شعار قسم مدونات

ماذا أفعل في يوم عرفة؟

Prospective pilgrims in Arafat
الحجيج على جبل عرفات (الأناضول)

لكل إنسان منا أحلام وأمنيات يسعى لتحقيقها ويربط سعادته بحدوثها ويواصل السير والسعي في سبيل الوصول إليها، يبذل من الجهد المادي والنفسي والجسدي الكثير في سبيل نيلها والظفر بها ويغفل عن أهم وأبسط وأيسر أسباب حدوثها، ألا وهو التعرض لنفحات الله، "إن لربكم في أيام دهركم نفحات، فتعرضوا لها، لعله أن يصيبكم نفحة منها فلا تشقون بعدها أبدًا" حديث ذكره الإمام الغزالي في "إحياء علوم الدين"، ومع أن أهل الحديث قد قالوا بضعفه، إلا أنهم قالوا أيضا بتوافر الأدلة على صحة مقصوده، فهذه النفحات التي تأتي على هيئة إجابة الدعوات وكشف المدلهمات لها أوقات ومواسم أخبر عنها الصادق المصدوق ومن هذه الأوقات والأحوال، يوم عرفة في العشر الأوائل من ذي الحجة، وليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان، والثلث الأخير من كل ليلة، وساعة يوم الجمعة، والدعاء وقت الفطر من صوم، وعندما نكون على سفر، وفي مواضع السجود، هذه الأحوال والأوقات جميعها ترتجى فيها الإجابة لكن شريطة صدق الإقبال على الله؛ فمن صدق الله، صدقه الله.

الإنسان روحه أشبه ببطارية هاتف تحتاج إلى شحنات روحية، حتى تكون صالحة لتشغيله؛ ومن أهم محطات الشحن الروحي يوم عرفة، ذلك اليوم المشهود، يوم الغنيمة لمن أدرك القيمة وأقبل على الله الحميد المجيد، يوم المباهاة، يوم العتق من النيران، فأي أهداف ستكون أعظم وأقيم من هذه الأهداف، روى الإمام مسلم في صحيحه عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار، من يوم عرفة، وإنه ليدنو، ثم يباهي بهم الملائكة"، حتى الأهداف الدنيوية من نجاح وتوفيق وزواج وولد ومال فإنها مرجوة الاستجابة في ذلك اليوم المبارك، فقد روى الترمذي من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيّون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير"، وفي كتاب "الاستذكار" قال أبو عمر بن عبد البر: "وفيه تفضيل الدعاء بعضه على بعض، وتفضيل الأيام بعضها على بعض، ولا يعرف شيء من ذلك إلا بتوقيف. فقد ثبت في يوم الجمعة، ويوم عاشوراء، ويوم عرفة ما هو مذكور في كتابنا هذا في مواضعه، ومعروف أيضا في غيره. وجاء الاستدلال بهذا الحديث على أن دعاء عرفة مجاب كله في الأغلب -إن شاء الله- إلا للمعتدين في الدعاء بما لا يرضي الله".

لذا أقترح عليك عزيزي القارئ أن تعد قائمة مكتوبة بكل ما تتمنى وتحب وتطمح إليه، ثم ادع الله بها وأنت موقن بالإجابة وسترى العجب العجاب بفضل من الله ونعمة.

ووضع جدول عملي منظم ومرتب بدقة يختصر عليك الكثير في هذا اليوم المبارك، لذا دعني أنقل لك ما سطره في هذا السياق الكاتب الرائع -فك الله كربه- الدكتور خالد أبو شادي:

ماذا أفعل في يوم عرفة؟

  • نم ليلتك مبكرا ما استطعت؛ بنيّة التقَوّي على طاعة الله لتنال بنومك أجرًا.
  • قُم قبل الفجر للسحور، فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين.
  • صل 4 ركعات قيام على الأقل وادع ربّك وأنت ساجد بخيري الدنيا والآخرة.
  • اقض وقتًا قبل الفجر في الاستغفار حتى تكتب من المستغفرين في الأسحار.
  • استعد لصلاة الفجر قبل الأذان بـ5 دقائق، واستشعر أن ذنوبك تخرج مع آخر قطرة لكل عضو وأنت تتوضأ.
  • قل دعاء ما بعد الوضوء: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين، فمن قال ذلك الدعاء (تُفتٓح له أبواب الجنة الثمانية).
  • صل الفجر واجلس في مصلاك إلى ما بعد الشروق بربع ساعة.
  • ابدأ التكبير بعد السلام مباشرة.
  • اجلس في مُصلّاك حتى الشروق تقرأ القرآن مع تسبيح وتهليل وتحميد، ولا تنس أذكار الصباح.
  • صلِّ ركعتين بعد شروق الشمس، ليكتب الله لك أجر حجة وعمرة، وإياك أن تضيعها.
  • أنت الآن مخير إن استطعت ألا تنام اليوم كاملًا فلا تضيع ثانية واحدة في ذكر ودعاء وكن على يقين بالإجابة.
  • أو تنام ساعة أو ساعتين تنوي بذلك التقَوّي على طاعة الله سائر اليوم.
  • ثم قم من النوم لتتوضأ وتصلي 4 ركعات ضحى على الأقل، وتنوع بين الطاعات حتى لا تمل: تكبير، ذكر، تلاوة القرآن، دعاء.
  • صل الظهر وكبر وسبح واقرأ شيئًا من القرآن.
  • أكثِر من الدعاء وقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، فهو أفضل الدعاء في يوم عرفة!
  • صل العصر وكبِّر وابدأ بأذكار المساء.
  • اقرأ القرآن ثم أتبعه الدعاء بخشوع حتى غروب الشمس.. وادع الله ألا تغرب شمس عرفة إلا وأنت من عتقائه.
  • إياك أن تظن أنك باجتهادك في يوم عرفة خير من غيرك، فأنت لا تضمن القبول لكنك ترجوه، وإن ضمنته لم تضمن الثبات، فإن إبليس عَبَدَ اللهَ دهرًا مع الملائكة ثم صار إلى ما صار إليه، فلا تعجب بعملك، واسأل الله القبول والثبات، وأيقن بالإجابة.
  • مع أذان المغرب ابدأ بالإفطار، ولا تنس أن للصائم دعوة لا ترد.. انتهى كلام الدكتور خالد أبو شادي.

وفي ختام مقالي، وأرجو ألا أكون قد أطلت، أذكرك عزيزي القارئ بأنه إذا كانت أميركا هي أرض الأحلام، فإننا المسلمين أرض أحلامنا هي مواضع سجودنا لرب العالمين، وإذا كان وادي السليكون هو قبلة الطامحين للنجاح، فساعات بل دقائق يوم عرفة هي أوقات تحقيق الأمنيات فلن يحول الحول إلا وقد رأيت البشائر تهل، فاللهم افتح علينا فتوح العارفين وارزقنا الثبات واليقين واجعلنا من عبادك المخلصين اللهم آمين، يا رب العالمين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.