شعار قسم مدونات

لعبة الدجاج في أوكرانيا.. هل نحن بصدد حرب عالمية ثالثة؟

الكاتب: بوتين كسر عجلة القيادة وأصبحت الدبابة الروسية تسير مندفعة نحو الهدف بلا قدرة على السيطرة (رويترز)

في ظل الغزو الروسي لأوكرانيا يوم 24 فبراير/شباط الماضي، وما تبعه من صراع بين موسكو والغرب مسرحه الأراضي الأوكرانية، وما نتج عن ذلك من أزمات ومشاكل هزت العالم أجمع، وجعلت الكل يراقب بتوجس ما قد تسفر عنه الأحداث المتلاحقة والتطورات الخطيرة التي كان آخرها ما حدث يوم 30 سبتمبر/أيلول الماضي حيث أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضم 4 مناطق أوكرانية للسيادة الروسية: دونيتسك ولوغانسك وخيرسون وزاباروجيا، والتي تمثل مجتمعة 15% من مساحة أوكرانيا الحالية.

وقبل عملية ضم الأراضي، جرت استفتاءات بهذه المناطق، وقررت الأغلبية من سكانها الانضمام إلى روسيا الاتحادية والانفصال عن أوكرانيا. وبطبيعة الحال لم تعترف أوكرانيا بالاستفتاءات وكذلك الغرب الذي اعتبرها إجراءات مضللة واغتصابا لأراضي الغير.

لكن روسيا اعتبرت أن ضم الأراضي شرعي، وبموجبه أصبحت هذه الأراضي روسية.

  • وهنا نطرح السؤال المهم: لماذا يخاطر الرئيس الروسي بمثل هذه الخطوة ويضع نفسه في مأزق؟
  • كيف يعلن أن هذه أراض روسية، وبالتالي هو مضطر للدفاع عنها ولكنه لا يحكم السيطرة عليها حتى الآن؟

قبل عملية الضم تلك، كانت الحرب المعلنة من جانب روسيا على أوكرانيا (الروس لم يسموها حربا) أسموها عملية عسكرية خاصة، فهي من وجهة نظرهم: حرب وقائية استباقية على أراضي دولة مجاورة لتحقيق مجموعة من المصالح الروسية منها:

  • قطع الطريق على أوكرانيا حتى لا تنضم إلى حلف شمال الأطلسي.
  • حماية الروس الموجودين شرق أوكرانيا إلى آخره.

الآن وبعد عملية ضم الأراضي، تحولت من عملية وقائية إلى حرب فعلية للدفاع عن الحدود الروسية، وفقا لرؤية موسكو: فلماذا فعل الرئيس الروسي ذلك؟

ولماذا يغامر باحتمال تعرضه لخسارة أراض صارت روسية؟

-دونيتسك ولوغانسك وخيرسون وزاباروجيا صارت أراض روسية وبالتالي دفاعه عنها لم يعد خيارا

بل هو أمر إجباري فهي أراض روسية هو ملزم بالدفاع عنها

قطع خط الرجعة

الرئيس بوتين يدرك خطورة هذه الخطوة على ما يبدو تماما، ولكنه يريد أن يقطع الطريق على أي احتمال للعودة، يقطع الطريق على نفسه وعلى الروس حيث لا تراجع ولا استسلام وهي الرسالة التي يريدها أن تصل إلى الغرب قبل الروس فـ "لا تراهنوا أبدا على احتمال تراجعي، فمهما صعدتم سأواصل هذه الحرب حتى أحقق أهدافي".  وهي رسالة أراد بوتين أن يوصلها بأكثر طريقة درامية ممكنة.

حيث إن هذه الأراضي صارت روسية وبالتالي دفاعه عنها لم يعد خيارا بل هو أمر إجباري، وهو ملزم بالدفاع عنها، مما يعني أن خسارة هذه الأراضي ستكون نهاية بوتين ونظامه.

