شعار قسم مدونات

ماتت الملكة.. عاش الملك

الملكة إلزابيث والملك تشالز
الملكة إليزابيث ووريث العرش تشارلز (غيتي)

ماتت إليزابيث، وجاء تشارلز ملكا..

الغريب ليس في عملية تولي السلطة في بريطانيا أو في وثيقة الحقوق المدنية التي تنظمها، وليست في بروتوكولات الحكم، وليست في الخلفية الإمبريالية الاحتلالية التي قامت وتمددت على أجساد الشعوب وثرواتهم ما أشعل الثورة الصناعية، وليست في التاج ورمزيته، كل هذا عادي.

أتخيل فقط لو توج ملك مسلم أو أمير عربي من المسجد أو من مكة أو المدينة أو الأزهر، كما يتوج الملك البريطاني الجديد من كنيسة أسكتلندا على يد كبير الكهنة وكبار الكنيسة الإنجيلية، هل تكتب الصحف وتتناول التتويج بحياد وموضوعية وإن كان قائما على التعاليم الدينية وموروثها البعيد.

لبناء جسر لندن احتلت بريطانيا العظمى العالم، واحتلت الكثير من الدول، ومازالت سياستها ودهاقنتها أساتذة أميركا وسادتها.

تخيل نظرتهم إليك ونظرتنا إليهم، ربما نحن أكثر تقدمية منهم فنقول إن الأمر عادي، لكنهم لابد أن يتهمونك بالرجعية والإرهاب والحكم الديني إن حدث وتوج ملكا أو رئيسا من مؤسسة دينية.

القصة ليست موتا وحياة وعذابا ورحمة، هذا أمرها بيد الله خالق البشر كل البشر، لكن الأمر يتعلق بقراءة التاريخ والحاضر وكيف يدار، ولماذا يصير المحلل لهم محرم علينا.

لبناء جسر لندن احتلت بريطانيا العظمى العالم، واحتلت الكثير من الدول، ومازالت سياستها ودهاقنتها أساتذة أميركا وسادتها.

لأجل بقاء جسر لندن أو إعادة بنائه قتل الملايين واستغل واستعبد الملايين، سرقت ومازالت الكثير من ثروات الشعوب.

من أجل بناء جسر لندن دعمت بريطانيا الدكتاتوريات الملكية والرئاسية في العالم، فهي تحكمهم وهم يحكمون شعوبًا مغلوبا على أمرها بيد من حديد وأخرى من نار، وغير مسموح لهم المطالبة بإصلاح أو تحرير أو تغيير صيغة الحكم.

فيما كره الشعب الإيرلندي حياتها كما مماتها، شعب يقرأ ويحفظ التاريخ ولم ينسه.

لماذا يهوى العبيد المستعمر ولماذا يعشق الضعيف القوي حيا كان أم ميتًا؟

القصة ليست سياسية بقدر ما هي خلاف كنسي استباح الروح الإنسانية، خلاف دعمته ملكة الكنيسة، وحققتها حكومتها، فهل تختلف بريطانيا القرن العشرين عن القرن الـ 21، وهل تختلف إمبريالية بريطانيا عن رأسماليتها المتوحشة.

التاريخ لا ينسى بل يستنهض، لنتذكر أن حكومة جلالة الملكة الإمبراطورية هي من سلمت فلسطين، وهي من أمرت باحتلال العراق كمثال فقط.

لماذا يهوى العبيد المستعمر ولماذا يعشق الضعيف القوي حيا كان أم ميتًا؟

لنقرأ التاريخ.. لنفكر في التاريخ، الحزن على الميت كإنسان هذا حق، لكن أن تنسى وتحزن على أفعاله رغم الأرواح والدماء التي أزهقت واستبيحت باسم التاج، ليس حقاً، فالشعوب لا تصادر حقوقها إرضاء لمحتل والمستعمر رحل في موت أو بقي في حياة.

إياك أن تنسى، إياك أن تنسى ذاتك.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.