شعار قسم مدونات

قصة فطيم تحاكي فلسفة التقريب بين مذاهب أهل السنة

"الأشاعرة" أثبتوا أيضا الصفات مثل "أهل الحديث" لكنهم أجازوا فقط تأويلها، ولم يقولوا بوجوب التأويل (الجزيرة)

أسرة مغتربة لها فطيم حديث عهد بـ"المنطق" و"الكلام" أرادوا زيارة الأهل والوطن، وبمجرد أن حجز أبو الفطيم بطاقة السفر بالطائرة أخذ الفطيم الصغير يسأل مرة ويتسمع أخرى إلى السفر بالطائرة كيف يكون؟! ونسج للرحلة خيالا بحسب مدركاته، وكلما رأى طائرة تحلّق، سأل هل سنركب الطائرة؟ وتأتيه الإجابة: نعم! هو يسأل بمقتضى خيالاته، وتأتيه الإجابة عن الواقع، لكنه لا يدرك أنه متوهم ويصرّ على تمرير الحقائق المقدمة له وفق مدركاته القاصرة والناقصة، حتى حان موعد السفر ودخلت الأسرة الطائرة فإذا بالصغير يصرخ بوالديه باكيا: أريد أرى الطائرة! قلتما لي سنركب الطائرة! وهما يحاولان إقناعه أنه في الطائرة، لكن دون جدوى.

حقا إن قصور العقل مزعج، ويحمل صاحبه على الضجر حتى يصعب إقناعه. تحركت الطائرة والصغير مربوط بحزام المقعد والنافذة فوق مستوى بصره، والطائرة على الأرض، وحتى بعد إقلاعها لا يكاد يرى من الخارج إلا السماء، غاية ما شعر به الفطيم بعض الاهتزاز، وغاية إدراكه لأصوات المحركات أنه في حافلة كبيرة أو عربة قطار، ولم يعرف أنها تخترق السحاب. مسكين ذلك الفطيم الحديث التجربة بـ"الكلام"؛ إنه يعتقد أن حجم الطائرة ضئيل كما تتراءى له في جو السماء، حين يراها محلقة على استعلاء، ربما كان يتصور أنه سيمتطي ظهرها. إنه لا يعي من أمر الطائرة أيضا إلا معرفته بدمية طائرة يلعب بها في البيت، ولأنه لم ير طائرة حقيقية لم يفكر أبدا أنه سيركب "في" الطائرة، ولو كان يفهم الفرق بين "في" و"على" من حروف المعاني لافترض أنه يستوجب عليه أن ينكمش حتى يكاد يختفي ليتمكن من الدخول فيها، وأحسب أنه كان يتوهم أن سفرهم بالطائرة أن يمتطي وحده ظهرها مستأثرا بها دون غيره، تماما كما يستأثر بلعبته التي هي دمية على شكل طائرة، لعل خياله أوهمه أن تحلق الدمية -وهو راكب عليها- إلى جنب أبويه وإخوته الراجلين حتى يصلوا إلى وطنهم!

اصطدام المدارك القاصرة بالحقائق الكبيرة

الفطيم الحديث العهد بالكلام لما اصطدم بالواقع الحقيقي لم يستطع التخلي عن شيء من تصوراته الماضية. أحد توهماته أن جسم طائرة السفر بقدر دمية الطائرة لعبته التي تركها في صندوق اللعب في بيته! وأنّى له وهو "فطيم" أن يعيد تصحيح تصوراته ويدرك الواقع وأن الطائرة جهاز كبير يكفي لحمل أطنان البضائع ومئات البشر؟!

كان يحتاج لمن يصحح له خطأ مدركاته، أولا ثم يبني برنامج رحلته حسب الواقع الحقيقي فعلا!

لأنه من المحال أن يخرج من الطائرة وهي تحلق فوق السحاب لينظر إليها نظرة كلية شمولية ثم يدخل فيها!

لن يهدأ الصغير حتى ييأس من تحقق حلم ارتحاله ظهر الطائرة أو يراها مرة أخرى جاثمة على الأرض بحجمها الطبيعي، ويدرك بالعيان قدرتها الهائلة، تلك القدرة التي لم تجد طريقا إلى عقله القاصر الصغير فخفيت عنه حقائق كونية كبرى!

