شعار قسم مدونات

كأس العالم قطر 2022.. عنوان التحدي

يدفع الفيفا مبلغا ماليا نظير كل يوم مشاركة للاعبين في كأس العالم
كأس العالم ليست إلا وسيلة للتأكيد على أن غاية الاستثمار اقتصاديا وسياسيا وثقافيا واجتماعياً ما ينعكس على الإنسان الذي استثمر في تعليم وتدريب شبابه (مواقع التواصل)

بدأت معرفتي في قطر افتراضية، خارطة وعلم يرسم على الورق، أقدام عنابية وكرة قدم، من ثم امتدت لإدمان قناة الجزيرة، اعترضت على سياستها حينا ودعمتها أحيانا، لكنها بلا شك شكلت لدى أجيال عربية واسعة وسيلة لاستقاء المعلومة ومتابعة الأحداث وإعادة كتابة التاريخ، ما يخلف فضاء واسعاً للنقاش.

بعد حين، وتحديداً عام 2016 قادتني الحياة للإقامة في الولايات المتحدة الأميركية، هناك تعرفت على الكثير من الشباب القطري المغترب للدراسة.

نزلت في ولاية كولورادو تحديداً مدينة فورت كولينز Fort Collins وزرت كثيراً مدينة بولدر Boulder ومن هناك بدأت اللقاءات مع "القطريين" كان مسجد فورت كولينز منطلقاً ومنه توجهنا إلى مطاعم المدينة وصولاً إلى بيوتهم العامرة، كنتُ اعتقد أنهم سياح في البداية، لكنهم كانوا طلاباً يدرسون في جامعة كولورادو تخصصات عديدة غالبيتها هندسة.

بعد طول لقاء، تخيلت أنهم لا يكترثون وأن الشهادات تحصيل حاصل ما دامت الدولة تتكفل بالنفقات، لذا يعيش الطلاب كما يرغبون بمنتهى الحرية، المفاجأة كانت بالتزامهم وجدتهم وانعكاس ثقة الدولة التي تستثمر في مكوناتها لتكوين جيل قيادي واعٍ ويسهم في إظهار حقيقة الإنسان إن استثمر، طلاب يقيمون في بلاد الاغتراب للدراسة لا أكثر ولا أقل، يملكون من الأخلاق الكثير ويحترمون وطنهم.

في المقابل، كان هناك فئات محددة لبعض الجاليات، أبدع طلابها المبتعثون في زيارة البارات والنوادي الليلية أكثر من زيارة قاعات المحاضرات والجامعات، طلاب ينظرون لهم مثل أموال متحركة يركضون وراء كأس مُحرم.

كان الطالب القطري دائم الحضور في جامعته لتحقيق هدفه أو في المسجد لأداء صلاته خصوصا في شهر رمضان، ليعود إلى بلاده ويسهم في تحديث الدولة، خاصة أنها تمكنت عام 2010 من الفوز بتنظيم كأس العالم لعام 2022 كحلم واقع وآمال شعب قادر على النجاح وطنيا وإقليميا ودولياً.

أسوق الحكايات، وأنا أتابع كما غيري، الهجمة الممنهجة على دولة قطر قبيل انطلاقة منافسات كأس العالم 2022، هجمات وإن بدأت غربية صرفة إلا أنها انطلقت ودعمت من بعض دول، وجدت الاستضافة تهديدا لكيانها ومستقبلها، إذ كيف لدولة بحجم قطر أن تبدع في إنتاج مثل هذا المشهد.

ربما كلمة السر تكمن في إدارة الإنسان والاستثمار فيه وكيفية تفعيل الأموال لخدمة الدولة ومصالحها.

كأس العالم ليست إلا وسيلة للتأكيد على أن غاية الاستثمار اقتصاديا وسياسيا وثقافيا واجتماعياً، ما ينعكس على الإنسان الذي استثمر في تعليم وتدريب شبابه عبر السنوات الماضية، ويريد اليوم كحق مشروع جني مرابحه.

مشروع انعكاسات أرباحه تطال المنطقة ككل وغير محصور في قطر، إذ يمكن متابعة الإحصائيات السياحية مثلاً لدى فنادق دبي وأبوظبي والرياض والمنامة، كما يمكن متابعة التسهيلات التي قدمتها دول المنطقة للسياح لجني الربح من البطولة وإن بحدها الأدنى، وهذا ما يمكن تسميته "اقتصاد كأس العالم" القادر على إيجاد استثمارات مستدامة ومتقدمة انطلاقاً من إنجاح البطولة.

