقراطية

الأصل في فساد المنظومة اليوم هو أيديولوجيا تحررية عملت على الربط بين الحرية وتعرية الجسد المصدر : مركز أضواء للدراسات وجريدة أصوات ..
الكاتب: يتحدثون عن الحرية والنظام العالمي الجديد والتسامح مع أنهم أول من منع دوستويفسكي وكل ما هو روسي عند قيام الحرب الروسية الأوكرانية (مركز أضواء للدراسات وجريدة أصوات)

هناك في العزاء الأبدي، في المكان الذي تنمو فيه زهرةُ الدنس، التي تقطفها كل نفس ميالة للسوء من على الكرسي البهيج، يتم تتويج الفوضى وانحلال كُل تماسك.

يُحكى عن مجموعة ممن يسميهم ابن باجة "أصحاب الفطرة الفائقة" والذين من وجهة نظره -على عكس باروخ إسبينوزا- هم الباب الوحيد للخلاص، حيث إن الخلاص لا يتم إلا عن طريق نخبويتهم والذين قاموا بكشط تاريخهم كأنه لم يكن وجعلوا بدايته في عصر التنوير وكأنهم لم يوجدوا قبل القرن الـ 18 حتى أنهم أطلقوا العديد من المسميات الجديدة على كافة أشكال الحياة الغربية مثل الباروك الجديد والبرجوازية الجديدة مع أنهم إن أرادوا الاستشهاد اقتبسوا من المعلم الأول أرسطو في العصر الذهبي الذي ينسبونه إلى أمجادهم ويتغنون به.

نسوا جرائم الكرادلة والدماء السائلة، وقام أمثال فيكتور هوغو بتبرير الجرائم الحديثة مثل الاستعمار بأنها تقوم باسم الرب.

وفي المقابل يتحدثون عن الحرية وعن النظام العالمي الجديد والتسامح مع الآخر، مع أنهم أول من منع دوستويفسكي وكل ما هو روسي عند قيام الحرب الروسية الأوكرانية.

الدكتور: مهلاً يا بروفيسور، أنت لم تجاوبني على سؤالي بعد، اقعد أعوج واحك جالسا!

البروفيسور: صبراً يا نطاسي، كان أبا حسيد إذا هجا الناس، يهجوهم على أقدارهم.

المهم أنهم خرجوا مصدرين ما يُسمى بالدولة الحديثة كالنموذج المنقذ الذي اصطفاه قساوسة الطاولة المستديرة للعالم أجمع، فقاموا من خلاله بجعل الأخلاق قضية ثانوية وفصلوها عن نظام الدولة لكي تصبح عملية الأخلاق مهنةً غريبة وغير مرحب بها في عيون الأنجلو ساكسون البرابرة والعرب العاربة والمستعربة، وصوروا لنا من خلال تعاليم العم سام.

الدكتور: أنا أعرف العمة سام فقط.

البروفيسور: هكذا أنتم يا معشر الأطباء النفسيين تظنون بأن العم فرويد هو الأوحد في مجاله وبأن العالم سيبقى دائماً قطباً واحداً كما صور لكم العم سيغموند بأنه الداء والدواء الأبدي، لا يا عزيزي، هنالك العمة سام والعمة فانغ والعمة نيكول ربي يحفظهم.

الدكتور: هنالك العمة فانغ والعمة نيكول أيضاً؟

البروفيسور: بالطبع يا نطاسي، وكل هؤلاء ينظرون لنا على أننا كعكة الميلاد ويتنافسون جميعهم على القطعة الأكبر، فكل عمة تريد لأحفادها من بعدها القطعة الأكبر، مهلاً يا نطاسي لا تقل لي إنك لم تحظ بحنان الجدة والعمة؟

الدكتور: للأسف لقد ماتا قبل ولادتي؟

البروفيسور: إذاً أهي عقدة أوديب؟

الدكتور: لا تهرج يا بروفيسور!

البروفيسور: على العموم ذكرني بسؤالك؟

الدكتور: عن الصراع المستميت ما بين الدين والعقل.

البروفيسور: لا يوجد صراع ما بينهم، فالله أرسل الأنبياء لكي ينبهوا الناس لأهمية العلم ومنزلة العقل، أما النظريات المشككة التي يبتلعها السوق الغربي دائما ويقذفها نحو السماء لكي تتطاير كالألعاب النارية وتسقط على رؤوسنا ما هي إلا وسيلة ضمن وسائل التشويش مثل نظرية داروين التي أوجدت لإيجاد هذا الصراع وبناء سد مختلق ما بين العلم والدين.

وهذه الحقيقة شديدة الوضوح يا نطاسي، ولكن أنت تعلم أن هذا السبيل الذي يحمل عبارتين ثقيلتين مثل الدين والعلم هو حقل ألغام مخيف لا يتجه له إلا العارفون على غرار المتطوعين من أمثالي الذين خرجوا من حبكة السرك الروماني الذي يدفع بروح المواطنة الحقيقية لتتلاشى شيئاً فشيئاً مكونين من خلال هذا السيرك الممتلئ بالمهرجين والمرتزقة سداً منيعاً ما بين عملية الأخلاق والعقل والدين والدولة، فيصبح الإنسان منفصلاً عن كل ما حوله ما عدا ارتفاع أسعار البصل.

(يسمع الأطباء في العصفورية صوت الدكتور سمير ثابت الذي أفاق من نومه صارخاً بسبب تأثير العقاقير وملاحقة البروفيسور بشار الغول له في الحلم، ويأتون راكضين لكي يعطوه إبرةً مُخدرة ينام على إثرها مجدداً على أمل أن تختفي هلوسات شخصية بشار الغول الذي كتبها الدكتور غازي القصيبي في روايته العصفورية من عقله).

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.