قبل 15 سنة، ابني كان بطل قصة "الفطيم"، ولا أستبعد حصول ذلك مع آخرين، ولك أن تعتبر هذا مثالا تقريبيا قابلا للحصول!

غدر التصورات القاصرة بفهم الإيمان بالصفات

ليس صغير قصتنا "الفطيم" فقط هو المغدور به بسبب تصوره الخاطئ لواقع حجم وقدرات الطائرة!

"الصفات الخبرية" لله تعالى: هي التي جاء بها الخبر من قرآن أو حديث مثل صفة العلوّ، وصفة الوجه، واليدين إلى غير ذلك. هناك كثير يتعرضون لفهم "الصفات الخبرية" للرب -جل وعز- بنفس طريقة الفطيم بخلفيته عن الطائرة الدمية للتعامل مع الطائرة الحقيقة، ويحاولون فهم صفات الله تعالى بحسب ما عرفوه من مسمياتها في أنفسهم كمخلوقين؛ كمحاولة الفطيم ارتحال الدمية والسفر بها، إنهم يحاولون إثبات الصفات على حقيقتها؛ فيقع البعض في مشكلة التجسيم، أو على الأقل يكون مقتضى كلامهم موهم بالتجسيم والحيز، وإذا أراد البعض الآخر تأويلها على وجه الكناية التي لا تمنع من المعنى الحقيقي للصفة، قد يقع البعض في مشكلة التعطيل للصفة أو نفيها!

والتعطيل: معناه التخلية والترك، كقوله تعالى: "… وبئر مّعطّلة" [الحج: 45] أي مخلاة متروكة. إن ربنا -تعالى شأنه- له  صفات المجيء: "وجاء ربّك والملك صفًّا صفًّا" [الفجر: 22]، وله يد: "يد اللّه فوق أيديهم" [الفتح: 10]، وله وجه: "ويبقى وجه ربّك ذو الجلال والإكرام" [الرحمن: 27]، وله استواء على عرشه: "الرّحمن على العرش استوى" [طه: 5]، وله صفة النزول: "‌ينزل ‌ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، يقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له" [متفق عليه: صحيح البخاري 2/ 53 ط السلطانية؛ صحيح مسلم 1/ 521 ت عبد الباقي] تعالى شأن الله وتنزه!

وليست طاقة البشر متساوية في قدرتها على إدراك مدلول ألفاظ الوحي الشريف، حتى مسلمو عصرنا، فهم إما عجم أميّون أو عرب أكثرهم مستعجمون. وطبيعي أن تعجز بعض العقول البشرية عن الوصول لقناعة إثبات الصفات كما تليق بصاحب الجلال، تقدست صفاته وتباركت أسماؤه. ولماذا لا نقبل أن يكون إثبات الصفة مع جواز تأويلها حلا نستطيع تقديمه لمن استعجمت عربيتهم أو استعربت عجمتهم، في بحر ذوبان الألسنة الذي لاطمتنا أمواجه العاتية!

تلاسن المختلفين مع قصد التنزيه ثلمة أخلاقية وفساد في النية

وليست المشكلة أن نختلف في إرادة التنزيه لله تعالى مرة بإثبات الصفة وتفويض علم حقيقتها لله تعالى، ومرة أخرى بجواز تأويلها مع الإثبات والتفويض! بل المشكل الأكبر اعتبار أحد مريدي التنزيه للآخر أنه على ضلالة ولا يعلم أن هذا باب قد يتعدد فيه الحق، تنوعا في الوسائل لا تضادا في المقاصد! وقد بيّنا في المقال السالف أن مصطلح "أهل التنزيه" مصطلح جامع لأهل المذهبين! من "الماتريدية" و"الأشاعرة" المثبتين للصفات مع جواز التأويل في مقابل "أهل الحديث" المثبتين مع التفويض!

