شعار قسم مدونات

قليل من الدولة كثير من الإنسان

الفرد هو صاحب الخصوصية التي يجب أن تحميها الدولة من تدخلات المجتمع أو أفراد منه لضمان نمو الشخصية "الفردية" وتطورها (وسائل التواصل)

نظن أن الدولة ليس عملها فرض الأوامر والنواهي والتسلط على الناس وفرض الضرائب، وأخذ حقوقها أضعافا مضاعفة دون تقديم واجب واحد مستحق.

الدولة بالنسبة للمواطن ليست أما أو أبا لطفل تملي عليه ماذا يجب أن يفعل أو ماذا يجب ألا يفعل، وماذا يأكل وماذا يشرب، بل هي راعي خياراته الشخصية والحامية لها من تدخل المجتمع أو أفراد منه.

الفرد هو نواة المجتمع وهو المحرك الأساسي له، والمجتمع هو أساس الدولة، فلا يتطور وينمو المجتمع إلا بتطور ونمو الفرد، ولا تتطور وتنمو الدولة إلا بتطور ونمو المجتمع، إذن فلا يتطور وينمو المجتمع والدولة إلا بنمو وتطور الفرد.

لذلك فالفرد هو صاحب الخصوصية التي يجب أن تحميها الدولة من تدخلات المجتمع أو أفراد منه من أجل ضمان نمو الشخصية "الفردية" وتطورها.

الدولة التي تحابي المجتمع على حساب حقوق الفرد فيه لن ترضي الفرد ولا المجتمع، لأن المجتمع عبارة عن مجموعة أفراد، يعني في الحقيقة هي لا تحابي المجتمع، وإنما تحابي نفسها، وكل ما حابت الدولة نفسها على حساب المجتمع الذي أساسه الفرد تكون فاشلة في أداء مهمتها المنوطة بها وتكون أقرب إلى الزوال.

الدولة لا تدير نفسها من أجل نفسها ولنفسها، كعازف الناي الذي يعزف لنفسه ولا يسمع له أحد، ومثل هذا مهما كان بارعا في العزف فلن يجد من يصفق له، وإذا طالب الناس بدفع قيمة عزفه الذي لا يسمعونه فسيسوقونه لأقرب مصحة نفسية.

كتب آينشتاين في كتابه "العالم كما أراه" حول فلسفته عن العلاقة بين الفرد والمجتمع يقول:

إن الفرد كما هو عليه، أو ما يمثله، ليس مخلوقا فرديا كما يبدو،

بل عضو في جماعة إنسانية كبيرة تقود وجوده المادي والأخلاقي

منذ الولادة حتى الموت.

تتعلق قيمة الإنسان بالنسبة لمجتمعه، وقبل كل شيء بقياس عواطفه وأفكاره وأفعاله وتطابقها مع تطور وجود البشر الآخرين.

لقد تعودنا دائما على وصف الخير أو الشر، منذ الوهلة الأولى نحدد قيمة الإنسان، ومع هذا يظل مفهوم كهذا غير صائب، إذ نعترف بسهولة أن جميع الممتلكات المادية والفكرية والأخلاقية التي نتلقاها من المجتمع خلال أجيال لا تحصى هي ابتكارات فردية محضة.

هو فرد بعينه من استخدم النار لأول مرة، وهو فرد بعينه كذلك من زرع الأرض بالنباتات، وهو نفسه الفرد الذي صنع الآلة البخارية.

إنه الفرد "وحيدا" الذي يستطيع التفكير، ومن ثم خلق قيم جديدة للمجتمع وإيجاد قوانين جديدة تساهم في تطور البشرية نحو الأفضل.

دون وجود شخصيات خلاقة مفكرة تحكم بتجرد لا نستطيع إيجاد تصور واضح لتطور المجتمع بالمعنى التقدمي، فلا لتطور الشخصية الفردية دون الجسم الذي يغذيها من المجتمع.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.