شعار قسم مدونات

8 صفات لتكون عظيما.. العمل (2)

الكاتب: الناجحين يستمتعون طوال الوقت أثناء عملهم؟ بالطبع لا، أحيانا تمر عليهم أيام عصيبة في العمل وظروف قاسية. (غيتي إيميجز)

"هل تريد أن تتخلص من الروتين وتحقق كل يوم 7827 ريالا؟ (مليت تشوف) الأغنياء يأخذون كل شيء؟ هل تريد أن تحقق حلمك وتصير غنيا مثلهم؟".

أتخيلك الآن -عزيزي القارئ- وأنت ممسكا برأسك، متى ينتهي هذا الإعلان من مقدمة فيديوهات اليوتيوب؟

لكن السؤال الأهم الذي يراودك: هل توجد طريقة أو وصفة سحرية للنجاح كما تشعرنا هذه الإعلانات؟ الإجابة ببساطة: لا.

عزيزي، النجاح يأتي بالعمل الشاق المضني، يمكن أن تعدّ هذه خاتمة المقال، والتفاصيل ستأتي لاحقا إذا كنت مهتما أن تعرف أكثر.

والملاحظ أن القرآن الكريم كثيرا ما ربط بين الإيمان والعمل "الذين آمنوا وعملوا الصالحات.." (الرعد:29)، "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون.." (التوبة: 105). وأخبرنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه".

يقول لاري بيدج، أحد مؤسسي غوغل، "لقد عملنا في بداية الأمر 7 أيام في الأسبوع على مدار أعوام متتالية، لقد كان اعتمادنا في النهوض بمؤسسة غوغل: 90% من العمل الشاق، و10% على الأفكار الرائعة".

تحدثنا في المقال السابق عن الصفات الثماني التي تجعلك عظيما، والتي استخرجها الكاتب ريتشارد جون بعد أن جمع 300 صفة للعظماء، وكان "الشغف" الصفة الأولى، وفي هذا المقال سنسلط الضوء على الصفة الثانية وهي "العمل بكد".

العظماء يعملون بكد ولساعات أكثر

الناجحون يعملون بجد وكد وتعب ومجهود وتفان وإيمان بقيمة العمل أكثر من غيرهم، العمل هو رسم الدخول الأساسي الذي تلج منه إلى بوابة النجاح، فلا نجاح من دون عمل شاق وجهد، رائحة عرقك الآن هي الرائحة العطرة للنجاح فيما بعد.

غالبا ما يعمل العظماء ساعات طويله؛ فهذا مؤسس شركة مايكروسوفت، بيل غيتس، ظل يعمل حتى العاشرة مساء حتى بعد أن أصبح أغنى أغنياء العالم.. لم يحصل على إجازة سوى 15 يوما خلال 7 سنوات. أما المذيعة الشهيرة أوبرا وينفري فتقول إنها عادة لا ترى ضوء النهار؛ فهي تصل إلى مكتبها فجرا وتغادره ليلا.

لا أقصد هنا أن الناجحين لا يحصلون على أي قسط من الراحة، بالعكس، لكن عندما يظهر أمامهم عمل يحبونه أو موعد محدد لإنهاء مشروع ما، فإن ساعات العمل تزيد والجهد يتضاعف حتى إتمام المشروع أو العمل المطلوب، يبقون يعملون بكد بينما تغادر البقية. شئت أم أبيت، أنت تعيش في عالم تنافسي والعمل بكد قد يمنحك ميزة نسبية، لا يمكنك الفوز من دون أن تعمل بكد أكثر من غيرك.

قال ديفيد كارسون مصمم الرسوم الشهير "الأمر لا علاقة له بعدد ساعات العمل، فأنا أعمل لساعات طويلة لكنني أستمتع بعملي ولا أقضي وقتي في مراقبة الساعة منتظرا حلول الخامسة كي أذهب إلى منزلي".

ويعبر توماس إديسون عن مدى سعادته لأن يوم العمل المكون من 8 ساعات لم يكن قد اخترع أيام شبابه، يقول "لو كنت أعمل 8 ساعات فقط ما كنت لأنجز أي شيء. لم أعمل يوما واحدا في حياتي، فالأمر كله كان نوعا من المتعة".

عزيزي، لا تشعر بالإحباط وتتخيل أنك بعيد عن هؤلاء. الفكرة هي أن العظماء يعملون عدد ساعات أكثر حينما يتطلب الأمر ذلك فقط كما ذكرنا، وتدور حياتهم في العمل بشكل طبيعي على أساس 8 ساعات يوميا بالعمل. هذا ما أردت أن أوضحه لك.

هذا ليس إدمانا للعمل بل محبة وشغف ومتعه.. الناجحون يستمتعون بعملهم

يصف المسؤول في ناسا، ديف لافراي، عمله بأنه نوع من المتعة رغم قضائه كثيرا من الليالي بلا نوم، وبذله جهدا كبيرا في صناعة الآليين الذين يذهبون إلى المريخ، ومع ذلك لا يريد أن يوقف هذا ويذهب إلى بيته.

إنه العمل بكد، وهو ما يصنع الفارق في كل الصناعات. الناجحون يعملون بكد لكن وجوههم تعلوها الابتسامة، ذلك لأنهم يستمتعون بعملهم بدرجة هائلة، ولا أقصد بكلمة "يستمتعون" أنهم يقضون الوقت بأكمله في الضحك واللهو.

