شعار قسم مدونات

قصة.. الحكمة وراء الهرم المقلوب

تعرف على كهف هالاماتا التاريخي بإقليم كردستان العراق
انزوى الرجل في قمة الجبل داخل كهف، وعلم أهل القرية بحاله فجاؤوا لزيارته ومواساته في المصيبة التي يتقاسمونها معه (الجزيرة)

يحكى أن رجلا كان يسكن في قرية في مكان ما، وذات يوم أصابت القرية جائحة مرضية قضت على أغلب سكانها، إلا ذلك الرجل وقلة قليلة معه. أصبحت القرية مهجورة عدا بعض العائلات. فقرر الرجل الخروج من القرية والاختلاء إلى جبل قريب لأن المسكين لم يستطع العيش في المكان نفسه مع ذكريات أسرته التي قضت في الجائحة.

انزوى الرجل في قمة الجبل داخل كهف، وعلم أهل القرية بحاله فجاؤوا لزيارته ومواساته في المصيبة التي يتقاسمونها معه، فكل منزل من منازل القرية فقد 3 أفراد أو أكثر. ونظرا لأن ساكن الجبل الجديد كان يكبر بقية الناجين بعقد من الزمن، فإنه كان يحظى بنوع من الاحترام والتوقير. أضف إلى ذلك أن المصائب التي تواجه الناس غالبا ما تجعلهم يعيدون النظر في كيفية سير حياتهم، لذلك فإن هيبة الرجل ازدادت، وحكمته فاضت، وأصبح جبله محجا لكل من يرغب في الحصول على استشارة بخصوص مسألة من مسائل الحياة.

وذات يوم ذهب أحد سكان القرية إلى الجبل لملاقاة الحكيم، وحينما دخل الكهف وجد نارا مشتعلة، وعثر في الجانب المقابل لها على صخرة تشبه الهرم. لكن العجيب أن صخرة الهرم تلك كانت موضوعة بشكل مقلوب، أي أن رأس الهرم كان للأسفل وقاعدته في الأعلى. اندهش الرجل من المنظر، خصوصا أن الصخرة كانت موضوعة بشكل عجيب، بل رأى أنه من الصعب جدا موازنتها بهذا الشكل، فتساءل بشكل طبيعي:

لماذا تجشم الرجل الحكيم عناء وضع الصخرة الهرمية بهذه الطريقة؟

  • وما مصدر هذه الصخرة العجيبة أصلا؟
  • هل هي من الفضاء أم من الأرض؟
  • هل هي من صنع الإنس أو الجن؟
  • وما الحكمة وراء موازنة الحكيم لها بهذه الطريقة؟

هرول الرجل عائدا إلى القرية ليخبر من فيها بالمنظر الذي رأى، وأصر على إخبارهم باختفاء الحكيم وتركه لصخرة على شكل هرم، مجهولة المصدر، وهي موضوعة بشكل متوازن ومقلوب.

اتجه سكان القرية إلى الكهف ليتأكدوا من رواية الرجل، فوجدوا النار قد انطفأت، لكن الصخرة الهرمية لا تزال في الوضع الذي وصف لهم. وبينما هم يتأملون غرابة المنظر ويتساءلون محاولين استيعاب الذي يقع أمامهم، بادرت امرأة محاولة وضع الصخرة الهرمية على الأرض، فمنعها رجل محذرا إياها قائلا:

لم يضع الحكيم الصخرة الهرمية بهذه الطريقة عبثا،

لذلك فإنه من واجبنا أن نعرف السبب والحكمة وراء هذا الأمر.

اتفق السامعون مع الذي نطق، وقرروا أن أول خطوة يجب القيام بها هي البحث عن الحكيم ليجيب عن أسئلتهم، عادوا إلى القرية بحثا عنه، وبحثوا في هوامش القرية وكهوفها المجاورة دون جدوى. يبدو أن الحكيم اختفى دون أن يترك وراءه أثرا.

انتظر سكان القرية عودته، ومرت أسابيع دون أن يظهر له أثر، وبعد توالي الأيام، عينت حراسة مشددة على الكهف حتى لا يتجرأ أحدهم على سرقة الهرم أو العبث به، فالجميع ما زال متشوقا لمعرفة السر والحكمة وراءه، وسوف لن تكون فائدة إذا عاد الحكيم ليجد أن الهرم تم تخريبه أو إسقاطه أو تدنيسه.

