شعار قسم مدونات

وسقط جسر لندن..

انتقال الملكة إليزابيث الثانية لقلعة وندسور لحمايتها من التعرض للإصابة بفيروس كورونا (مواقع التواصل)
الملكة إليزابيث الثانية (مواقع التواصل الاجتماعي)

"سقوط جسر لندن" -أو (London Bridge is Down)- قد تبدو كلمات عادية، لكنها كلمات مُشفّرة تشير إلى خطة منذ ستينيات القرن العشرين، قبل أن يتم تنقيحها لاحقا، وتعنى بإدارة تبعات موت الملك أو الملكة البريطانية، ويستخدمها الوزراء والموظفون الرئيسيون في القصر الملكي للإعلام بوفاة الملكة إليزابيث الثانية، مع العلم أن تلك الخطة قد وافقت عليها الملكة إليزابيث -في أثناء حكمها- بل أزيد على ذلك أن التدرب على جنازة الملكة وتفاصيلها تم تحت إشراف الملكة شخصيا، وإليك ما سيحدث عند وفاة صاحبة الجلالة ملكة بريطانيا العظمى، التي نتمنى لها دوام الصحة والسلامة، لكنها في الأخير مشيئة الله وقدره.

الخطة والإعلان

سيكون السير كريستوفر غيد -السكرتير الخاص للملكة- أول مسؤول يتعامل مع الأخبار، وسيتم إيقاظ رئيس الوزراء البريطاني (إن كان نائما)، وسيقول الموظفون عبارة "سقوط جسر لندن" على خطوط آمنة من مركز الاستجابة العالمي التابع لوزارة الخارجية البريطانية، وستنتشر الأخبار إلى 15 حكومة خارج المملكة المتحدة ودول أخرى في اتحاد الكومنولث، وهو اتحاد سياسي يضم 54 دولة كانت تابعة للإمبراطورية البريطانية قبل ذلك.

سيصدر الإعلان في رسالة أخبار لجميع وسائل الإعلام العالمية، وسيخرج رجل يرتدي ملابس الحداد من بوابة قصر باكنغهام في لندن، وسيعبر الحصى الوردي الباهت، ويلصق إشعارا ذا حواف سوداء على البوابة، وفي أثناء قيامه بذلك سيتحول الموقع الإلكتروني للقصر الملكي إلى صفحة قاتمة تعرض نصا على خلفية داكنة سوداء اللون. وبالنسبة إلى محطات الإذاعة، ستعد كل محطة قوائم تتكون من أغاني وموسيقى حزينة للوصول إليها في أوقات الحداد المفاجئ؛ ذات مرة، ذكر أحد المنتجين الإذاعيين في هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" (BBC) "إذا سمعت عبر الإذاعة يوما موسيقى مثل ’سيبرز أوف بارادايز – هونتيد دانسهول‘ (Sabres of Paradise – Haunted Dancehall)، فقم فورا بتشغيل التلفزيون، لأن حدثا عظيما سيكون قد وقع للتو حينذاك"، ويمكن للقارئ أن يبحث على الإنترنت عن تلك الموسيقى التي يغلب عليها طابع الحزن.

من ضمن خطة "سقوط جسر لندن" أن يرتدي مذيعو الأخبار ملابس سوداء ورابطات عنق سوداء، وأن تتوقف البرامج ويتم دمج الشبكات في شبكة واحدة، وسوف يستمع الناس عبر الإذاعة في بريطانيا إلى صياغة كلمات محددة تستدعي روح الوحدة والوطنية.

لحظة تاريخية

في عام 1952، ذكر مذيع راديو "بي بي سي" الذي أبلغ عن وفاة الملك جورج السادس "ببالغ الحزن نعلن الخبر التالي…" تكرر الخبر آنذاك 7 مرات كل 15 دقيقة  ثم صمتت إذاعة "بي بي سي" 5 ساعات، ووفقاً لخطة جسر لندن الحالية، سيتم استخدام عبارات مشابهة جدا لتلك الكلمات، ربما سينزعج الكثير من الناس ويتأملون بغرابة وحزن شديد لغياب الملكة إليزابيث الثانية؛ فهي الملكة الوحيدة التي عرفها معظمنا على الإطلاق، والأكثر صعوبة من أي من هذا على شعبها سيكون رحيل الملكة التي تشكل آخر رابط حي لبريطانيا العظمى السابقة وهويتها وانتصارها في الحرب العالمية الثانية، وإن وداع الملكة الأطول عمرا في البلاط الملكي سيكون بمثابة قداس لبريطانيا كقوة عظمى، وبالعودة إلى 21 أبريل/نيسان 1947 عندما كانت الأميرة إليزابيث في عطلة مع والديها في كيب تاون، كانت الأميرة تجلس في حديقة وألقت خطابها الشهير أمام الكاميرا "أصرح أمامكم جميعا بأن حياتي كلها -سواء كانت طويلة أو قصيرة- سوف تكون مكرسة لخدمتكم وخدمة عائلتنا الإمبراطورية العظيمة التي ننتمي إليها جميعا"، فمن المعتاد أن يجتاح الحزن بريطانيا، وأن تخضع الدولة والشعب لحالة إنكار لأن فصلاً طويلاً من تاريخها انتهى (هي لحظة تاريخية بالفعل).

في كل سيناريو معد في حال رحيلها، وفي أي مكان سواء في بريطانيا أو خارجها، ينبغي أن يعود جسد الملكة إلى غرفة العرش في قصر باكنغهام، التي تطل على الركن الشمالي الغربي من فنائها الخارجي أي فناء القصر وسيكون هناك 4 من حراس غرينادير بقبعاتهم السوداء المصنوعة من فرو الدببة وبنادقهم التي تشير إلى الأرض، وسيمضي الموظفون الذين وظفتهم الملكة لأكثر من نصف قرن باتباع الإجراءات التي يعرفونها عن ظهر قلب، وسيحضر الأمير تشارلز العديد من موظفيه عند انضمامه لهم، وسيكون ملكا لبريطانيا من بعدها، وسيقبل إخوته يديه وسيتغير أيضا شكل العملة البريطانية الحالي، وكذلك النشيد الوطني بإزالة عبارة "حمى الله الملكة" وأن تحل محلها عبارة "حمى الله الملك".

وريث العرش

لقد انتظر أمير ويلز فترة طويلة أكثر من أي وريث لتولي العرش البريطاني، ومن المقرر أن يلقي الملك الجديد أول خطاب له مساء يوم وفاة الملكة، وفي اليوم التالي سترفع الأعلام وفي الساعة 11 صباحا سيتم إعلان تشارلز ملكا لبريطانيا من قصر "سانت جيمس" الذي كان مقرا لملوك وملكات إنجلترا لأكثر من 300 عام حتى عهد الملكة فيكتوريا، بعدها سيخرج الملك الجديد للقاء شعبه، وسيقوم بجولة في المملكة المتحدة لحضور قداس إحياء والدته، ولقاء قادة الحكومات المفوضة، وستكون هناك صور للملك الجديد في حالة حداد، كما ستكون هناك أيضا حفلات استقبال جادة ومزدحمة -للأطباء والمعلمين وغيرهم من الناس العاديين- التي تهدف إلى بيان الروح المتغيرة الجديدة والمرحبة لعهده، وفي تلك اللحظة الفارقة تتجلى عبارة "مات الملك، عاش الملك".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.