والعلم بكيفية ذات الله تعالى، وكيفية صفاته سبحانه من الأمور التي أمرّها السلف كما هي بلا تعرض لكيفيتها، لأنه لا يعلم كيفيتها إلا الله عز وجل. وأبو عبيد القاسم بن سلام الهروي (ت 224 هـ/ 838م) قال في أحاديث الصفات: هذه الأحاديث حق لا يشكّ فيها، نقلها الثقات بعضهم عن بعض حتى صارت إلينا، نصدق بها، ونؤمن بها على ما جاءت". وقال الوليد بن مسلم (ت 194هـ/ 810م): سألت سفيان، والأوزاعي، ومالك بن أنس، والليث بن سعد، عن هذه الأحاديث؟ فقالوا: "نمرّها ‌كما ‌جاءت"، [السنة لأبي بكر بن الخلّال (ت 311هـ/ 923م)، ط/ دار الراية- الرياض، 1/ 258-259] قال أبو بكر الخلّال: هذا هو مذهب السلف، إثبات حقيقتها ونفي علم الكيفية.

تكييف الصراع حول الصفات

إن أغلب هذا الصراع في أساسه كان دائرا بوصفه صراعا فلسفيا علميا، كثر فيه الكلام فسماه أهل العصور الأولى "علم الكلام"، فكان حوارا ساخنا تتسع فيه المدارك ويثاب فيه المجتهد على قدر اجتهاده، ومثل هذا النظر لا يقال فيه لأحدهم مخطئ وللآخر مصيب! ومهما تعمق الخلاف وكثر الجدال فهو على وسيلة التنزيه لا على التنزيه المتفق عليه، وهو مراد كل من توجه للنقاش ومقصود المذهبين واضح إليه.

ومع تأخر الزمان وتصدر بعض الطغام من المذهبين، استعملوا هذا الصراع في توجهات سياسية، أو لتصفية خلافات أقل من أن توصف بالشخصية! وحدث وغر صدور أحدثه سوء الأدب بالتحاسد والتلاسن والتراشق بالسباب والاتهام بالضلال والحمق، ويكيل بالسوء بعضهم لبعض الحشف، دون مراعاة لقدسية الموضوع ولا آدب الخلاف فيه! فكأنك بين متخاصمين انتفى بينهم الوقار فأصبح شركاء التجارة الذين يتنازعون على ربح وخسارة أكرم منهم! وهذا ما تستهجنه الأنفس النقية وتأباه الفطرة السوية.

تميز أهل المذهبين

"الأشاعرة" أثبتوا أيضا الصفات كـ"أهل الحديث" ولكنهم أجازوا فقط تأويلها، ولم يقولوا بوجوب التأويل. فهل يستبعد أن يكون المجيء الإلهي "كناية" يراد به مجيء الأمر وأن النزول نزول رحمة الله، وأن نؤول الوجه بالذات، ونتفق جميعا أن من التعسف أن نحاول إدراك حقيقة صفات الله تعالى، مع اعتبار قصور معرفتنا على معرفة صفات المخلوقين وأفعالهم!

إننا متى ندرك أن أهل الإثبات تميزوا بالسيطرة على ملكاتهم العقلية فهم عليها مقتدرون، وأن أهل التأويل يتلمسون لأهل القصور والضعف ما لا تعيا به العقول فهم للضعفة مُعْذِرون! وبتزويج الحكمتين؛ عندها يتحقق للأخلاف سؤدد الأسلاف، مهما كان بينهم من خلاف، لأنه كما فهم الأولون خلاف وسائل لا خلاف غايات.

إذا أعلن قبطان الطائرة قائلا: نحن نحلق على ارتفاع كذا وكذا، من الطبيعي أن يفهم من ندائه: أن الطائرة تحلق ونحن داخلها! ولا يكون من لازم كلامه أن الركاب الذين على متن الطائرة يحلقون بأجنحة، ولا يجب على القبطان أن يقول: الطائرة تحلق ونحن فيها، فهذا من التضمين الذي يطلق فيه الظرف ويراد منه المظروف، ومثله في القرآن الكريم "واسأل القرية التي كنّا فيها والعير التي أقبلنا فيها وإنا لصادقون" [يوسف: 82]، فالمقصود قطعا أهل القرية، وليس المقصود نداء القرية وتوجيه السؤال لبيوتها وشوارعها!

