شعار قسم مدونات

نبي الإسلام بين إستراتيجية العداء وسنة رسالته الحضارية

blogs الرسول محمد
قبر الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وصاحبيه (رويترز)

الهجوم على الإسلام وتسفيه نبي الإسلام أمر ينطوي على أبعاد إستراتيجية وسياسية، ويعد مخططا قديما منذ أن صدح النبي صلى الله عليه وسلم برسالته الإسلامية؛ لأن أعداءه خاصة من القادة يخشون الإسلام كعقيدة ربما تعيد صياغة العالم كله. هذا الأمر ليس إنشائيا بل إنه واقع؛ بعض المستشرقين أشادوا بالتجربة الإسلامية في العصور الذهبية ويتوقعون إعادتها من جديد في المستقبل، هذا في نصوص أدبيات وكتب ساسة النهضة الأوروبية.

النبي محمد صلى الله عليه وسلم هو اختيار الله، واسمه مقترن بالله، ونحن نردد أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فمن يسب الرسول محمدا كأنما يسب اختيار الله عز وجل، فهو لا يتطاول على نبي الله فقط بل على الذات الإلهية.

هناك من المسلمين أو المتأسلمين إن صح التعبير يقولون إن الغضب الشعبي في الساحات الإسلامية ضد ناريندرا مودي أو إيمانويل ماكرون سابقا ما هو إلا مضيعة للوقت وردة فعل زائدة ومستهلكة، ويرددون دعونا نعش الحاضر ونهتم بمن يعيش على أرض هذا الحاضر.

إن التعرض للنبي محمد صلى الله عليه وسلم ليس بالأمر السهل، بل هو أمر عظيم يستوجب غيرتنا ونحن نعيش على هذه الأرض ولو بالممكن المتاح فلا يكتمل إيماننا كمسلمين إلا بحبه والغيرة عليه أكثر من أمهاتنا وآبائنا وعشائرنا.

سأل الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابة يوما عن سعد بن الربيع، وهو أحد الصحابة الذين استشهدوا في أحد، فذهب الصحابة ليبحثوا عنه ووجدوه في الرمق الأخير، فقال له أحدهم: الرسول صلى الله عليه وسلم يسأل عنك، فأجابه "أبلغ رسول الله مني السلام وقل له جزاك الله خيرا ما جزى نبيا عن أمته، وقل للأنصار لا عذر لكم إن خلص إلى رسول الله وفيكم عين تطرف". تدل كلمة "خلص" هنا إلى الوصول والتعرض للنبي بما يؤذيه، إذ إن رسالة سعد لنا جميعا.

كمسلمين يلزم علينا بشخصياتنا وشعوبنا وهيئاتنا ومسؤولينا وعلمائنا وإعلامنا أن نحدث نصرة حقيقية للرسول صلى الله عليه وسلم، وتمثل هذه النصرة على جميع الأصعدة من هيئة علماء المسلمين إلى الجهات الرسمية متمثلة في السفارات، ووزارات الأوقاف أو حتى على مستوى وزارات الداخلية في بلداننا الإسلامية، لا بد أن تُسن فيها قوانين تعاقب من يعتدي على مقدساتنا وأنبيائنا في كل البقاع الإسلامية بما يتوازن مع الحدث والفعل والفاعل، وقد تسهم هذه التشريعات في إخماد نار الفتن التي تواجه هوية مجتمعاتنا الإسلامية، فإن فاتنا شرف صحبته لا يفوتنا شرف نصرته.

من المؤكد أننا سمعنا وقرأنا عن مصير من يتعرضون للنبي محمد صلى الله عليه وسلم ولا يزال ذكرهم خالدا في القرآن.

أبو لهب استهزأ بخطاب الرسول صلى الله عليه وسلم وقال له "تبا لك يا محمد ألهذا جمعتنا؟" فأنزل الله تعالى (تبت يدا أبي لهب وتب ما أغنى عنه ماله وما كسب، سيصلى نارا ذات لهب). ثم وصل الخبر إلى أم جميل، فقالت "محمد يقول فينا شعرا وأنا سأقول فيه شعرا فرددت" مذمما عصينا، وأمره أبينا، ودينه قلينا". بعدها ذهبت لتضرب الرسول صلى الله عليه وسلم وبيدها حجر، فوجدت أبا بكر الصديق، ثم قالت له أين صاحبك؟ حيث كان الرسول صلى الله عليه وسلم بجواره ولكنها لم تره، فانصرفت، ثم أتبع الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله "ألا تعجبون كيف صرف الله عني أذى قريش هم يسبون مذمما وأنا محمدا".

الله عز وجل تكفل بالدفاع عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، يقول الله تعالى (والله يعصمك من الناس). الله كفيل بأن ينتقم ممن يؤذي نبينا سواء كان كافرا أو مسلما، في آخر المطاف هو مقطوع الأثر، كما قال الله (إن شانئك هو الأبتر)، أما نبينا محمد فذكره موصول بين السماء والأرض وإلى ما شاء الله.

حتى الألفاظ التي تسيء للنبي صلى الله عليه وسلم في العصر الحديث فإنها تنصرف إلى غيره، يقولون "إرهابي"، لكنه الصادق الأمين، وأنزل رحمة للعالمين، ويذهب اللفظ إلى الإرهابي الحقيقي الذي يطغى في الأرض فسادا.

