شعار قسم مدونات

أشياء من الذاكرة.. أمام الكاميرا

blogs السوشيال ميديا هاتف
الكاتب: الشاشة الصغيرة حاليا استولت على عقول وقلوب المليارات في العالم من بني البشر (مواقع التواصل الاجتماعي)

قبل 21 عاما بدأت تقديم برنامج تلفزيوني ثقافي في الفضائية اليمنية الرسمية.

لم أكن غريبا على الشاشة؛ فقد كنت متابعا شغوفا وكانت علاقتي بها أكثر من علاقة بعض العاملين في التلفزيون بها، وكنت أتطلع إلى دخول هذا المجال وأن أصبح مقدم برامج تلفزيونية أو أن أدخل في أي عمل يجعلني أقتحم هذا العالم الممتع أو هكذا كنت أعتقد.

3 أعوام تقريبا قضيتها جيئة وذهابا إلى مبنى التلفزيون الرسمي اليمني منذ أواخر 2001 حتى بدايات 2004؛ قدمت برنامجين هما "منتدى الثقافة" ثم "أوراق ثقافية" وقد كنت أعدّ وأقدم 4 حلقات في الشهر، كل حلقة في الأسبوع تتضمن حوارا أو عروضا من الشعر والكتب والأخبار الثقافية.

ورثت البرامج الثقافية عن زميل هو عبد الله إسماعيل الذي ورثها عن الشاعر والإعلامي اليمني محمود الحاج وقد انفرد على مدى سنوات طويلة بالبرامج الثقافية والفنية والفكرية وهو شاعر غنائي غنى له الفنان اليمني أحمد فتحي عشرات القصائد.

كان محمود الحاج الذي ندعو له بالشفاء والسلامة واحدا من علامات التلفزيون اليمني الرسمي في الشعر والأدب والثقافة والفكر، وما زال اسما لامعا يتذكره الناس رغم غيابه الطويل عن الشاشة.

كان التلفزيون الرسمي يدفع لي 3 آلاف ريال أو ما يقاربها وتساوي في ذلك الوقت 30 دولارا تقريبا، أما الآن فقد تساوي 3 دولارات أو أقل من ذلك، وهو مبلغ زهيد جدا لكن همي لم يكن المقابل بل كيف أتعلم الوقوف أمام الكاميرا وكيف أشبع شغفا قديما.

مبنى التلفزيون اليمني في ذلك الوقت كان أشبه بقلعة عسكرية، وعندما تريد الدخول إليه تحتاج إلى إجراءات مشددة قبل أن تقطع تلك العقبة الصعبة للوصول إلى البوابة الرئيسة، فتصل إذا كنت راجلا وقد تقطعت أنفاسك، وعادة ما كنت أستأجر تاكسي للحفاظ على هندامي قبل تسجيل الحلقة.

علي صلاح أحمد، مطهر عقبات، أحمد الذهباني، يحيى علاو، مها البريهي، علي الصبري، أنور الأشول، علي العصري، وأسماء أخرى لمذيعين مخضرمين تصادفك وأنت في هذا المبنى المحاط بمعسكر فيه ترسانة من الأسلحة.

وأسماء أخرى من المعدّين والمخرجين والمصورين تعرفهم من "تترات" البرامج اليمنية، وكان المشرف على التلفزيون في ذلك الوقت عبد الغني الشميري وكان أيضا مذيعا معروفا.

لم يكن الالتحاق بالتلفزيون الرسمي سهلا وقتئذ، فهو اختصار للسلطة المعنية بتوجيه الناس بسياسات الدولة، لكني لم أشعر في ذلك الوقت بأن هناك من يراقبني أو يوجهني وهو ليس شيئا يحسب للسلطة في ذلك الوقت كهامش حرية، بل لأنها لم تكن تدرك ربما أهمية الثقافة ومدى تأثيرها.

بمحض إرادتي غادرت التلفزيون اليمني الرسمي في ذلك الوقت إلى قناة الجزيرة، لكن بعد دورة مكثفة استمرت سنوات للتعامل مع أدوات التلفزيون وفرق العمل والتعامل معها، وكان فريقنا مكونا من المخرج علي الحمزي والزميل عبد الله الحرازي وزميل آخر بالإضافة إلى فريق فني يُحجز بالتناوب بين البرامج.

تطور التلفزيون كثيرا وتطورت أدواته، فما زلت أتذكر طريقة المونتاج اليدوي وتلك الأشرطة الكبيرة وشاشات العرض التي اختصرت فيما بعد إلى اللابتوب، وحاليا أصبح بإمكان فعل كل ذلك بشاشتك الصغيرة التي في يدك إن تمكنت من تعلمه.

علمتني أيام الفضائية كثيرا من المهارات رغم أن أيامي تلك صادفت ظهور فضائيات عربية بأكثر أدوات التقنية تطورا في ذلك الوقت، لكن مهارة الوقوف أمام الكاميرا بالتحديد كانت نتيجة من نتائج تقديم مئات الحلقات التلفزيونية.

تنسحب الشاشة الكبيرة حاليا لمصلحة الشاشة الصغيرة وأقصد التلفزيون والتلفون؛ فالشاشة الصغيرة حاليا استولت على عقول وقلوب المليارات في العالم من بني البشر وأصبحت المؤسسات التلفزيونية تتسابق لملء محتواها بالسوشيال ميديا من فيسبوك وتويتر ويوتيوب وإنستغرام وتيك توك وغيرها من المنصات، لكنني لا أؤيد نظرية أن السوشيال ميديا ستقضي تماما على التلفزيون كما حدث مع الإذاعة التي عادت من خلال "البودكاست" وكما حدث مع الصحافة الورقية التي وجدت مكانها في المنصات، فأنا أعتقد أن العالم الرقمي الذي يتوسع يضيف إلى كل وسيلة ميزة جديدة في هذا الفضاء.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.