اختلاف مدلول لفظ الصفة بحسب السياق

كم نظلم الواقع والعقل والحقيقة إذا حكّمْنا فيها العقول القاصرة عن إدراك ما صنعته أيديهم، فضلا عن إحاطة إدراكهم بحقيقة صفات خالقهم. إن القرآن العظيم به مشتركات لفظية يختلف مدلولها بحسب السياق، خصص لها العلماء علما أسموه "الأشباه والنظائر"، قال الله تعالى: "ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضلّ سبيلا" [الإسراء: 72] فهل يلزم أعمى الدنيا أن يأتي أعمى في الآخرة؟! حاشا لله غمط علماء الدين من أهل البصيرة، الذين أولهم "ابن أم مكتوم" (ت 15هـ/ 636م) وابن عباس (ت68 هـ/687م) رضي الله عن الأولين منهم والآخرين. ويتحتم علينا القول إن أعمى الدنيا هو فاقد البصر وأعمى الآخرة هو الكافر فاقد البصيرة، الأول يجوز أن يكون من أهل الجنة والثاني محال عليه دخولها، وكذلك مورد صفات الله تعالى، فإرادة المعنى الحقيقي منها لا يمنع معنى "الكناية" فيها، ولهذا فالتأويل مع الإثبات لا يعد تعطيلا للصفة، كما أن الإثبات مع التفويض مانع من إيراد التجسيم وإثبات الحد والحيز. نعوذ بالله من الخذلان.

بين صفات الربّ وصفات المخلوقين

لله تعالى صفة القوة وله تعالى صفة الإرادة وليس لصفاتنا من صفاته تعالى إلا الاسم، كما أن ثمار الجنة ليس لها من ثمار الدنيا إلا الشبه!

أيها "الفطيم" الضعيف هل رأيت الجاذبية الأرضية وهل لمستها فآمنت بها؟ أم لم يظهر لك منها إلا أثرها إذا انكفأت على وجهك، بل متى أدركت بالحس مرور تيار الكهرباء في السلك؟ وكلاهما من صنعك. إنك ترى النجم يحترق ثم يسقط في فضاء السماء أمام ناظريك وقد حصل انفجاره منذ آلاف السنين، وتحسب مسافته منك قريبة وبينك وبينه ما لا يصل إليه الضوء في آلاف السنين، فلا أنت بحواسك علمت الزمان، ولا بها أدركت اتساع المكان، وأصبحت عينك مقعرة أمام الأجرام والمسافة؛ فرأيت الكبير صغيرا، وها أنت تريد أن تخوض غمار الصعاب! فلا تذهب بعيدا وانظر إلى القلم في كأس الماء ما الذي كسره في عينك وهو سليم؟!

أيها "الفطيم"، لا بد لك من الإنابة مع التسليم! فمهما تجبرت فأنت فطيم، ووحيد غربة لا تهتدي بغير دليل.

كلنا ذلك الفطيم

يا للأسف، كلنا ذلك الفطيم المغترب إذا وصلنا للكبر أدركنا الحقائق "يوم تبلى السّرائر" [الطارق: 9].

في جانب الإيمان، إنما يكبر وعي العبد وإدراكه إذا اتصل بالوحي بمقتضى فهم اللسان العربي السليم، دون تمحل أو تعسف أو اجتزاء. نسأل الله صحة القصد وتمام التنزيه. إن الفرق الضالة لما وصلت في التعامل مع الصفات لحد التجسيم نزعوا منزع من قبلنا، فمن دلائل نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الإخبار عن هذا الانحراف قبل وقوعه، حيث قال: "‌لتتبعن ‌سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه، قلنا يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال فمن؟" [متفق عليه] هذا مع علمنا أنه لن يحيط بالله -تعالى- أحد علما "يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما" [طه: 110].

