شعار قسم مدونات

"مصر للألمنيوم".. حين تبيع الفرس الرابح

Mostafa Madbouly (مصطفى مدبولي) الصحافة المصرية
مصطفى مدبولي (الصحافة المصرية)

خلال مؤتمر صحفي عقد يوم الأحد 15 مايو/أيار 2022 لإعلان خطة الدولة المصرية للتعامل مع الأزمة ألقى رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي خطاباً جاء في مقدمته:

لا بد أن ندرك أننا نتحدث عن أسوأ أزمة يمرّ بها العالم بأسره، منذ ما يقرب من 100 عام.

وبدت هذة التوطئة المقتضبة كافية للقبول بجدّية الحكومة في الوقوف على أبعاد المشهد الاقتصادي، ومن ثَم البحث في جدوى الحلول التي طرَحَها في هذا الخطاب نفسه.

في هذا الخطاب، أثار مدبولي بنفسه سؤالاً يتعلق بما تفعله الحكومة حالياً، وما ستفعله في الفترة المقبلة في مواجهة التحديات؟ فأجاب أنها:

ستعمل على تنفيذ تكليفات من الرئيس عبد الفتاح السيسي،

بتسييل أصول مملوكة للدولة بقيمة 40 مليار دولار خلال السنوات الأربع المقبلة، من خلال طرحها للشراكة مع القطاع الخاص، سواء المصري أو الأجنبي.

تسييل الأصول..

يُدرك رئيس الحكومة الوقع السلبي لكلمة بيع أو خصخصة أصول الدولة، فأسماها "تسييل"، ثم علّقها على شمّاعة أكثر ملاءمة للاستهلاك الإعلامي، فألحقها بهدف تشجيع القطاع الخاص وجذب الاستثمارات، مشيرا إلى أن قيمة المليارات العشرة المستهدفة هذا العام تم تحديد أصولها بالفعل، وبدء خطوات تسييل تلك الأصول.

وسنكتفي هنا بالوقوف على واحد من أهم هذه الأصول، لا لشيء سوى لأن قيمته واضحة ومثبتة، وفق الأرقام الرسمية المعلنة؛ والحديث عن "شركة مصر للألمنيوم"، عملاق هذه الصناعة في مصر والشرق الأوسط.

فلأكثر من نصف قرن، دارت عجلات إنتاج هذه الشركة دون توقف، لتلبية احتياجات السوق المصرية وتصدير الفائض للخارج. ورغم ما أصابها من فترات إهمال حاجتها الأساسية للطاقة وخفض تكاليفها، أظهرت الأرقام -خلال العامين الماضيين- قفزة هائلة في أرباحها، بقيمة تصل إلى نحو 1.7 مليار جنيه سنويا، مع توقعات بأن تواصل تحقيق أرباح قياسية، حيث ارتفعت أسعار الألمنيوم في البورصات العالمية خلال هذه الفترة بنسبة 135% تقريبا، لكنّ الحكومة أعلنت أنها تخطط لبيع حصة تتراوح بين 20% و25% "لمستثمر إستراتيجي"، مرجّحة أن يكون هذا المستثمر أحد الصناديق السيادية العربية.

لماذا تبيع البلاد حصة من شركة عملاقة تحقق أرباحا قياسية؟

في تعليقه على نية الحكومة بيع هذه الحصة، قال رئيس قطاع التسويق بالشركة إيهاب علواني إنها تبحث عن مستثمر إستراتيجي لتمويل عملية تدشين خط الإنتاج السابع للشركة، مشيرا إلى أن التكلفة التقديرية لإنشاء الخط الجديد تصل إلى نحو 13 مليار جنيه (699 مليون دولار أميركي)، وهي "تكلفة ضخمة لن تستطيع الشركة تمويلها بمفردها" حسبما يقول، لذلك كان القرار دخول مستثمر إستراتيجي مقابل 25% من رأسمال الشركة.

إذن، كانت فخر الصناعة المصرية للألمنيوم تحتاج إلى 13 مليار جنيه لمواصلة تقدّمها وتعظيم أرباحها، لكنّ الحكومة قرّرت التضحية بأكثر من ربع حصتها البالغة نحو 92% وبيعها لصندوق استثمار عربي، في نفس الوقت الذي أنهت فيه عقد شراء طائرة رئاسية بقيمة تقدر بنحو 6.5 مليارات جنيه من شركة "بوينغ"، لتضاف إلى أسطول طائرات رئاسية مكوّن من 24 طائرة.

الصناعة المصرية.. سؤال الأولوية

في جلسة برلمانية عاصفة، خُصِّصت لمناقشة عدد من طلبات الإحاطة والأسئلة الموجهة للحكومة، يوم الأحد 5 يونيو/حزيران 2022، وُجّهت انتقادات حادة لوزيرة التجارة والصناعة نيفين جامع بشأن توقف وبيع المصانع المملوكة للدولة، وتحدث النواب عن 8500 مصنع متوقف وفقا لتقارير رسمية، نتج عن توقفها موجات من تشريد العمالة وتفشي البطالة في القطاع الصناعي.

رئيس اللجنة الاقتصادية أحمد سمير طالب الوزيرة بـ"الكشف عن رؤية الحكومة للنهوض بقطاع الصناعة وإنقاذه من الأزمات التي يعاني منها"، موضحا أن "حجم الناتج القومي من الصناعة لا يجاوز 750 مليار جنيه فقط، وهو ما لا يليق بدولة بحجم مصر.

صحيح أن البلاد تواجه أزمة سيولة حادة جرّاء تخارج مليارات الدولارات منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية، بحيث يصعب معها الحديث عن توجيه مخصصات مالية مناسبة للنهوض بالصناعة الوطنية، لكن ماذا لو تحدّثنا عن مخصصات مشروعات العاصمة الإدارية الجديدة أو كلفة إنشائها في نفس الوقت؟

وماذا لو وضعنا أمام هذه الأرقام المفزعة لنزيف الخسائر في القطاع الصناعي أرقام الأرباح المتوقّعة منه، ولا سيّما لشركة مثل "مصر للألمنيوم" التي تصدّر نحو 50% من إنتاجها للأسواق العالمية، في وقت ارتفعت فيه أسعار الألمنيوم خلال فترة العامين -التي أشرنا إليها فحسب- بنسبة تقترب من 135%، وكسرت قيمة الارتفاع حدود ألفي دولار للطن الواحد.

وما الذي يعنيه التفريط بهذا الفرس الرابح لمستثمر أجنبي، بدلا من حمايته؟

ستغني كل إجابة عن أي من هذه الاسئلة عن بيان الأولوية عند النظام الحالي في مصر، وجدوى أجندته الاقتصادية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.