بهاتكال مدينة توصف بقول الشاعر: فكلفت الأيام ما ليس يوهب

وتشهد الآثار القديمة بوجود بهاتكال (عام 22 الهجري) والتي لها تاريخ عظيم يثبت أنها من أقدم المدن، على شواطئ بحر العرب جنوب الهند، الواقعة بولاية كارناتاكا.

إنها مدينة تحيطها الجبال من جوانبها الثلاثة، والبحر يتلاعب بها من غربها، وتكتنفها أشجار جوز الهند، والأنهار تجري خلالها، فمن زارها تمتع ببهجتها وجمالها وبهائها ويشعر كأنه في بلد عربي.

وبهاتكال -التي رحبت بقوافل الدعاة من القرون الأولى الذين جاؤوا تجارا كعادتهم ونزلوا دوحها فحنت عليهم حنو الأم على الرضيع- كانت نعمت المرضعة للعرب الذين شرفوها بالتوحيد وأشرقوها بنور ربها وأزاحوا ظلمات الشرك والوثنية وأصبحت دعوتهم سببا لدخول كثير من الناس في دين الإسلام، فتعايشوا معهم حتى تصاهروا معهم، وعمروها بجمال الروح، وزينوها بحلي الإيمان والإحسان، ثم خلف من بعدهم ذراريهم الطيبون فحفظوا للأجيال ثقافتهم.

من ميزات أهل النوائط المتميزة أنهم يؤسسون هيئة اجتماعية باسم جماعة المسلمين في بهاتكال تحفظ لهم كيانهم وثقافتهم ووحدتهم وشعائرهم وتربطهم بأهاليهم وأقاربهم

وهم قوم توارثوا حسن السيرة وكرم الطباع ودماثة الخلق عن آبائهم.

ولا يخفى على من عنده أدنى مسكة من العلم أن الهند تمتاز عن غيرها بتنوع الثقافات وتعدد اللغات، فلقد استقبلت قبائل من مناطق مختلفة من العراق والشام وغيرها، كما استقبلت قبائل كثيرة من اليمن العاربة ومجموعة من القبائل من اليمن والحجاز والعراق والشام.

وسميت هذه المجموعة أو القبيلة على مر القرون باسم النوائط، تتكلم بلغة ممزوجة بالكلمات العربية واللهجات العدنانية والهنديات، وتسمى هذه اللغة بالنائطية، فاللغة تحفظ الثقافات. وقد حفظ هؤلاء الوافدون ثقافتهم وحياتهم الاجتماعية العربية بحفظ لغتهم، ولم يتنازلوا عن ثقافتهم قيد شعرة.

ويعرف عن هذه القبائل امتهانهم التجارة، ومعظم سكانها يتوجهون إلى البلدان الخليجية للتجارة وكسب المعاش.

ومن ميزات أهل النوائط أنهم يؤسسون هيئة اجتماعية باسم جماعة المسلمين في بتكل، ويركزون عليها تركيزا تاما، لأنها تحفظ لهم كيانهم وثقافتهم ووحدتهم وشعائرهم، وتربطهم بأهاليهم وأقاربهم.

نظمت القبيلة النائطية احتفالات واسعة ومهرجانات ثقافية كبيرة بمناسبة مرور ألف عام أو أكثر على تأسيس جماعة للمسلمين

ولقد نظمت القبيلة النائطية احتفالات واسعة ومهرجانات ثقافية كبيرة بمناسبة مرور ألف عام أو أكثر على تأسيس جماعة للمسلمين، في بهاتكال مدينة النائطية. ولا شك أن هذه الجماعة تحمل تاريخا عظيما لا يسعنا في هذه العجالة أن نعدد صفحاتها، ولكن سنفصلها في المقالات القادمة إن شاء الله.

وتلعب جماعة المسلمين دورا ملموسا -خلال ألف عام- في تطبيق أحكام الشريعة الغراء في مجال فقه الأسرة والحياة الاجتماعية، ومعالجة قضاياها وحل مشاكلها سواء في مسائل القضاء أو النكاح والطلاق والخلع والوراثة.

ويحظى نظام المحكمة الشرعية بشعبية كاملة، وأحكامها نافذة فيهم كالخاتم ولا يخالف هذا الأمر أحد ولا يرجع إلى المحاكم الحكومية.

ولقد ذكر الرحالة ابن بطوطة في رحلته أن:

أضواء الإيمان ترتفع من مناراتها، وأصوات الحق تدوي من منابرها، والأخلاق والشمائل تسمو فضلها، والضيافة والكرم تعلو منزلتها، والإنسانية والأخوة تحيي شعارها، وكثرة المساجد تغذي روحها، وزيادة أهل العلم والقرآن تنور أرضها، والمدارس والجامعات تعطر أجواءها، ومآثرها تنور سماءها، والأعمال الخيرية تخلد ذكرها، وتاريخها منذ وجودها يبقي أثرها، والابتكارات والإبداعات في النشاطات الدينية والعصرية تميزها عن الآخرين، والحديث عنها يثير حبا وشوقا إليها.

وقد صنعت هذه المدينة التاريخية مأثرة عظيمة، وحققت إنجازا كبيرا يستحق أن تسجل في صفحات التاريخ بحروف ذهبية، تتلى على مسامع الزمن وينشدها الدهر ويتغنى بها العصر، ندعو الله تبارك وتعالي أن يحفظ المسلمين جميعا ويوفقنا وإياكم بما فيه من خير..