شعار قسم مدونات

القائد الإداري والبصيرة التنظيمية

إليك أبرز مؤشرات النجاح المستقبلية لأي مشروع تجاري
القائد الحاذق هو الذي يمتلك تصورا ورؤية إستراتيجية لتحقيق أهدافه (شترستوك)

يجمع الكثير من المختصين في الفكر التنظيمي والتنمية البشرية على أن القيادة تعتبر أُسّا مهما في معادلة التميز وجودة أي تنظيم بشري، بل إننا نرى معالم القيادة ماثلة لدى أمة الطير والنحل والنمل حين تنتظم في وفاق وانسجام خلف قيادتها لتشكل أسرابا بديعة وجيوشا منيعة تؤدي أعمالها الجماعية بإتقان وإمعان دون نشاز أو ارتباك أو عصيان.

وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- من أعظم قادة البشرية، فاستطاع بحنكته الثاقبة ومتانة فكره أن يؤثر في مدة قياسية -بما يملكه من ملكات قيادية فريدة- في مجرى تاريخ جزيرة العرب ثم في تاريخ البشرية تباعا، وقد بدأت نذر هذه البراعة القيادية منذ شبابه حين استطاع بفضل عقله الرجيح وتوقد فطنته أن يئد فتنة كادت تعصف بالعرب عندما اختلفوا في وضع الحجر الأسود بعد إعادة بناء الكعبة، فوقع اقتراحه الجامع موضع القبول عند جميع القبائل العربية، ونال منها كل إكبار وانبهار.

وتعتبر مهارات القيادة الإدارية عاملا حاسما في جودة الأداء المؤسسي وتحقيق الأهداف التنظيمية، ولعل الإفلاس التنظيمي الذي تعاني منه الكثير من المؤسسات مرده إلى وجود اهتراء في أداء القيادة الإدارية أو إلى عدم تحقق معنى القيادة كقيمة وممارسة أصلا.

تؤكد النظريات المفسرة لنشأة القيادة على وجود عدة عوامل تفاعلية تتدخل في تكوين شخصية القائد

كيف تتحقق المؤهلات القيادية؟

لقد ارتبط مفهوم القيادة منذ القدم بشخصية القائد وخصائصه النفسية والمورفولوجية (الشكلية)، هذه الخصائص التي تتداخل في تشكيلها عوامل ذاتية وأخرى موضوعية تسهم مجتمعة في صقل الشخصية الكاريزمية للقائد، وباعتبار القيادة ظاهرة اجتماعية فإنه ينظر إلى بنائها السوسيولوجي من خلال بعدين أساسيين هما: البعد الفطري والبعد الكَسْبِي (المكتسب).

فمن الناحية الفطرية يتأثر البناء التكويني للقائد بالصفات الوراثية التي اكتسبها من آبائه وأجداده، ومن هذه الصفات المهمة التي تشكل البعد القيادي للفرد الذكاء والفطنة وسرعة البديهة والشجاعة والحلم والصبر.

أما من الناحية المكتسبة فإن السياقات الاجتماعية والسياسية والثقافية والتقاليد والأعراف ونظم القبيلة وعادات الأسرة والرفقاء تؤثر في صقل مواهب ومهارات القائد وتكوينه العلمي ورؤيته الإستراتيجية.

وتؤكد النظريات المفسرة لنشأة القيادة على وجود عدة عوامل تفاعلية تتدخل في تكوين شخصية القائد، فنظرية السمات تشير إلى دور الصفات الفطرية المكنونة في ذاتية القائد، والنظرية السلوكية تركز على المهارات والكفاءات القيادية المكتسبة عن طريق التعلم والتدريب، أما نظرية الرجل العظيم فتؤكد على المواهب غير العادية التي يتمتع بها القائد دون سواه، فتجعله أهلا للقيادة والتأثير في الآخرين، أما النظرية الموقفية فترى أن القائد هو الذي يتمتع بالقدرة على اتخاذ القرارات المناسبة لمختلف المواقف بحسب المعطيات والسياقات الخاصة بكل موقف.

أنواع القيادة الإدارية

وتبعا لنظريات نشوء وتكوين القائد تختلف أنماط القيادة بحسب مؤشر التكوين والخبرة والملكات الفطرية، فهناك القيادة الرسمية وهي التي تعتمد في منهجية عملها على الأطر القانونية والالتزام بالأشكال الرسمية، أما القيادة غير الرسمية فهي التي تعتمد إضافة إلى القوانين على المهارات الفردية والقدرة الإقناعية والتنظيمية للقائد، فهو لا يعتمد في تسيير شؤون منظمته على موقعه الوظيفي فحسب، بل على مهارته في إدارة العلاقات الإنسانية بين شركاء العمل.