وكذلك في جانب الشريعة والأحكام، لم ولن يوجد الفقيه الذي يحيط علمه بحكمة وفلسفة تشريع كل حكم شرعي، سواء كان الحكم بالحظر أو الإباحة أو الوجوب، وإذا صدقت نية العبد فإن الذي يترك العمل بحكم صحيح خالص الصحة، لمجرد أنه عرض الحكم الشرعي على عقله فلم يقبله، يفوّت على نفسه استمتاعها بطاعة الله بالعمل بهذا الحكم، ولن يدرك هذا إلا بعد فوات الأوان، تماما كالذي يتلقى أشهى المأكولات لديه عبر أنبوب إلى المعدة دون أن يتذوقها اللسان، وكـ"فطيم" الطائرة إذا أصبح يافعا سيوقن أنه ركب الطائرة، مستمدا يقينه بتواتر الخبر له أن أسرته كانت مغتربة وقد ولد خارج وطنه، ورغم هذا لم يستمتع برحلته وقتها على متن الطائرة، وفوات تلك المتعة عليه لا لشيء إلا لأنه جادل في مسلمات الضرورة التي لم يدرك حقيقتها وقتئذ! وأنّى له أن تتوفر له رحلة أخرى، "لعلّي أعملُ صلحا فيما تركت كلا إنّها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون" [المؤمنون: 100]. فهل نتساهل في كل حكم لم ندرك كنه حكمة الله تعالى فيه لأجل قصور عقولنا كعقل "الفطيم" عن إدراك الحقائق التي تحكمه، ويريد ينظر لها من عل تحت قدمه وهي قد تنزلت عليه من السماء؟! أعتقد أن أمتنا ما لم ترفع أبصارها للوحي لم تره أبدا في السفل، لأنه من السماء نزل وعلى التسليم طبع.

إن إعمال الجانب العقلي غاية جهده فقط في مرحلة التلقي لثوابت الدين؛ يكون في البداية في إدراك أصل التوحيد وتفهمه باقتناع، وكذلك في إعمال عقل المجتهدين في إثبات صحة الوحي بحسب قواعد قبول الرواية التي وضعها علماء القراءات والمحدثين، ثم يأتي دور التسليم بكل ما ثبت من الدين، فيستشكل العبد عقله قبل استشكاله ثوابت الدين أمام العقل القاصر.

وهذا لا يعني أبدا أن المسلم يجب عليه ترك العقل خارج المسجد كما ينزع الحذاء، فإن الأصل أنه ليس بمقدور عالم -مهما كانت منزلته- أن ينطق بغير مقتضى الوحي المنقول، وإلا ففي وسع أي مسلم رد كلامه بالمعقول إذا خالف الوحي! ومسائل الوحي المنقول كما قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: "ليس لأحد من الخلق تغييرها ولا تبديلها، ولا النظر في شيء خالفها، من اهتدى بها فهو مهتد، ومن استنصر بها فهو منصور، ومن تركها واتبع غير سبيل المؤمنين ولاه الله ما تولى وأصلاه جهنم وساءت مصيرا" [تهذيب سنن أبي داود، ط عطاءات العلم 3/ 299].

وأخيرا راعيت في هذا المقال أنه:

طرح قصصي وواقعي؛ يعكس حالة عامة في البشر منتزعة من موقف واقعي: بطله "الفطيم" الآن بحمد لله أزهري يافع يستظهر القرآن الكريم؛ ويجرد الخلاف بين أكبر طوائف المسلمين دون تحيز لأحدها؛ وبه من الرمزيات والدلالات ما يجعله محلا لإفادة أي من أهل المذهبين؛ وقاربت فيه بين الخلفية الفلسفية للآراء التي طرحها "أهل الحديث" و"الأشاعرة" في مسألة الصفات، وهما المكون الأساسي لأهل السنة والجماعة؛ وليست غايتي فيه الانتصار لأحد المذهبين، بل إثبات صحة الاتجاهين وبيان جانب الكمال عند كلا الطرفين! خاوي الذهن إذا قرأه بفهم وروية فسيستفيد؛ وكلما أعاد المتخصص قراءته رأى فيه تقريبا بين المسلمين يفرضه العقل ولا يمنعه الدين؛ مادته مطروحة للقياس التجريدي لغيرها ومفتوحة لمن يزيد عليها، في اتجاه تقليص تيار تكفير المسلمين بعضهم بعضا؛ وهو قرصة لأذن الملحدين واللادينيين بالتقريب بين أهل القبلة المصلين. وتلك عشرة كاملة!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.