ناريندرا مودي هاجم رسول الإسلام بزواجه من السيدة عائشة دون السن القانونية، ونشير إلى أن الله وضع لأنبيائه معجزاته ورعايته الإلهية كما نزلت الرعاية الإلهية لموسى عليه السلام عندما وضعته أمه في اليم، فضلا عن طبيعة المجتمع آنذاك.

عند تعرض البعض للإسلام ونبي الإسلام خاصة من الزعماء غير المسلمين فهذا مؤشر على أن هذا الدين يعيش ويتوسع، وإن دل فإنه يدل على قوة حجيته وشموليته، فهو يتنفس رغم خنقه والتضييق عليه ومكائد أعدائه.

لا شك أننا نحب الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه أول شفيع ومشفع، ونسعى للاقتداء بأقواله وأفعاله، لكن إذا لم يترجم هذا الحب إلى سلوك ونصرة حقيقية خاصة عندما يتعرض للنبي محمد صلى الله عليه وسلم من جهات رسمية وبشكل متكرر. في المقابل، يجب أن تكون ردة الفعل بمناصرته صلى الله عليه وسلم شعبيا ومجتمعيا واقتصاديا وإلكترونيا، والأهم من ذلك أن تكون رسمية.

رغم أن الهجوم أتى رسميا كما كان سابقه من إيمانويل ماكرون، لم نجد موقفا رسميا جادا من العالم الإسلامي أمام تصريحات المتحدث الرسمي باسم النظام الحاكم في الهند، باستثناء موقف قطر والكويت، وهما دولتان من أصل 57 دولة مسلمة، فضلا عن الدول الأخرى ذات الأغلبية المسلمة. موقف هاتين الدولتين أعطى أثرا رسميا على الأقل من خلال تنديد الحزب الحاكم بالتصريحات المسيئة لنبي الإسلام وعلقت أعمال صاحبها. لا شك أنهما انتدبتا شعوبهما بموقف مشرف عبر "وسم إلا رسول الله يا مودي"، متصدر منصة تويتر، والغضب الشعبي للمسلمين في بعض الدول الإسلامية، كل هذا يجعلنا نشعر بالقوة ونعيد الأمل بوحدة هذه الأمة.

نشير هنا إلى أن الحزب الحاكم في الهند يتبع منظمة "آر إس إس" (RSS)، ربما هي المنظمة الأكبر من نوعها في الهند وأنشئت قبل 100 عام، وأحد مبادئها كراهية الإسلام والمسلمين ومحو آثارهم وتحويل مساجدهم إلى معابد، وتحويل مسلميهم إلى هندوس، هذا منصوص عليه في أدبياتهم ومنشور في كتيباتهم وأفلامهم، حتى يصبح المسلم غريبا في هذا البلد.

حديث أزمة الإسلام ينبغي ألا يخيفنا أو يجرنا إلى غوغائية الرد والتنابذ، بل علينا توجيه خطابنا ونستغل مثل هذه التصريحات، ونضع مقارنة بين أزمة الإسلام وأزمة المسلمين، بمعنى أننا بكل ثقة ننكر الأزمة عن الإسلام ونبي الإسلام، في المقابل نعترف بكل إنصاف ومصداقية بوجود الأزمات لدينا نحن المسلمين، وأننا نعيش أزمات وعلى عدة أصعدة، مع الأسف بعضنا يواجهها بكثير من الفوضى والإنكار وعدم الاعتراف، بالإضافة إلى ضعف التدبير والتخطيط.

فالإسلام يضعف في نظرنا عندما نقيسه على منتسبيه، ويقوى عندما نقارنه بغيره من الأديان.

الأزمة لم تكن يوما في الإسلام ونبي الإسلام بل بتضليل المفاهيم، وانعكاس المعايير، وانتكاس الأخلاق.

الإسلام ليس تراثا باليا أو كتبا قديمة، ولا صناعة بشرية أو نظام حكم يعتمد على مزاج الساسة والناخبين، ولا فيلما وثائقيا يزيف الحقيقة والوعي، وليس منتجا نخشى عليه من الخسارة.

الإسلام رسالة حضارية سمحة خالدة، حقيقة وجودية، منظومة عادلة لسائر البشرية، منهجيته تعظيم النقل وإعمال العقل، وحضور الحجة والبرهان وأسمى تعريف له أنه دين الله، وجاء بهذا الدين العظيم نبي عظيم صادق سمح رحيم شفيع.

تعد التحديات الفكرية والعقدية والفطرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تواجه المسلمين كبيرة، ورغم ذلك فالإسلام يعيش وينتشر، ويقول نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم: "ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزا يعز الله به الإسلام، وذلا يذل الله به الكفر".

أزمتنا ليست بإسلامنا ولا بنبينا، لكن المسلمين هم الذين يمرون بأزمة، فإذا نهضنا وأزلنا عنا غبار الجهل والفوضى، وأصبحنا شجعانا بحمل رسالته الحضارية ستتوسع دوائر الحق وتضيق دوائر الباطل، فلن يكون الإسلام عدوا للناس بل يصبح خيرا للبشرية كلها، ورحمة للعالمين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.