شعار قسم مدونات

تعليم البنات.. إثارة العالم على الطريقة الأفغانية

مظاهرات نسائية ضد حركة طالبان بعد وصولها إلى السلطة (الفرنسية)

يتصل شاب بأمه لكي يحدّث زوجته، تقليد أفغاني لم تنسخه الهواتف النقالة التي أصبحت تحمل هوية صاحبها، وما زال ساريا في مناطق واسعة من بلاد الأفغان، فالتقاليد تحول بين المرأة الشابة والحياة العامة.

ويتداول الأفغان نكتة تقول فيها امرأة في ختام صلاتها "السلام عليكم وأبو خَيَال"، وعندما سئلت عن تفسير ذلك قالت إن اسم زوجها "رحمة الله"، وإنها تستحي من مناداته باسمه، وفقا للثقافة السائدة، فتستبدل "رحمة الله" بكنيته (أبي خيال).

ولعل هذين المثالين يفسران استناد حركة طالبان الحاكمة في أفغانستان إلى الثقافة الأفغانية لتبرير قرار منع البنات في الصفوف المتوسطة والعليا من الذهاب إلى المدارس، وهو القرار الذي اتخذته الحكومة الأفغانية المؤقتة في اليوم الأول من عودة الدراسة في 23 مارس/آذار 2022 بعد انقطاع أعقب التغيير السياسي في أغسطس/آب من العام الماضي.

اللافت أن قرار إغلاق المدارس في وجه الطالبات في المرحلتين المتوسطة والثانوية (فوق الصف السادس الابتدائي) اتخذ في اجتماع عقد في مدينة قندهار على أعلى مستوى لحكومة طالبان، وناقش الأبعاد الدولية والمحلية للأوضاع التي تمر بها أفغانستان.

مسؤولية أميركية

يبدو للوهلة الأولى أن قرار منع تعليم الطالبات في المدارس محلي محض، وموجّه إلى الداخل الأفغاني، لكن مناقشته في سياق السياسة الخارجية والقضايا الدولية يخرجه عن إطاره الداخلي، حتى إن استند إلى الأعراف والتقاليد الأفغانية والشريعة الإسلامية.

فالولايات المتحدة برأي التيار التقليدي المحافظ (إن صح التعبير) في حركة طالبان لم تبق للحكومة المؤقتة مجال مناورة بعد مصادرة الأموال الأفغانية في البنوك الأميركية، التي تقدر بنحو 7 مليارات دولار، وأفغانستان في أمس الحاجة إليها، فهي ليست بحجم روسيا كي تواجه العقوبات بإجراءات صارمة.

وبينما يخفت صوت المعتدلين أمام تنكّر المجتمع الدولي للوضع الإنساني الصعب في أفغانستان، وفرض الغرب عقوبات وحصارا دوليا ترى فيه حكومة طالبان أنه يستهدف الشعب الأفغاني، يعلو صوت المحافظين الذين يرون التعليم مسألة سيادية لا علاقة للأجانب بها، ولا مبرر لمجاملتهم أو مجاراتهم لتحقيق مصالح لا يرونها شرعية وتخالف تقاليد الشعب الأفغاني.

وهذه حجة لا تقل عن حجة طالبان في حقبتها الأولى لتدمير تمثال بوذا التاريخي في ولاية باميان عام 2000، فالعالم من وجهة نظر طالبان يغضب لتدمير حجر لكنه يستهين بحياة عشرات ملايين الأفغان، وهي تؤكد بذلك نبذ المعايير الغربية التي تستهين بحياة الأحياء والفقراء مقابل إثارة ضجة كبيرة لتدمير صخرة.

لقد استفزت حركة طالبان العالم في عهدها الأول، بتدمير تمثال بوذا العملاق، وتستفزه اليوم بمنع تعليم البنات في المدارس، وكلاهما جاء ردا على الحصار الاقتصادي والعقوبات الدولية التي تراها جائرة بحق الشعب الأفغاني، وكما رأت في المرة الأولى أن التمثال لا يمثل تراث أفغانستان الإسلامي فإنها لا ترى في الضغوط الغربية بشأن التعليم والانفتاح تماهيا مع الثقافة الأفغانية.

وبقدر ما تتحمل طالبان مسؤولية منع البنات من التعليم النظامي فإن الغرب والولايات المتحدة يتحملان مسؤولية عزل المجتمع الأفغاني ومنع انخراطه مع الشعوب الأخرى، وقد أغلقت الولايات المتحدة مفاتيح التجارة الدولية بتعطيل شيفرة التحويل البنكي (سويفت كود) وتعطيل حركة الطيران الدولي من أفغانستان وإليها، وغير ذلك من الإجراءات التي تعزل الأفغان عن العالم.

كما تدفع الولايات المتحدة وحلفاؤها طالبان الحاكمة في أفغانستان إلى مزيد من التشدد بسبب عدم الاعتراف بحكومتها، ومنع الدول الأخرى من الانخراط في علاقات طبيعية مع أفغانستان، وذلك على الرغم من دعوات كثيرة للتواصل مع طالبان بهدف تدجينها من ناحية، ومن ناحية أخرى بغية منع أفغانستان من الالتحاق بتحالفات دولية مناوئة للغرب، تلوح في الأفق، ويكون موقع أفغانستان وثرواتها محوريا فيها.

حكم التقاليد

لقد أدرك كثير من الأفغان وغيرهم من الشعوب المقهورة أن الغرب لا يؤمن بثقافات الشعوب وخصوصيتها عندما يتعلق الأمر بسياساته، سواء ما يندرج منها تحت بند الغزو الثقافي أو الاستعمار السياسي والاقتصادي، وقد جربتهما أفغانستان مع 3 قوى دولية هي بريطانيا العظمى والاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة، وفشلت هذه القوى في فرض ثقافاتها الاشتراكية والرأسمالية على أفغانستان.

أحكام الشريعة الإسلامية التي تتبنّاها حكومة الإمارة الإسلامية لأفغانستان هي الأحكام ذاتها المعمول بها رسميا منذ عهدي الجمهورية والملكية السابقتين، وقد يكون الفارق بمدى الانفتاح على المجتمعات الأخرى الذي يسهم في التحديث، وعدم تساهل الحكام الجدد مع ما يعدّونه فسادا بعدم تطبيق النصوص والأحكام، الذي كان سائدا في الحكومة السابقة.

 أما الثقافة والتقاليد الأفغانية فكانت دائما في صلب الحكم في أفغانستان، ولعل أكثر ما يعاب على الرئيس السابق أشرف غني محاولته التنصل من التقاليد الأفغانية، خلافا لسابقه حامد كرزي الذي عرف بالتزامه بالتقاليد الأفغانية وعدم تبنّيه أي سياسة تفهم بمخالفته للدين.

أما مفارقة حركة طالبان فهي أن أصول معظم قادتها تعود إلى الريف الأكثر محافظة في الجنوب والجنوب الشرقي، ولم يعيشوا في المدن الأفغانية، وهو ما يفسر تعليق مسؤول رفيع في وزارة التعليم الأفغانية على منع تعليم البنات بأن المناطق الريفية في أفغانستان غير مهيأة لذلك.

فالحكم الذي آل إلى تقاليد ريفية قد لا يرى بأسا في قطيع أغنام يعبر شوارع المدينة، لكنه يستنكر امرأة تقود سيارة في الشارع، ويختفي من المدينة "الجنتلمان" الحاسر الرأس الحليق اللحية، وفي المقابل يفترش مسؤول حكومي رفيع الأرض ليوقع المراسيم والفرمانات.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.