شعار قسم مدونات

ما هي المعرفة؟

رؤية إثراء  تنمية مجتمع المعرفة  وإثارة الفضول المعرفي.
يطلق مفهوم نظرية المعرفة على مجموعة من المباحث هدفها تحديد ماهية المعرفة (الجزيرة)

إن مصطلح الإبستمولوجيا epistemology في اللغة الفرنسية مركب من الكلمة اليونانية episteme التي تعني "العلم" أو المعرفة العلمية، واللفظ logos الذي يعني في أصله اليوناني logos "نظرية" أو "دراسة نقدية". وبناء عليه يكون لفظ إبستمولوجيا في أصله الاشتقاقي "نظرية العلم" أو "نظرية المعرفة العلمية".

ويأتي اصطلاح الإبستمولوجيا في الإنجليزية مرادفا لاصطلاح نظرية المعرفة، أما في اللغة الفرنسية، فهو مختلف عنه، لأن معظم الفلاسفة الفرنسيين لا يطلقونه إلا على فلسفة العلوم وتاريخها الفلسفي.

وإذا كان بعضهم يوسع معناه ويطلقه على سيكولوجية العلوم، فمرد ذلك إلى أن دراسة تطور العلوم، لا تنفصل عن نقدها المنطقي، ولا عن مضمونها الحسي المشخص. وهو ما ذهب إليه لالاند في معجمه الفلسفي بالتمييز بين الإبستمولوجيا من جهة، وبين الميتودولوجيا وفلسفة العلوم، بمعناها العام، من جهة أخرى. فيعرفها -أي الإبستمولوجيا- بأنها: فلسفة العلوم التي تختص بدراسة نقدية لمبادئ العلوم المختلفة وفروعها ونتائجها بهدف الوصول إلى إرساء أساسها المنطقي.

حرص لالاند على التمييز بين أنواع الدراسات والأبحاث التي تتناول المعرفة البشرية، دليل على وجود احتمال قوي للخلط بينها، نظرا لتداخل بعضها ببعض

ونص كلامه: "تعني هذه الكلمة فلسفة العلوم، ولكن بمعنى أكثر دقة، فهي ليست الدراسة الخاصة لشتى المناهج العلمية، لأن موضوع هذه الدراسة هو علم مناهج البحث، وهو جزء من المنطق، كما أنها ليست أيضا تأليفا أو استباقا حدسيا للقوانين العلمية.

إنها- أساسا- ذلك المبحث الذي يعالج نقدية مبادئ العلوم المختلفة وفروعها ونتائجها بهدف التوصل إلى إرساء أساسها المنطقي، كما أنها تنشد تحديد قيمة هذه العلوم ودرجة موضوعيتها".[1]

ويعلل محمد عابد الجابري (ت:1431هـ، 2010م) بأن حرص لالاند على التمييز بين أنواع الدراسات والأبحاث التي تتناول المعرفة البشرية دليل على وجود احتمال قوي للخلط بينها، نظرا لتداخل بعضها ببعض، ويرى الجابري كذلك أن لالاند  قد وقع هو نفسه في خلط من هذا النوع كان يجيزه عصره، وذلك بجعله الميتودولوجيا جزءا من المنطق، وذلك مسايرة منه للتقليد المدرسي الفرنسي الذي كان يصنف المنطق إلى المنطق العام (الصوري) والمنطق الخاص (التطبيقي)، أما الآن فقد استقلت الميتودولوجيا مشكلة علما خاصا هو علم المناهج، وأصبح المنطق واحدا وهو المنطق الصوري في شكله الحديث.[2]

وكذلك اختار التمييز بينهما الدكتور جميل صليبا (ت:1396هـ، 1976م) في معجمه الفلسفي، حيث يقول: "نحن نفرق بين الإبستمولوجيا ونظرية المعرفة connaissance la théorie de، وإن كانت الأولى مدخلا ضروريا للثانية، ذلك لأن الإبستمولوجيا لا تبحث في المعرفة من جهة ما هي مبنية على وحدة الفكر، كما في نظرية المعرفة، بل تبحث فيها من جهة ما هي معرفة بعدية مفصلة على أبعاد العلوم، وأبعاد موضوعاتها.[3]

وعلى ضوء ذلك، هناك من ذهب إلى الفرق بين الإبستمولوجيا وبين نظرية المعرفة تبعا للمعنى الفرنسي، وعلى وجه الخصوص لالاند (ت: 1382هـ، 1963م)، ومن قال بعدم التفريق بينهما، وأنهما من قبيل الترادف، فقد اتبع المعنى الإنجليزي.

