شعار قسم مدونات

مونديال قطر والعجرفة الغربية

استدل الستار على الجولة الترويجية لكأس العالم الأصلية بحفل ختامي حضره الآلاف من عشاق كرة القدم في الحي الثقافي كتارا - الجزيرة نت
لقطة من الجولة الترويجية لكأس العالم الأصلية في الحي الثقافي كتارا (الجزيرة)

منذ أن فازت قطر في عام 2010 بتنظيم كأس العالم 2022، بعد تنافس قوي مع أميركا وأستراليا واليابان وكوريا الجنوبية، تجلت العجرفة الغربية في أسوأ صورها.

نعم، قطر دولة إسلامية عربية خليجية صغيرة المساحة قليلة السكان تقع جنوب غربي آسيا عاصمتها الدوحة، أو بعبارة مختصرة هي الدولة التي تملك "قناة الجزيرة"! نعم، إنه أمر يدعو للعجب أن تكون القناة التلفزيونية أكثر شهرة من الدولة نفسها.

طبعا أنا أتكلم كوني أعيش في بلد بعيد عن منطقة الخليج خاصة والعالم العربي عامة، في بلد لا يعرف معظم قاطنيه شيئًا عن قطر!

سيصبح حلم قطر واقعًا، فكيف ستواجه العجرفة الغربية الأمر؟

بدأت الصحافة بمحاولات جادة لتشويه هذا الحلم؛ فتحوا ملفات في انتهاكات قطر لحقوق الإنسان وحقوق العمال وغيرها!

ثم بدأ كأس العالم وتغير الوضع تمامًا، حتى من لم يكن ملمًّا بأبجديات كرة القدم بدأ بمشاهدة المباريات التي كانت ممتعة للجميع وخصوصا مع خسارة ما يسمى "Goliaths" أو أساطير كرة القدم؛ ابتداء بالأرجنتين وألمانيا ومرورا بالبرازيل وفرنسا وإسبانيا والبرتغال.

ومما ميز مونديال قطر عن غيره روح جديدة فيه، فلأول مرة يعلو صوت ذلك العربي بين الجماهير، لأول مرة يكون هذا العربي محطًّا للأنظار دون تزييف في حقيقته، لأول مرة يشعر فيها العربي بعدم الحاجة إلى التملق، فهو في بلده وبين أهله.

شدّت بعض الفيديوهات والصور من عناق ورقص اللاعبين المغربيين مع أمهاتهم، وحرصهم على تقبيلهن بعد كل نصر. الجمهور الغربي لم يألف هذه المشاهد، ومع جزمي بأن كل من شاهد تلك المقاطع عربيا كان أم غربيا رقص قلبه حنينا إلى لحظة تشبهها، لكن العجرفة الغربية شبهت تلك المقاطع بما يفعله القرد الصغير مع أمه!

ومما أثار دهشة كثيرين أيضا هو التنظيم خلال المباريات وبعدها، وكيف أن هذا الدولة الصغيرة الحجم استطاعت احتواء أسوء المشجعين، عن "الإنجليز" أتحدث، فلم تسجل أي حالة مشاجرة خلال المباريات أو بعدها.

وتجلى نجاح قطر في أبهى صوره؛ في توفير بيئة آمنة مريحة لكل النساء اللاتي حضرن، فلم تسجل أي حالة تحرش جنسي، وتكلمت كثيرات من نساء أوروبا خاصة والعالم عامة عن هذا الأمر وكيف أنهن ولأول مرة يشعرن بعدم الخوف من السير ليلا أو الذهاب إلى الأماكن العامة.

ولا شك أن الفضل الأكبر في الحالتين يعود إلى عزم قطر على منع الكحول في مدرجات الملاعب، وهو قرار استهجنه كثيرون في البداية، ولكن الوضع بعد خوض التجربة تغير، فقد سمعت كثيرين يطالبون بتطبيق ذلك في كل الأنشطة الرياضية.

طوال القرون المنصرمة نجد الإعلام الغربي يحصر صورة العربي في إنسان بدائي غليظ وغير متحضر أو متقبل للآخرين، فالعربي في نظرهم ما زال يركب الجمل ويهيم في الصحراء.

وكان من ذكاء من نظم حفل افتتاح المونديال أن يأتي بالجَمَل إلى الحفل، كأنه يريد أن يقول: انظروا ماذا سيفعل هذا العربي وأي جَمال سيريكم!

كانت تصرفات هذا العربي على نقيض الصورة النمطية لنا في أذهانهم، فعرفوا مدى كرم ولباقة العربي وتقبله للناس أجمعين على اختلاف أعراقهم وأجناسهم.

فكلنا شاهد كيف تعامل الشعب العربي خاصة مع إعلام الكيان الصهيوني حيث لم يستخدم العنف الجسدي أو اللفظي على غرار ما يلاقيه الإعلامي في الأراضي المحتلة وخصوصا بعد استشهاد شيرين أبو عاقله، كذلك وعي المشجّع بقضيتنا الأولى فلسطين كان حاضرا في مونديال قطر بقوة، وقد رفرفت أعلام فلسطين كما لم ترفرف من قبل.

ثم كان حفل الختام وكان قدر الله أن تكون مباراة النهائي الأفضل في تاريخ هذه اللعبة، وكانت عفوية الأمير الشاب وحضوره وهو الأكثر حيوية بين أقرانه في وطننا العربي محط أنظار الجميع، وكان ختامها مسك حين ألبس "ميسي" البشت العربي حتى تكون صورته أيقونة بين الصور وتحفر في ذاكرة التاريخ.

أخيرا، كيف استطاعت قطر "الصغيرة جدا جدا" أن تبهر هذا العالم بمونديال هو الأفضل في التاريخ، وأن تنشر مبادئ الإسلام الحنيف بحرفية، وأن تُري العالم الوجه الحضاري للعرب والمسلمين مع التمسك بعاداتها وتقاليدها؟

الآن نقول: "When in Qatar, do as the Muslims"، كأس عالمية بتنظيم عالمي وأخلاق عالمية.

سامحك الله يا سمو الأمير تميم، فمشكلتي الآن أن كثيرين هنا في أميركا ينتظرون مني أن أهديهم "البشت العربي".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.