شعار قسم مدونات

فتوى تحريم يوم الحجاب العالمي

أكثر من ١٣٠٠ فتاة يرتدين الحجاب في حلبجه شمالي العراق بحفل كبير
المرأة المحجبة في بلاد الغرب تعاني من التمييز، ومن واجبنا أن نناهض هذا التمييز (مواقع التواصل)

نص الفتوى من موقع "الإسلام جواب وسؤال":

"إنّ هذا فيه تشبه بعادات الكفار أعداء الله سبحانه وأعداء رسله، فإنهم الذين ابتدعوا هذه الأفكار، وجعلوا لكل أمر يريدون إشاعته ونشره مناسبة للاحتفال تتكرر بتكرر الأعوام والسنين، مثل اليوم العالمي للطفولة، واليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، واليوم العالمي للسرطان، واليوم العالمي لذوي الاحتياجات الخاصة، وعيد الأم، والعيد الوطني، وغير ذلك الكثير من هذه البدع والمنكرات التي ما أنزل الله بها من سلطان". انتهت الفتوى.

المناقشة من النواحي التالية:

أولا/ مناقشة الفتوى من ناحية علم أصول الفقه

التحريم من منطلق التشبه بالكفار، وهي علة التحريم:

  • إن علة التحريم في التشبه بالكفار هي: الخضوع للكافر، والبعض قال: العلة هي موالاة الكفار. على أي القولين، إن هذه العلة غير واردة في موضوع "يوم الحجاب العالمي "، لأسباب:

أ- إن هذا اليوم هو على عكس ما ظنوا تماماً من الخضوع أو الموالاة للكفار، بل هو مناهضة لهم ورد عليهم.

ب‌- بل احتجاج عليهم ومخالفة لمعتقداتهم.

ت‌- وفيه أكثر من ذلك، من مطالبتهم بالخضوع لأمر الحجاب واحترامه وعدم التعرض للمحجبات في تلك البلاد.

  • للتعامل مع أمور الحياة الدنيا المستجدة وحاجاتها، ننظر لو كان الأمر فيه مصلحة للمسلمين أو مفسدة لهم فستعتريها الأحكام الخمسة (الواجب، المندوب، المباح، المكروه، الحرام) بحسب ما تقتضيه تلك المصلحة أو تلك المفسدة.

مثال ذلك:

استجدت ضرورة حماية المدينة المنورة من المشركين يوم الأحزاب، هنا أشار سلمان الفارسي رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق، فنادى النبي الصحابة رضوان الله عليهم لحفره، وهذا الأمر من ثقافة الفرس الوثنيين، فلو لم يكن في هذا الأمر مصلحة للمسلمين لما أمر به النبي، ومع ذلك هذا الأمر جاء من عند الوثنيين الفرس آنذاك، ومع ذلك لم يرفضه النبي صلى الله عليه وسلم، بل أمر به الصحابة رضوان الله عليهم، وصار في هذا المقام من أوجب الواجبات، لأن فيه مصلحة الدفاع عن المسلمين والجهاد في سبيل الله لحماية دين الله عز وجل.

  • التشبه بالكفار كما عرَّفه الكثيرون يقصد به التشبه بعباداتهم وأخلاقهم وعقائدهم وعاداتهم التي تخالف عقيدة التوحيد، وأما ما يفعله الناس من تقليد لهم بتصرفات لا شرك فيها ولا تغيير للعبادة ولا يتضمن أخلاقا منافيةً للإسلام، فلا تعتريه الأحكام الخمسة في أصول الفقه (الواجب، المندوب، المباح، المكروه، الحرام)، بل هو من الأمور المتروكة للناس ينظرون فيها، وهم أعلم بأمور دنياهم وما يصلحها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أنتم أعلم بأمور دنياكم"، لما سألوه عن تأبير النخل.

ثانيا/ من الناحية الفكرية والتوعوية

  • إن المسلمين في الغرب على ثغر كبير في الدعوة إلى الله تعالى، لأن وجودهم أصبح بصمة ثقافية أوروبية لا يمكن انتزاعها، لذلك صار من أوجب الواجبات عليهم أن يمارسوا كل ما يحفظ مقاصد الشريعة من الدين والنفس والعرض والنسب والمال، ومنه الدعوة لمثل هذا اليوم العالمي للحجاب، وفيه حفظ الأعراض في بيئة تكاد تتفسخ من كل المعاني والقيم، فرحمةً بهذه البيئة وبناسها وسكانها، رحمة المؤمن بغيره، رحمةً تنطلق من دين الله الذي جاء للناس كافة، رحمة من حديث النبي صلى الله عليه وسلم عندما قام لجنازة اليهودي وقال: "أوليست نفسا".
  • بشكل خاص، إن المرأة المحجبة في بلاد الغرب تعاني من التمييز في العمل، والنظرة الخاطئة بأنها مجبرة على ذلك، ومن واجبنا أن نناهض هذا التمييز.
  • إن نظرة الغربيين للمرأة المحجبة بناءً على قيمهم في الحرية أنها مجبرة على ذلك ويروج الإعلام هذا، ويعتقدون أن الآباء يجبرون بناتهم على الحجاب، ولكنهم لما يرون المرأة في اليوم العالمي للحجاب تدافع عنه وتكافح للحفاظ عليه، هنا سيعيدون النظر في هذا، ولا سيما أنها أثبتت وجودها في المجتمع الغربي في كافة الاختصاصات والمجالات التعليمية والمهنية، بل تفوقت على كثير من الرجال، وبحجابها فلم يمنعها الحجاب من هذا التفوق والتقدم، فهو حجاب عفة وحياء وليس حجاب عقل وغباء كما يدعون.

ثالثا/ من الناحية القانونية والسياسية

  • إن المسلمين في ديار الغرب أقاموا بعهد وعقد، ولهم لزاما الحماية التي تقدمها الحكومات الغربية لهم ويعيشون في ظلها، ومن واجب هذه الحكومات أن تتخذ كل الإجراءات اللازمة لحماية المسلمين المقيمين على أراضيها، بل المسلمين من أبنائها، وليس فضلاً ومنة بل هو واجب سياسي.
  • وكذلك من واجب الحكومات الغربية الحفاظ على حق المساواة بين المرأة والرجل، لأن هذه النظرة الغربية للمرأة المسلمة في بلادهم تخالف هذا المبدأ.
  • ومن هذه الواجبات ترك الناس وما يعبدون، ترك حرية الاعتقاد، وممارسة الشعائر الدينية، وهذا مكفول ضمن أشد الدول علمانيةً، بل تدعم بعض الدول دور العبادة، فلماذا نفرط نحن المسلمين في كل هذا، بل نتجاسر على بعضنا ونحرم على بعضنا ما نقوي به ديننا في الغرب، إنه والله لظلم أشد من ظلمات البر والبحر، أو كما قال طرفة بن العبد:

وَظُلمُ ذَوي القُربى أَشَدُّ مَضاضَةً.. عَلى المَرءِ مِن وَقعِ الحُسامِ المُهَنَّدِ

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.