كما نجد أيضا القيادة الإيجابية التي يعتمد من خلالها القائد على تثمين أعمال شركائه وتشجيع العمل الجماعي والدفع نحو الإبداع في الأداء وتبني أنظمة التحفيز الإيجابي، سواء باللفظ كعبارات الشكر والثناء على الأفراد أو الجماعة أو عن طريق المكافآت والمنح والعلاوات.

في المقابل، نجد القيادة السلبية التي لا يكترث فيها القائد لطموحات شركائه في العمل ويتبنى فيها غالبا أنظمة التحفيز السلبي كالعقوبات والإنذار والتهديد، مع غياب التشجيع على روح المبادرة والعمل الجماعي، فالبعد الإيجابي أو السلبي في القيادة مرتبط بمستوى القيم الإيجابية أو السلبية الغالبة على القائد ومستوى الثقة بينه وبين شركائه.

كما نجد أيضا القيادة الاستبدادية، وهي التي تعتمد على القوة والسلطة في اتخاذ القرار وتتسم بالأحادية والمركزية في التسيير، وخطوط الاتصال فيها تكون عمودية بين القائد وشركائه، أما القيادة الديمقراطية فهي التي تعتمد على المشاركة في صناعة القرار والتشجيع على إبداء الرأي والنقد والاقتراح، وخطوط الاتصال فيها تكون أفقية بين القائد وشركائه.

إن القائد في الأساليب الاستبدادية ينظر إلى العمال كوسائل وأتباع، فيطلب منهم التنفيذ والانصياع، ولهذا يفضل التعامل معهم بأسلوب الأمر والنهي، لأنه ينظر إلى العمل لا إلى العمال، ويهدف إلى تحقيق إنتاجية أعلى دون الاهتمام برضا العمال، أما في الأساليب الديمقراطية فينظر إليهم كشركاء، ويطلب منهم الإجادة في الرأي والإبداع في الأداء، ولهذا يفضل التعامل معهم بأسلوب الشورى والشراكة في القرار، لأنه ينظر إلى العمل والعمال معا، ويسعى لتحقيق أهداف التنظيم والعمال معا.

من الناحية الفطرية يتأثر البناء التكويني للقائد بالصفات الوراثية التي اكتسبها من آبائه وأجداده

القائد والرؤية الإستراتيجية

تنبع أهمية القيادة في الأدوار الإستراتيجية التي تضطلع بها في جميع مجالات الحياة، ففي المجال السياسي هناك القادة الذين غيروا مجرى تاريخ شعوبهم وتاريخ البشرية بصفة عامة، وهناك أيضا القادة في المعارك الحربية وما قاموا به من معارك عظيمة غيرت سير المعارك الحربية وحولتها إلى انتصار في أصعب الأوقات، كما يقوم القادة بدور مهم في الهيئات والأحزاب، وبدون قيادة ذات كفاية تتحول أي منظمة إلى خليط مرتبك من الأفراد.

ولا شك أن ما سبق يؤكد لنا على الدور المتميز للقيادة في شحذ الهمم وخلق الدافعية نحو الإنجاز والابتكار، وحتى التضحية في سبيل تحقيق الأهداف المنشودة، فالقائد بما يحمله من صفات ريادية وانضباطية يسهم في بعث روح التنافس والدافعية نحو العمل، وإلهام أتباعه بالأفكار الخلاقة وشحذ هممهم نحو التحدي وبلوغ القمة، كما قد يكون ذا دور سلبي وهادم للإرادة وروح الجماعة وقاتل للطموح إذا لم يرقَ إلى مصاف القيادة بمسؤولياتها وأعبائها.

إن القائد الحاذق هو الذي يمتلك تصورا ورؤية إستراتيجية لتحقيق أهدافه، وينجح في إقناع شركائه بنجاعة خطته ويشركهم في اقتراح الأفكار ورسم الخطة وتنفيذها، ويجعل الجميع يعمل في تكامل وانسجام للوصول إلى الهدف، ويعتبر النجاح في تحقيق الأهداف نجاحا للجماعة وليس للقائد وحده.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.