لفهم خطورة الموقف علينا تذكر الخطوط الحمراء التي تم احترامها منذ اندلاع هذه الحرب حتى الآن، حيث ارتكبت موبقات كثيرة وتم تجاوز خطوط كانت حمراء قبل الحرب فيما يتعلق بالعلاقة بين روسيا والغرب، إلا خطين أحمرين فقط:

  • الأول حصر كل العدائيات داخل الأراضي الأوكرانية حيث لا تزود أوكرانيا بأسلحة تصل إلى الحدود الروسية.

كما التزمت موسكو بعدم ضرب الدول المجاورة حتى وإن كانت تساعد أوكرانيا بشكل مباشر.

  • الثاني ألا يتورط حلف شمال الأطلسي في قتل جنود روس بشكل مباشر.

مع هذا التطور الأخير (تفجير خط السيل الشمالي، إعلان الضم، تفجير جسر كيرتش، قصف مطار بيلغورود الروسية) تلاشت كل الخطوط الحمراء لأن المعارك أصبحت تدور على الأراضي الروسية حتى وإن لم يعترف العالم بأنها روسية، ولكن بوتين يقول ذلك أمام شعبه "هذه أراض روسية" وهو مطالب بحمايتها مما يعني أن الخط الأحمر الأول لم يعد موجودا، فالعمليات العسكرية باتت تدور على أراض روسية. أما وقد تم تجاوز الخط الأحمر الأول، فبطبيعة الحال أو من المنطقي جدا أن يتم تجاوز الخط الأحمر الثاني.

لأن إصرار الغرب على رفض هذه الخطوة وتعهده بالتصعيد أكثر وأكثر، والتزامه بتزويد الأوكرانيين بمزيد من الأسلحة المتطورة، يعني صعوبة أن يحتفظ الغرب بالمعادلة التي أراد أن يحتفظ بها منذ بداية الحرب وهي دعم أوكرانيا للدفاع عن نفسها ولإلحاق الهزيمة بالروس. وفي الحالتين، ألا ينجرف الغرب أو حلف شمال الأطلسي في صراع مسلح مباشر مع روسيا.

الكرة الآن في ملعب الغرب الذي رد بمزيد من التصعيد، ويعني استمراره أن العالم كله أمام كارثة حقيقية، حرب عالمية ثالثة بين روسيا والغرب

لعبة الدجاج ولي الأذرع

وهذا التصعيد غير المسبوق من بوتين ورد الفعل الغربي الذي أدان العملية، وتعهد بمزيد من الدعم لأوكرانيا، ليس سوى تجسيد لنموذج "لعبة الدجاج" التي هي عبارة عن موقف يكون كلا طرفيه مصمما على تحقيق أهدافه التي تتعارض مع أهداف خصمه ولا يرغب أي منهما في التنازل، لأن التراجع يعني الخسارة، وفي نفس الوقت لا يريد أن يهلك، ويراهن على أن الطرف الآخر سيؤثر السلامة ويتراجع، وهنا يكون الطرف الأكثر تصميما وإصرارا ومخاطرة ومغامرة هو الفائز.

وهو ما شهده العالم منذ اندلاع هذه الحرب، حيث بدأ كل طرف في اختبار مدى صبر وتصميم ومغامرة الطرف الآخر.

فمن البداية، قرر الغرب أن يبدأ اللعبة، ويجرب رد فعل الروس إن هم قرروا ضم أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي وأصبح الحلف على الحدود مباشرة مع روسيا، التي واجهت هذا التصعيد بالتهديد باستخدام كل الوسائل بما فيها العسكرية إن حدث ذلك.

تجاهل الغرب التهديدات الروسية، فحشد الروس عشرات الآلاف من جنودهم وأسلحتهم على الحدود مع أوكرانيا آملين أن يتراجع الغرب الذي لم يتراجع بل أصر على عدم إعطاء روسيا حق "الفيتو" على اختيارات حلف شمال الأطلسي. فقرر بوتين التصعيد أكثر وأكثر وقام بغزو أوكرانيا يوم 24 فبراير/شباط آملا في أن أصوات المدافع ستجعل الغرب يتراجع، لكن الدول الغربية ردت بمزيد من التصعيد وقررت فرض حزمة عقوبات ضخمة على روسيا، وتزويد أوكرانيا بإمدادات هائلة من الأسلحة (بدأت أسلحة قصيرة دفاعية ثم متطورة هجومية) فأراد بوتين أن يصعد مرة أخرى فألمح إلى إمكانية استخدام السلاح النووي، خصوصا بعد أن بدأت قواته تمنى ببعض الخسائر الأسابيع القليلة الماضية.