هذا التفكير كان يوجب الدعم عربياً لدولة قطر إعلاميا وسياسيا واقتصاديا ولوجستيا -شعبيا الدعم متوفر- من خلال الدفاع عن عاداتها ودينها وتقاليدها التي تمثل عادات وتقاليد ودين المنطقة، لا إبقاء الأبواق الخارجية تردد ما يقال دون خجل ودليل ووجل!

اليوم في الغرب توجه الدعوات لمقاطعة كأس العالم، باعتبارها تتعارض مع مفاهيم وقيم حقوق الإنسان الذي تمثله أوروبا/أميركا، متناسين أن انتهاكات الحقوق شرعنت على أياديهم انطلاقاً من استعمارهم وصولًا إلى التنكيل بالمهاجرين الهاربين من الجوع والأزمات والحروب التي دعموها أو أشعلوها في المنطقة خدمة لمصالحهم.

كم من غريق مات على شواطئ ألمانيا وإيطاليا وفرنسا واليونان، أليست هذه حقوق إنسان لا يعلو عليها حق، فعن أي حقوق يتحدثون إذن، وهم من انتهكها في كل مناسبة. إضافة لذلك، هل تجرؤ مثل هذه الدول على انتقاد كأس العالم عام 2026 المزمع إقامتها في كندا والولايات المتحدة والمكسيك، هل تجرؤ كل أوروبا على انتقاد السيد الأميركي الراعي الرسمي للبطولة، هل تجرؤ على انتقاد كارتل المخدرات المكسيكي؟ هل تستطيع ألمانيا ووزير خارجيتها إعادة الحياة لمن فقدها على الشواطئ الدامية!

في السياق ذاته، يطالب البعض فتح الباب للمثليين لا في الحياة بل في العلاقة العلنية، كحقوق لا تتواءم مع عادات وتقاليد ودين قطر أو مع دول المنطقة برمتها، وصدق اللاعب المصري الجميل محمد أبو تريكة إذ قال: لن نغير عاداتنا من أجل 28 يوماً.
وعليه، لا تستطيع دول أوروبا مثلا انتقاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يعارض هذه الحقوق الشاذة علنًا لأنها تتعارض مع العادات والدين المسيحي المشترك بينهما وتشكل خطراً على بنية الدولة، لكنها تتجرأ على انتقاد قطر المسلمة التي لا تحفل بهذه الحقوق لمعارضتها حقيقة الدين والعادات والتقاليد.

لكن ماذا لو توجهت فئة أو شعب مدجج بالإعلام ومؤسسات حقوقية لمطالبة فرنسا بصلاة الجمعة في كنيسة نوتردام أو أرادوا إقامة حفل عرس في متحف اللوفر أو طالبوا بحقوق تزيين كاتدرائية كولونيا الألمانية في شهر رمضان، هل يسمحون بذلك؟ أم يرون أن الأفعال -الحقوق- بذاتها لا تتناسب مع قوانين الدولة وثقافتها وعاداتها وتقاليدها ودينها.

إذن لا يمكن أن تطالب شعوباً كاملة -شعوب المنطقة- بالتخلي عن عاداتها وتقاليدها وثقافتها ودينها الراسخ، إرضاء لنزوات الآخرين وأفكارهم الانحلالية، فما يناسب شعوباً ليس بالضرورة أن يناسب شعوباً أخرى.

رغم كل هذه الدعوات الهدامة التي تتحملها قطر والمنطقة وشعوبها قبيل انطلاقة كأس العالم، لم يتغير من حقيقة الواقع شيء، إذ نجحت قطر في تشييد بنية تحتية ضخمة تضاهي ما لدى دول الغرب في جودتها وتقنيتها، كما نجح الإنسان القطري في إدارة المشاريع ليخدم الدولة والمنطقة المحيطة به دون تفكير واعتبار للأزمات والصراعات السياسية التي يعمل البعض على تعزيزها لاعتقاده بقدرته على إفشال البطولة التي صارت قاب قوسين أو أدنى من الانطلاق لتدشين وتتويج الإنجاز.

ألف شكر لقطر، خاصة شبابها الذين جسدوا في أعمالهم الكثير من الوعي والإنجاز.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.