ومع مرور الأشهر، أصبح الكهف مزارا ووجهة لمعظم سكان القرية. فالبعض أخذ على عاتقه الاطمئنان على الهرم بشكل منتظم، وذهب البعض في البداية بدافع الفضول، وقرر البعض الآخر أن يذهب ليتأمل جمال الهرم، كما ذهب البعض ليختلي بنفسه مع الهرم ليحاول فهم الحكمة التي يحمل. وتطور الوضع تدريجيا ليتجرأ البعض على إحضار قرابين للتضحية بها قرب الهرم لأخذ البركة منه، أو ليطلب قضاء حاجة في نفسه. كل هذا في حرص شديد على سلامة الهرم وحماية له من السقوط أرضا.

وبعد مرور سنوات على الحال نفسها، شوهد الرجل الحكيم فجأة يتجول في القرية. وحينما توجه إلى كهفه في الجبل، فوجئ بتحول المكان إلى ضريح مقدس مزين. وصدم من هول عدد الناس الذين ينتظرون دورهم لولوج الكهف قصد التبرك بالصخرة الهرمية. ولمح الحكيم رجل كان يجلس قريبا من المكان، فصاح منبها بقية الزائرين إلى حضور الحكيم. فرح الجميع بعودته ونصبت الخيام، واستمرت الأفراح والاحتفالات 3 أيام.

أخذ الحكيم فترة راحة بعد الاحتفالات. وجاءت بعدها لحظة الحقيقة التي انتظرها الجميع منذ سنوات. تلك اللحظة التي يجب أن يكشف فيها السبب الحقيقي وراء الصخرة الهرمية المقلوبة. حضرت اللحظة التي ينبغي للحكيم فيها أن يجيب عن مصدر الصخرة الحقيقي، وأن يطلعهم أخيرا على الحكمة وراء كل هذا الموضوع الذي أقلق مضجع الجميع، لكن تجددت المفاجأة حينما تساءل الحكيم قائلا:

عن أي هرم تتحدثون؟

أخبروه في دهشة بالقصة منذ بدايتها، فتذكر الحكيم الأيام التي سبقت مغادرته لكهفه وأجابهم:

أولا الصخرة لم تكن هرمية الشكل منذ البداية،

بل كانت صخرة عادية

وشعرت بالضجر قبيل سفري بأيام، فقررت أن أمضي الوقت في نحتها دون أن أضع نصب عيني هدفا محددا. وبعد ساعات اتخذت الصخرة ملامح الهرم فقررت الاستمرار على هذا المنوال إلى أن انتهيت إلى شكلها الذي ترون.

أما بخصوص سبب وضعها بشكل متوازن ومقلوب، فكان الأمر عبارة عن تحدي بيني وبين نفسي. لأنني انطلقت من فكرة أن الهرم يوضع على قاعدته، فلماذا لا أعكس ما توافق عليه الجميع؟ وبعد 5 ساعات متواصلة من المحاولة تمكنت من وضع الهرم على رأسه، ثم أشعلت نارا وطهوت بعض اللحم وأكلت وغادرت الكهف مسافرا لقضاء مصلحة خاصة بي.

شكل الجواب صدمة لسكان القرية: كيف يعقل أن الهرم الذي قدسوه لسنوات، وانتظروا معرفة الحكمة وراءه لمدة، أن يكون وراءه هذا السبب البليد؟ رفض الجميع هذا الجواب. وظنوا في البداية أن الحكيم يمازحهم، لكن إصراره على ما وقع أكد لهم جديته.

انسحب سكان القرية لتداول الموضوع فيما بينهم، وخلصوا في النهاية، وبالإجماع، إلى أن الرجل المسكين قد فقد حكمته. وأن جنونا خطيرا أصابه، أو مسه شيطان جعله يفقد عقله. وقالوا إن كلامه منكر لا يمكن أن يقبله عاقل. وبعد اجتماع طويل، قرر سكان القرية نفي الحكيم خارج القرية مخافة أن يهين الهرم أو الكهف. وعاد الجميع إلى تقديس الصخرة الهرمية، وإلى يومنا هذا لا يزال سكان القرية في انتظار معرفة الحكمة وراءها.. تمت.

(ولقراء هذه القصة أينما كانوا أن يستخلصوا، كل حسب فهمه، المغزى وراء القصة)

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.