لكن الغرب تجاهل التحذيرات النووية مراهنا على أن بوتين لا يستطيع استخدام السلاح النووي لأن عواقبه وخيمة جدا، ثم إنه من غير المجدي استخدامه ضد القوات الأوكرانية، حيث لا تجمعات عسكرية ضخمة ولا أهداف فاعلة يمكن استهدافها بالسلاح النووي، وبالتالي تغيير موازين القوة.

ومع عدم أخذ الغرب التهديدات الروسية باستخدام السلاح النووي على محمل الجد، قرر بوتين التصعيد أكثر وأكثر حتى تكون رسالته أوضح للغرب في أن هذه الحرب مصيرية بالنسبة له، وبالتالي قرر ضم هذه المناطق الأربع مما يعني أنها أصبحت مناطق روسية وهو ملتزم أمام شعبه بضرورة الدفاع عنها.

وفي ظل هذا التصعيد، يقول العالم والاقتصادي توماس شيلينغ (الحاصل على جائزة نوبل والذي اهتم جدا بنظرية "لعبة الدجاج" وطبقها على العلاقات الدولية والتوازنات المختلفة بين القوى الكبرى وإمكانية استخدام السلاح النووي من غيره طوال فترة الخمسينيات والستينيات وفي الحرب الباردة) يقول إن أفضل طريقة للفوز هي: التقليل من الخيارات ويمثل شيلينغ النموذج بسائقين يتجه كل منهما بسرعة شديدة نحو الآخر، فيقول إن السائق الذي يرغب في حسم الصراع لصالحه عليه أن يقوم مثلا بكسر عجلة القيادة، والتلويح بها للخصم ليتأكد من أن السيارة لم يعد لها عجلة قيادة وأنه فقد سيطرته عليها، وبالتالي يدرك أنه أمام خيارين اثنين واضحين جدا، وأن الخيارات كلها أصبحت منوطة به. فالخصم فقد السيطرة وهو مستعد للاصطدام بك لا محالة، فإن أردت أن تنجو بنفسك وتنقذها، وتنقذ الموقف، فعليك أن تؤثر السلامة وتبتعد عن الطريق وإلا فإنك تقوم بقرار انتحاري.

الغرب تجاهل التحذيرات النووية مراهنا على أن بوتين لا يستطيع استخدام السلاح النووي لأن عواقبه وخيمة جدا

فهل تستحق أوكرانيا والدفاع عنها أن يرتكب الغرب عملية انتحارية ويواصل مسار الصدام مع روسيا؟

هذا هو الهدف من خطوة الضم التي قام بها الرئيس بوتين، فهو باختصار كسر عجلة القيادة، والآن أصبحت الدبابة الروسية تسير مندفعة نحو الهدف بلا قدرة على السيطرة، والآن هو مجبر أن يستكمل المسار نحو الصراع مهما كلفه حتى لو كان هذا الصراع خارج الحدود الأوكرانية.

وعليه، فإن الكرة الآن في ملعب الغرب الذي رد بمزيد من التصعيد، والذي يعني استمراره أن العالم كله أمام كارثة حقيقية، حرب عالمية ثالثة بين روسيا والغرب، أو أن يعي خطورة المسألة وأنها سوف تتصاعد وتصبح كارثة لأن بوتين قد كسر عجلة القيادة وأفسد المكابح، وهو مصمم على التصادم.

حينها، قد يجنح الغربيون إلى المفاوضات ويتوقفون عن دعم أوكرانيا على اعتبار أنها مهما كانت مهمة ومهما كان بوتين مستفزا بالنسبة لهم، فإن الأمر لا يستحق المخاطرة بحرب نهاية العالم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.