لحظة! هل معنى ذلك عزيزي أن الناجحين يستمتعون طوال الوقت أثناء عملهم؟ بالطبع لا، أحيانا تمر عليهم أيام عصيبة في العمل وظروف قاسية. السر يكمن في طريقة تعاطيهم مع المنغصات، وردود أفعالهم على الظروف القاسية التي تمر بهم أثناء العمل فهم لا يجعلونها تفسد متعتهم في العمل طويلا وسرعان ما يعودون إلى المتعة والطاقة والحيوية. تقول لي زميلة إن زوجها عندما يذهب إلى العمل لا يشعر بأنه يعمل مطلقا لأن مجال عمله رصد الأخبار الرياضية وهذا هو شغفه الحقيقي.

هل لاحظت أن الأثرياء لا يتقاعدون؟ إنهم يشعرون بقدر عال من المتعة ولا يريدون أن يفقدوها، مثل وارن بافيت فهو من أغنى أغنياء العالم ولا يريد التقاعد رغم تقدمه في العمر، يقول "عندما أذهب إلى مكتبي كل صباح أشعر كأنني ذاهب إلى أحد المنتزهات كي أرسم لوحة رائعة".

ولذلك توجد علاقة وطيدة بين المتعة والطاقة والنجاح؛ لقد مكّنت المتعة بيل غيتس من التقدم إلى الأمام في عالم البرمجيات ليصبح الأول في المجال. إذا كنت تستمتع في عملك فمن الطبيعي أن تكدح وتعمل بجهد شاق ساعيا وراء تحقيق هدفك.

مقدم البرامج الحوارية الشهير لاري كينج بدأ مشواره المهني بتقاضي 55 دولارا أسبوعيا، لكن المتعة هي التي ساعدته على الصبر ليخرج من هذه المرحلة إلى مرحلة ملايين الدولارات والشهرة الكبيرة، ومن ثم يصبح الصحفي الأعلى دخلا بالعالم. يحصل الناس على قدر عال من المتعة عندما يعملون بكد كما قال مؤسس قناة "سي إن إن" (CNN) التي كان يعمل بها لاري كينج.

أتذكر الآن حينما بدأت عملي مع أخي الأكبر في مجال بيع الملابس الجاهزة، ولم أتجاوز وقتئذ 12 عاما، تقاضيت ما يعادل دولارا واحدا أسبوعيا، كنت من الأثرياء حينئذ بين أقراني وممتلئا بالسعادة. لم يكن المال وحده هو العامل الفارق، لكن الخبرة والمهارات المكتسبة هي التي صقلت شخصيتي فيما بعد.

العمل أهم من الموهبة

لاعب المنتخب الأميركي لكرة السلة الشهير مايكل جوردان كان يعتمد على موهبته فقط وقد كان بارعا حقا، ولم يلتزم بأوقات التدريبات ومهامه في اللعب، فطرد من الفريق بالفعل، ليكتشف بعد ذلك أن الموهبة وحدها لا تكفي، ولا بد من العمل والتدريبات الشاقة، وعندما عاد إلى المنتخب والتزم التدريبات أصبح أفضل شخص لعب كرة سلة في العالم حتى الآن.

قال حارس المرمى الشهير مارتين برودر "كل شخص لديه موهبة من نوع ما، والعمل الجاد هو السلاح الحقيقي في هذه الحياة".

ويرى الكاتب ريتشارد جون أن معظم الذين تربوا في الحقول والمزارع من الذين حاورهم كانت فرص نجاحهم في المجالات المختلفة أكبر من غيرهم، ويعود الفضل في ذلك إلى طبيعة حياة الحقول والمزارع والمشقة التي لا تكتفي بالعمل ٨ ساعات في اليوم. الآن ربما تبادر إلى ذهنك بعض معارفك أو أقربائك الذين تربوا في الحقول وربما تكون أنت واحدا منهم. وكما يقول شاعرنا الكبير أحمد شوقي:

وما نيل المطالب بالتمني .. ولكن تؤخذ الدنيا غلابا

وما استعصى على قوم منال .. إذا الإقدام كان لهم ركابا

النجاح لا يأتي بسهولة لمن يريده؛ يقتضي الأمر كثيرا من العمل الجاد، يقول المؤلف "لم أعثر حتى الآن على هذا الشخص الذي استطاع أن ينجح من دون أن يعمل بكد.. إذا وجدت هذا الشخص عليك أن تخبرني، وسوف أضعه في أحد المتاحف تحت قسم غرائب الطبيعة".

الإنجازات الكبيرة لن تأتي فقط لأنك بارع، فلا يمكن الوصول إلى أقصى درجات النجاح من دون أن تقضي آلاف الساعات في العمل والتدريب، لذا -عزيزي- فسواء كنت تتمتع بموهبة أم لا، فاعلم أن هناك موهبة أعظم يمكنك أن تقدمها لنفسك؛ ألا وهي القدرة على العمل بكد.

خاتمة

تشير معظم الدراسات إلى أن أصحاب الأعمال بمختلف تنوعاتهم يبحثون عمن لديهم أخلاقيات عمل قوية مثل الأمانة، والصدق، والشفافية، وفن التعامل مع الآخرين، والذكاء الاجتماعي، وغيرها من أخلاقيات العمل، ولم تأت الخبرة والمهارة في مقدمة الصفات المطلوبة فهما مما يمكن اكتسابه بسهولة، أما أخلاقيات العمل فتحتاج إلى وقت كبير لاكتسابها.

ثق بأن العمل بكد سوف يعود عليك بالنفع، واعلم أن هناك أشخاصا يشاهدونك وأنت تعمل بكد ولا تراهم.. لم يتسبب العرق من قبل في غرق أحد الأشخاص، فإن العرق يشبه النهر الذي يحملك بين أمواجه ويسهل لك السباحة نحو النجاح.

الآن عرفت حقا طريق العظماء في بلوغ النجاح، وهي -بلا شك- ليست بطريقة إعلانات "اليوتيوب" الرتيبة، إنما العمل والعمل بكد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.