شعار قسم مدونات

لا تكن مسيّسا

فلسطين رام الله شباط 2016 المعلمون الفلسطينيون يخوضون إضرابا عن العمل منذ أسبوع واتهموا بالمشاركة في احتجاج مسيس
السياسة اليوم وبعد عقود من سقوط أقنعتها في العالم العربي باتت تشكل هاجسا أمام الشباب يتوجه بهم نحو تبني أفكار وسياسات عامة يطرحها هذا الطرف أو ذاك (الجزيرة)

قدرة المرء على الدخول في سياقات الحياة الملونة تعتمد على عدة عوامل، بعضها يشكل عوائق تحول دونه والنجاح في بلوغ أهدافه المرسومة، فالعقل والمعرفة، والخبرة والتخصص، والتجربة البشرية الفردية والجمعية كلها تشكل بواعث صناعة الذات التي تدخل في المشروع، فيستبين بها النجاح والفشل بناء على مصداقية وجدارة هذه المقاييس وفاعليتها على الذات الفردية والجمعية.

السياسة اليوم وبعد عقود من سقوط أقنعتها في العالم العربي باتت تشكل هاجسا أمام جيل الشباب، هاجس يتوجه بهم نحو تبني أفكار وسياسات عامة يطرحها هذا الطرف أو ذاك، وضغط عكسي يبتعد بهم عن هذه التيارات السياسية والتجمعات الضاغطة نتيجة الفشل المتعاقب الذي اعترى أداء مختلف التيارات السياسية خلال العقود الثلاثة الماضية والفشل الذريع الذي منيت به في حقول التجارب التي خاضتها، وهو ما أفرز حالة من التيه الكبرى لدى شرائح الشباب العرب في مختلف مواقع وجودهم.

السؤال الأبرز الذي أود التطرق إليه هنا:

هل يجب أن تكون سياسيا أو مسيسا حتى تنجح؟

الجواب الذي تدعمه شواهد الواقع هو أن النجاح الحقيقي للفرد ينتج عن اعتماده على ذاته، وتطويرها لصناعة مستقبله ومشروعه، ومعظم نماذج النجاح الحقيقية قد نتجت عن فهم عميق لدى الفرد لمشروعه، وامتلاكه رؤية حقيقية شاملة لخطة عمل شاملة للوصول إلى الغايات والأهداف المنشودة فيه، وما يتم الحديث عنه عن نجاح لهذا الشخص المدعوم من هذه الجهة أو تلك إنما هو صنيعة ظرف سياسي ومرحلة زمنية ما تلبث إلا وتزول بزوال عواملها وظروفها وشخصياتها، لكونها حالة نجاح مصطنعة لا يمكن التعويل عليها بالفعل بعكس حالة النجاح التي شقت طريقها من وسط المجتمع وبالاعتماد عليه وانطلقت لتلبية حاجاته ورؤاه.

إن دعوتي اليوم للشباب العرب أن يقوموا بقراءة عميقة وموضوعية لواقعهم، وأن يدرسوا خياراتهم بعمق ومسؤولية، وأن يحددوا بوصلتهم نحو تحقيق نجاح فردي يعتمدون بالأساس فيه على أنفسهم، وأن يتخلوا عن لوم المجتمع وتحميل الأطراف اليمنى واليسرى فيه مسؤولية فشل هنا وهناك، فمبادرة إيجابية واحدة يمكن لها أن تحقق رفعة معنوية للمجتمع الذي تولد فيه، فكيف بها لو تعاضدت وتكاتفت، وكيف بها لو تكررت من مجتمع لآخر، فثمّ النجاح والتميز الفعلي.

إن انتظار التيارات السياسية لتحقيق نجاحات معينة أو انتظار الدعم منها أو تأييدها فكرة أو مشروع ما لا يعطي هذا المشروع أي ميزة نسبية ولا يمنحه الحق في الحياة على حساب المشروعات الأخرى، فلماذا تقيد نفسك بالسلاسل الإدارية التي لا تفيدك ولا تنفعك؟ الأجدى بك أيها الشاب العربي المعروف بالقدرة والمبادرة والمبادأة أن تنطلق في مشروعك مهما كان صغيرا لأنه بك سيكبر، وبتحملك للمسؤولية الفردية ستنمو ويزدهر.

ومن هنا، وقياسا على الواقع الاقتصادي يمكن الحديث عن الواقع الثقافي المثقل بالهموم، وعن المجال المعرفي الأكاديمي المقيد بأغلال السياسة، وعن الفن كحالة مجتمعية توأد على مقصلة السياسة، ويضيع الإبداع فيه إذا ما تم خنقه بالحبال الغليظة للتوجهات السياسية، وفي واقع يموت فيه الفن والأدب، ويُستهزأ فيه بالعلم والمتخصصين الأكاديميين، وتلفح نار السياسة وجه مؤسسات المجتمع المدني والإعلام، فتمنع وتسمح كما تحب وتشتهي فقد آن الأوان أن نطلق صرخة للمبدعين ليتقدموا الصفوف بعيدا عن التجاذبات السياسية التي لم تنفع المجتمعات قديما ولا واقعا، وأن تكون لكل مبدع بصمته في واقعه بما يجيده ويحسنه، ليتقدم صفوف العطاء بكل مسؤولية، وليكون في صدارة المشهد الذي يستحق صدارته بكل جدارة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.