شعار قسم مدونات

امشِ على استحياء بعيدا عن ضغوط الإعجاب

لوحة للفنانة نتاليا شورنينا تظهر امرأة فلسطينية تحتضن طفلها وتعكس من خلالها عنف الاحتلال ضد الفلسطينيين -رائد موسى-الجزيرة نت
لوحة للفنانة نتاليا شورنينا تظهر امرأة فلسطينية تحتضن طفلها وتعكس من خلالها عنف الاحتلال ضد الفلسطينيين -رائد موسى-الجزيرة نت (الجزيرة)

بين فترة وأخرى، تطل على وسائل الإعلام الجديد امرأة في كامل زينتها أشبه ما تكون بعروس في يوم زفافها، تعمل على ترويج بضائع مُختلفة الأصناف الغالية منها والرخيصة.

وحتى تجلب الجمهور أكثر فلا بد أن يتلازم ذلك مع أناقة كبيرة في الملبس وابتسامة عريضة؛ بل ضحكة عالية حتى يزيد الإقبال والضغط على خيار الإعجاب، والتعليقات التي أكثرها تهتم بالمرأة التي تُقدم الدعاية للمُنتج، وهذا بالنسبة لها يمثل قمة في السعادة.

فكل تعليق وإعجاب يزيدان لها الحضور في عالم الإعلام الجديد، وهذا يجعل لديها حالة توتر نفسي دائم نظرا للتفكير المستمر في الحفاظ على هذا المستوى؛ بل العمل على زيادة أعداد المعجبين بصفحتها.

وهذه الزيادة ستقابلها زيادة إقبال أصحاب المُنتجات في ترويجها من خلال الإعلان عنها عبر صفحتها، خاصة أنها التي تقوم بدور البطولة في ترويج المُنتج من خلال استعماله وتجربته أمام الجمهور.

من خلال هذا التفكير، أصبح لعدد منهن حالة يمكن أن نطلق عليه "هوس السوشال ميديا"، ذلك يجعلها تبحث بأي طريقة للعمل من أجل تصاعد أرقام المعجبين، وبهذا فإنها تنتقل من المُنتجات إلى داخل بيتها في أدق تفاصيلها.

فتارة تنشر كلمات الغزل بمشهد يجمعها مع زوجها، وتارة تلتقط صورا متتابعة لمائدة الطعام التي تحتوي على الحلو والمالح، ولأطفالها نصيب كبير من هذه المشاهد، فكل شيء يزيد ضغطات الإعجاب.

وغالبا، الجمهور بداخله الفضول، فكلما رأى شيئا فإنه يطمح لأن يرى أشياء حتى إن كانت خاصة، فأصبحت الأمور مكشوفة على ساحة الإعلام.

هذه المشاهد غالبا ما تصيب الشعور بالإحباط لدى البعض، فقد يظن أن كل ما يراه هو الحقيقة في حياة بطلة الدعاية، الأمر الذي يصيبه بالتذمر وعدم الرضا عن حياته، وعدم رضاه عن زوجته التي تكون غالبا مشغولة بالاهتمام بتنظيف البيت وتعليم الأطفال وغيرها من المسؤوليات الكثيرة.

رغم أن حقيقة ما يقدم أنه عبارة عن تمثيل من أجل زيادة المعجبين، وهذه حقيقة سمعتها من بعضهن بعد أن تسببت هذه الأمور في انفصالها عن زوجها، فكانت تقول: "كل من يشاهدنا كان يظن أن هذه حياتنا، كلها ضحك وتفاهم، وهم لا يعلمون حجم المشاكل التي كانت تسبق تصوير كل مشهد".

حقيقة أشعر بألم كبير كلما رأيت إحداهن تغني وتتمايل من أجل الترويج لإعلان، فهذا يجعلها هي السلعة بذاتها فتكون سعرها بذلك أرخص من المنتج الذي تروج له.

وبعضهن دخلن أبواب الإعلام الجديد بمحتوى لا قيمة له؛ بل يجلب السخرية عليهن وزيادة التعليقات التي تذمهن وتذكرهن بألفاظ سيئة، وهذا بالنسبة لهن يهون طالما أن التعليقات في زيادة، وبذلك يزيد حضورهن في الإعلام.

وهذه الأفعال تسيء حقيقة للمرأة المسلمة التي رفعها الله تعالى فجعلها مكرمة بأنها ملكة؛ بل أكثر من ذلك بكثير حيث جعل الحياء من دينها وجمالها، فحينما وصف الله تعالى امرأة قال في كتابه العزيز: "تَمشي عَلَى استِحيَاءٍ" (القصص: 25)، ما أجمله من وصف لا يليق إلا بالعفيفات.

لكل امرأة مسلمة: تذكري أنك غالية عند الله سبحانه وتعالى، غالية بعفتك وطهارتك وحيائك الجميل، فلا ترخصي نفسك بثمن بخس ودراهم معدودة.

ورحم الله تعالى قارئا دعا لي ولوالدي رحمهما الله تعالى بالعفو والمغفرة، "والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون" (يوسف: 21).

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.