شعار قسم مدونات

الحرس الثوري وتآكل رواية الرد على العدو

blogs الحرس الثوري
كتائب الحرس الثوري (رويترز)

عملية قصف الشمال العراقي بصواريخ باليستية إيرانية، وإصابة بناء قيد الإنشاء يعود للقنصلية الأميركية، وتسمية الهدف بـ"الإستراتيجي" و"وكر للموساد" أو "عملية كبرى ضربت بها مشروع إسرائيل في الشمال العراقي"، ردا على مقتل عضوين في الحرس الثوري الإيراني في محيط العاصمة دمشق قبل أيام، وردا على سلسلة الغارات الصهيونية على سوريا، تحمل دلالات ضعيفة مع روايتها في الرد على الخصم والعدو المفترض، ودلالة أقوى في استخدام الجغرافية العربية من قبل إيران لإيصال رسائل المشروع الإيراني وتحصين ملف المفاوضات النووية مع الولايات المتحدة.

على الرغم من تكاثر النظريات الفرضية للحرس الثوري الإيراني، ورفع سقف شعارات التهديد والوعيد التي تُطلق بين الحين والآخر، وتسخين كفاءة صواريخ إيران ودقتها وقدرتها على حرق نصف تل أبيب في 7 دقائق، فلم يعد يتساءل العربي بعد سلسلة الغارات والاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة عن مصداقية الرواية الإيرانية في بناء قدرتها العسكرية والصاروخية، بعدما أصبحت سمة التبرير الكاذب والفاضح في سوريا واليمن والعراق ولبنان عن البوصلة التي تسميها إيران وحلفاؤها عن "أوكار الموساد والتجسس" من حلب وحمص والقصير ودير الزور والقامشلي وغوطتي دمشق وصولا للمدن اليمنية والعراقية، التي كانت معظمها أهدافا لدقة وفعالية الترسانة العسكرية الإيرانية، مع فيالق الحرس الثوري الإيراني المنتشرة في مدن وعواصم عربية بذريعة جاهزيتها لمحاربة الصهيوني.

سهولة استخدام ذرائع وتهم لتبرير عمليات العدوان والقصف والمشاركة بالقتل، بررتها إيران منذ اندلاع الثورات العربية، وإعلان وجود الحرس الثوري وأذرعه على الأرض لمطاردة ملايين السوريين وتهجيرهم، واتهامهم بالعمالة لإسرائيل وللموساد، لم يبلعها ويلوكها سوى نظام الأسد وحلفائه من المعسكر، وطبقا للحجة التي تروجها إيران عن وجود مستشاريها العسكريين في سوريا لمساعدة النظام على تحديد أهدافه، وبلوغها بعد أكثر من 10 سنوات هذا الحطام من ملايين المشردين والقتلى والجرحى، ووصول مستشاري الحرس الثوري للحدود السورية مع فلسطين من جهة الجولان، وتعرض مقارها بشكل أسبوعي أو يومي في سوريا منذ سنوات لعمليات العدوان المباشر، واقتربت من عمليات اغتيال وتصفية علماء وقادة من الحرس الثوري على الأراضي الإيرانية نفذها الموساد واستطاع سرقة وتهريب أطنان من وثائق المشروع النووي الإيراني، بمعنى يفترض بالصواريخ وسرعتها ودقتها أن تنقذ الضحايا والحلفاء من بطش العدو لا أن تكون موازية لبطش العدو والنظام الصامت والمشارك في عمليات إعدام السوريين، على اعتبار أن أهداف العدوان الصهيوني مباشرة ضد الإيراني كما يدعي.

وبما أن الحرس الثوري يمتلك قاعدة معلومات لأهداف الصهيوني كما يقول، فعليه أن يوجه بوصلة صواريخه نحو العدو بشكل مباشر وأقرب لمكان انتشاره وصد عدوانه على ما يدعي، لكن هذه الفرضية لاغتنام الفرصة مع شعار أن العدو "مأزوم ومهزوز" وما إلى ذلك من إشارات ضعف غير مستغلة من البروباغندا الإيرانية وأذرعها، وهي تتطلب من الناحية السيكولوجية حدا معينا من الرد الإيراني الذي شهدناه في مناطق عدة من قصف القاعدة الأميركية في عين الأسد بالعراق في الثامن من يناير/كانون الثاني 2020، ردا على مقتل اللواء قاسم سليماني، واليوم قصف القنصلية الأميركية في أربيل بإقليم كردستان (شمالي العراق) وتسميتها بالهدف الإستراتيجي، ردا على مقتل العقيد إحسان كربلائي بور والعقيد مرتضى سعيد نجاد بغارة إسرائيلية على دمشق.

لا أحد ينكر النفوذ الإيراني في العراق، سواء كان في الطبقة السياسية أو الأمنية، ولا أحد ينكر طبيعة التحالف القائم بين كتل سياسية تتبع محور طهران وتتمتع بقبول ورضى ودعم أميركي منذ احتلال العراق عام 2003، ولم يكن النفوذ الإيراني على الساحة العراقية محل تصادم مع الاحتلال الأميركي وأدواته. على العكس، كل متابع يعرف هذه الحقائق والوقائع، والنفوذ الإيراني في سوريا، والتمدد العسكري عبر فيالق وأذرع الحرس الثوري، لا تحمل مشروع مواجهة ومحاربة إسرائيل و"الشيطان الأكبر" التي قال عنها الرئيس روحاني إنها وصف سياسي لا أكثر، إن ما أحدثته هذه الفيالق مع العصابات التي جندها الحرس الثوري على الجسد السوري وعلى حُطام المدن والقرى والأرياف السورية تعجز عنه إسرائيل.

رسائل صواريخ الحرس الثوري الإيراني تعني تحسين وضع المفاوضات الإيرانية مع الغرب، وبطبيعة الحال لا تنعكس نتائجها إن كانت إيجابية أو سلبية -كما في الظاهر- على الإعداد لمحاربة إسرائيل، حتى لو أصبحت إيران دولة تمتلك سلاحا نوويا أو صواريخ عالية الدقة أو غيرها وقد سبقتها باكستان في ذلك، لكنها تفيد في تحسين الصورة الكلاسيكية الصراعية التي وسمت تمدد ونفوذ إيران في المنطقة العربية من هذا الباب وقد جعلت من الجغرافيا العربية وأجسادها أهدافا متبادلة مع الصهيوني؛ فالأولى تسميها "أوكارا للتجسس" لتحطيمها، والثانية تسميها "إرهابية" لتحطميها، وبقية الضحايا تستهزأ من دقائق وثوان سرعة الصواريخ في دك المدن السورية والعراقية واليمينة وتبقي الأهداف الإسرائيلية في أمانٍ مطلق.

أخيراً، تآكل رواية الحرس الثوري الإيراني من أهدافه التي دمرها في المدن العربية، بعد موات ذرائع نظام الأسد ومحور الممانعة، هو نقطة الضعف الحاسمة في علاقة التناسب العكسي بين عدوان المشروع الإسرائيلي مع الأهداف الإيرانية وفعاليتها فقط على البر العربي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.