شعار قسم مدونات

صيام الأطفال في شهر رمضان

مدونات - طفلة تحمل فانوس رمضان
رمضان عبادة وزينة (رويترز)

دخل العالم الإسلامي رمضان المبارك شهر الرحمة والغفران الذي ينتظر فيه المسلمون أفضل ليلة خلقها الله عز وجل، ليلة القدر المباركة كما قال الله سبحانه وتعالى في كتابه المبين {إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةِ ٱلۡقَدۡرِ (1) وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا لَيۡلَةُ ٱلۡقَدۡرِ (2) لَيۡلَةُ ٱلۡقَدۡرِ خَيۡرٞ مِّنۡ أَلۡفِ شَهۡرٖ (3) تَنَزَّلُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذۡنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمۡرٖ (4) سَلَٰمٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطۡلَعِ ٱلۡفَجۡرِ (5)} (سورة القدر)>

وفي هذا الشهر المبارك يصوم الجميع، الكبار والصغار، وثمة صيام لبعض الأطفال مضحك ومختلف جدا؛ لأن مدة صيامهم لا تتجاوز نصف النهار أو أقل من ذلك، لكنهم يتفاخرون بين بعضهم البعض ويمشون بين الأهالي والجيران كأنهم حصلوا على عرش بلقيس.

وعادات الأطفال في رمضان مضحكة وممتعة للغاية، منهم من يتحدث عن صومه لكل من يلتقيه، ومنهم من يغرس عينه على الساعات المعلقة ينتظر وقت الغروب، وهؤلاء أحيانا يمشون في البيوت يمينا وشمالا مبتعدين عن اللعب والعمل اليسير معتذرين بأنهم صائمون فعليهم الاستراحة بالكامل، ومنهم من يحيط نفسه بالأطعمة والمشروبات ينظر إليها وهو يقول في داخله "ممم، إذا حان وقت الإفطار سنقضي عليكم جميعا".

في الحقيقة أن تلك المشاهد مضحكة جدا حيث ينظر الأطفال إلى أكياس الأطعمة كما ينظر المحارب إلى معارضه في ساحة الحرب، ومنهم من يبل فمه وشفتيه بالماء بين الفينة والأخرى، وهؤلاء دائما يطوفون حول الآبار وأنابيب الماء وتكون علاقتهم معها وطيدة أكثر من غير هذا الشهر المبارك كأن الأنابيب أصبحت أقرب صديق إليهم، ومنهم من يزور مطبخ البيت ومخزن الأطعمة، ويدعى هؤلاء بحراس المطبخ وعادتهم تفتيش الثلاجات من قمة رأسها إلى أخمص قدميها بلمسهم أشياء ادخرها أهل الدار فيها.

ومن المشاهد التي تشهدها كل دولة خلال فترة رمضان أن الأطفال في تلك الفترة تمتلئ المساجد بحضورهم ومجالس العلم والوعظ بخدمتهم القيمة، ويجتمع أطفال القرية جميعا عند الأذان ويدخلون المساجد أفواجا، ويزينون المساجد بالأذكار وقراءة القرآن حسب إمكانياتهم، ويشاركون بكل نشاط في إعداد مائدة الإفطار في ساحات المساجد وأماكن الإفطار، ويكونون على قرب المائدة وهم يلازمون بها قبل أذان المغرب بدقائق.

رغم ذلك، الأطفال هم زينة وبهجة وفرحة، وتحركاتهم تعطي الراحة والسعادة للجميع، وبأصواتهم يذكر وجود الحياة، وجماعتهم في المسجد تخبرنا عن مستقبل زاهر للجيل الجديد، وفي هذه الفترة المباركة يتعرض الأطفال لمشاهدة كثير من أفعال الخيرات داخل البيوت وخارجها ويتعرضون لتعلم حسن المعاملات والمحادثات، ويشاهدون أكثر تبرعات وصدقات من الأيادي السخية وتعاون الأمة والشباب في كل عمل في شهر رمضان، واهتمام بالمحتاجين والفقراء والمساكين، وهذا كله سيساعد الجيل الجديد على ترسيخ مستقبلهم الزاهر.

وأكثر ما تتجه إليه أنظار الصغار في رمضان أن لياليه تستقبل مختلف الألعاب التقليدية التي تظهر في الشهر المبارك فقط، وبها يجعل الأطفال الليل نهارا، ويقومون بتزيين الجدران بمصابيح ملونة من مختلف الأنواع والأحجام، ويجتمعون حول حوانيت المخللات وعصارة ليمون ومانجا وبرتقال وغيرها من الفواكه وهكذا، حول حوانيت عجة البيض فيشترونها ويتناولونها ويراقبون طريقة عمل العجة بالبيض وأنواع أخرى تصنع بالبيض والخبز.

ويثرثر الكلام جماعة جالسون حول تلك الحوانيت، ويتبادلون الكلام ويتشاورون حول موضوع مهم يتعلق بهم، ويتحدثون عن شراء الملابس والأحذية، ويبحثون عن أماكن يريدون زيارتها أيام العيد وعن أطعمة يريدون طبخها في بيوتهم يوم العيد، وهكذا يطول كلامهم طوال الليل، ثم يعودون إلى بيوتهم قبل السحور بدقائق، ويقومون بتناول الطعام، وبعدئذ يقتربون من أجدادهم أو جداتهم ليتلقوا كلمات نية الصوم من أفواههم مباشرة.

وإذا رفع المؤذن أذان الفجر يفيض الصغار والكبار إلى المساجد، وبعد أداء الصلاة وقرآن الفجر يعودون إلى البيوت وينامون على الفراش حتى الساعة العاشرة صباحا، أو حتى ترتفع كلمات أذان الظهر من منارات المساجد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.