شعار قسم مدونات

مقاربة بين الانتخابات التركية القادمة وما حدث في ماليزيا والمجر

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان (وكالة الأناضول)

تكتسب الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية القادمة والمُزمع عقدها في 2023 أهمية خاصة، فمن ناحية تمر البلاد بأزمات اقتصادية زاد من تفاقمها الصراعات العالمية والإقليمية التي باتت على أبواب حرب عالمية ثالثة، وعلى الجانب الآخر ترى المعارضة أن هناك فرصة كبيرة للإطاحة بحزب العدالة والتنمية من صدارة المشهد السياسي التي استحوذ عليها على مدار 20 عاما، وأن الاحتفال بذكرى مرور 100 عام على تأسيس الجمهورية -التي ستحل في عام إجراء الانتخابات- يجب أن يكون أيضا احتفالا بالتخلص من حزب العدالة والتنمية، وهنا يحلو لبعض السياسيين من الجانبين -العدالة والتنمية والمعارضة- تدعيم مواقفهما بالمقاربة مع نماذج حسم صراعات سياسية حدثت في الآونة الأخيرة لبعض الأنظمة.

يستدعي حزب العدالة والتنمية التركي نموذجا يراه مشابها لحالته، ويتمثل في نتائج الانتخابات التشريعية في المجر -الدولة العضوة في الاتحاد الأوروبي- التي حقق فيها رئيس الوزراء الحالي فيكتور أوربان للمرة الرابعة نصرا كاسحا بـ53% من الأصوات، مقابل 35%؜ لتحالف المعارضة هناك، وهو بالمصادفة مكون أيضا من 6 أحزاب، كما هي الحال في تحالف المعارضة الذي تشكل في تركيا ضد العدالة والتنمية، بيد أن عدد الأحزاب المكونة لتحالف المعارضة ليس هو التشابه الوحيد بين تركيا والمجر، فرئيس الوزراء المجري أوربان يُوصف بأنه أردوغان أوروبا؛ إذ يتشابهان في الكثير من الأمور، بداية من نظام حكم مركزي قوي متحكم بجميع أطراف الدولة، ومرورا بالنزعة القومية التي تجمع خطابيهما والتي تجعل الدولتين في وضع مفارقة عن خطاب الاتحاد الأوروبي.

يظهر هذا بوضوح في تشابه الموقفين من الأزمة الأوكرانية الأخيرة وكيف أن خطابيهما يختلفان عن باقي دول أوروبا، فلقد احتفظ كلاهما بموقف شبه محايد من الحرب الروسية الأوكرانية، لكن المثير للاهتمام أن تحالف الأحزاب الستة المعارض في المجر قدم مرشحا توافقيا شابا، بيتر ماركي زوي (عمدة مدينة هدمز وفازارهاي) الذي يُصنف يساريا وإن كانت له آراء يمينية محافظة أحيانا، وقد سطع نجم زوي عندما استطاع التغلب على حزب أوربان وفاز بمنصب عمدة هذه المدينة لأول مرة منذ 1990، بعدما تحالف مع 3 أحزاب؛ في سيناريو يشبه فوز أكرم إمام أغلو مرشح المعارضة التركية برئاسة بلدية إسطنبول. كما أن زوي قدم في برنامجه الانتخابي وعودا بإعداد دستور جديد لبلاده وأن تكون البلاد أكثر ديمقراطية، كما وعد بالاقتراب أكثر من الاتحاد الأوروبي والابتعاد عن معسكر الشرق، وهي في الحقيقة وعود قريبة من وعود المعارضة التركية. وأخيرا، فإن العديد من استطلاعات الرأي أظهرت تقاربا شديدا في النتائج بين المرشحين قبل الانتخابات، وهو ما حدث عكسه تماما في الانتخابات التي انتهت بفارق يصل إلى 20%؜ لصالح الحزب الحاكم.

في المقابل، تستدعي المعارضة التركية النموذج الماليزي في انتخابات عام 2018، حيث استطاع تحالف المعارضة بزعامة مهاتير محمد هزيمة التحالف الحاكم والحصول على الأغلبية للمرة الأولى منذ استقلال ماليزيا عن الاحتلال البريطاني عام 1957، خاصة هناك تشابهات بما يحدث في تركيا الآن، كانشقاق مهاتير محمد عن التحالف الحاكم وانضمامه للمعارضة، كما حدث مع علي باباجان وأحمد داود أوغلو في تركيا، كذلك إنشاء تحالف يضم أكبر عدد من الأحزاب المعارضة بتوجهات وخلفيات مختلفة لجمع أصوات أكبر عدد من ناخبين بهدف واحد وهو إسقاط نجيب عبد الرزاق، وهو ما يحدث مع المعارضة التركية الآن لإسقاط أردوغان.

ويرى الكاتب أن تلك المقاربات على الجانبين برغم ما يبدو من وجاهتها، فإنها في الحقيقة لا تعبر عن الموقف في تركيا الآن، فمن ناحية ما حدث في ماليزيا عام 2018 ليس من الموضوعية أن يتم سحبه على ما تتمناه المعارضة وتروجه الآن في تركيا، فهي لا تملك مرشحا بحجم ومصداقية مهاتير محمد لكي ينافس أردوغان، كما أن الترويج بالقدرة على التخلص من أردوغان مثلما استطاعت المعارضة التخلص من نجيب عبد الرزاق في ماليزيا أيضا مقاربة غير موضوعية، فنجيب لم يكن يمتلك من التاريخ السياسي والإنجاز كما يمتلك أردوغان، وأيا كانت الاختلافات حول أداء عبد الرزاق، فلا أحد يستطيع مقارنة إنجازاته بما أحدثه أردوغان وحزب العدالة والتنمية في تركيا خلال الـ20 عاما. بيد أن الأهم والذي تتجنب المعارضة الحديث عنه هو مآل التحالف الذي حدث في ماليزيا وكيف أنه في أقل من عامين من فوز التحالف في الانتخابات انشق مهاتير محمد عن التحالف، كما لم يستطع أنور إبراهيم تولي منصب رئيس الوزراء، وما نتج عن ذلك من حالة عدم استقرار وتولي 3 رؤساء وزراء لهذا المنصب في غضون 3 سنوات. وفي الحقيقة ما ينتظر تحالف المعارضة في تركيا أصعب من ذلك بكثير في حال استطاعت النجاح في الانتخابات، فهناك انقسامات واختلافات كبيرة ليس بين الأحزاب فحسب، ولكن داخل الحزب الواحد بما يبشر بإخفاق كبير في وقت قصير.

وأما حديث العدالة والتنمية عن نتائج انتخابات المجر الأخيرة ومحاولة تسويق أن هذا هو ما سوف يحدث في تركيا بانتخابات 2023، فهذا أيضا يحتاج إلى مراجعة ونظرة موضوعية على الداخل التركي، فالوضع الاقتصادي في المجر لا يشبه سوء الوضع التركي، فمعدلات التضخم أعلى بكثير في تركيا عن المجر، كما أن نسب البطالة 5% في المجر مقابل 11.4% في تركيا، كما أن الانتخابات التي أُجريت في ظل الحرب الروسية الأوكرانية دفعت الشعب المجري ذا الخلفية القومية لتغليب كفة أوربان.

  • فهل يستطيع العدالة والتنمية غض الطرف عن تلك العوامل؟
  • وهل يستطيع في هذا الوقت القصير تدارك تلك المشاكل والعمل على حلها قبل إجراء الانتخابات؟

هذا هو الرهان الحقيقي وما سوف تخبرنا به الأيام القادمة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.