مصطلح نظرية المعرفة -سواء قلنا إنه مرادف للإبستمولوجيا، أو مغاير لها- فيعنى بالبحث في إمكانية قيام معرفة ما عن الوجود بمختلف أشكاله ومظاهره، وإذا كانت المعرفة ممكنة، فما أدواتها؟ وما حدودها؟ وما قيمتها؟

أما مصطلح نظرية المعرفة -سواء قلنا إنه مرادف للإبستمولوجيا أو مغاير لها- فيعنى بالبحث في إمكانية قيام معرفة ما عن الوجود بمختلف أشكاله ومظاهره، وإذا كانت المعرفة ممكنة، فما أدواتها؟ وما حدودها؟ وما قيمتها؟ والإجابة عن هذه الأسئلة، تشكل نظرية المعرفة. إذن يطلق مفهوم نظرية المعرفة على مجموعة من المباحث هدفها تحديد ماهية المعرفة وقيمتها ومصادرها وطبيعتها.

والبحث في هذه القضايا وأمثالها، تفرعت عنه 3 مذاهب فلسفية رئيسية، الأول: المذهب العقلي الذي يرى أن العقل بما ركب فيه من استعدادات أولية أو مبادئ قبلية هو وسيلتنا الوحيدة للمعرفة اليقينية. والثاني: المذهب الحسي أو التجريبي الذي يرجع المعرفة كلها إلى ما تمدنا به الحواس، باعتبار أن العقل صفحة بيضاء ليس فيه إلا ما تنقله إليه حواسنا. وأما الثالث: المذهب الحدسي الذي يذهب إلى أن الطريق الصحيح للمعرفة هو الحدس.

على الصعيد الإسلامي فينسب الباحثون الشيعة تنظيم مباحث نظرية المعرفة إلى العلامة الشهير محمد حسين الطباطبائي، حيث يزعمون أنه أول من بادر إلى ذلك من خلال طرحه في كتابه أصول الفلسفة والمذهب الواقعي

ومما تجدر الإشارة إليه أن أول من أسس نظرية المعرفة بوصفها علما متكاملا ومكتوبا هو الفيلسوف الإنجليزي التجريبي جون لوك (ت:1116هـ، 1704م) في كتاب أسماه "مقالة في الفهم البشري".

وأما على الصعيد الإسلامي فينسب الباحثون الشيعة تنظيم مباحث نظرية المعرفة إلى العلامة الشهير محمد حسين الطباطبائي (ت:1402هـ، 1981م)، حيث يزعمون أنه أول من بادر إلى ذلك من خلال طرحه في كتابه أصول الفلسفة والمذهب الواقعي.[4]

ولكن ما تستريح إليه النفس أن المعتزلة هم رواد نظرية المعرفة في الفكر الإسلامي، نظرا إلى نشأتهم السابقة، واشتهارهم بالجدل مع خصومهم، حيث أفرد القاضي عبد الجبار (ت:415هـ، 1024م) مجلدا كاملا أسماه "كتاب النظر والمعارف"، تناول فيه جوانب نظرية المعرفة بالتفصيل، ضمن موسوعته المغني في أبواب التوحيد والعدل.

 

هوامش

  • [1] لالاند، أندريه، موسوعة لالاند الفلسفية (بيروت: عويدات للنشر والطباعة، ط2، 1421ه، 2001م)، ج3، ص1455.
  • [2] انظر، الجابري، محمد عابد، مدخل إلى فلسفة العلوم العقلانية المعاصرة وتطور الفكر العلمي (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ط8، 1435ه، 2014م)، ص19.
  • [3] صليبا، المعجم الفلسفي، ج1، ص33.
  • [4] ينظر، الفياض، غلام رضا، المدخل إلى نظرية المعرفة دروس تمهيدية، ترجمة: أيوب الحسيني (بيروت: دار المعارف الحكمية، 2، 1438ه، 2017م)، ص29.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.