شعار قسم مدونات

محطة التغيير..

الناس واثقون بشكل غير عقلاني من قدرتهم على التغيير، ويعتقدون أن بإمكانهم التغيير أكثر مما هو ممكن، ما يقودهم إلى وضع أهداف غير واقعية لأنفسهمالناس واثقون بشكل غير عقلاني من قدرتهم على التغيير، ويعتقدون أن بإمكانهم التغيير أكثر مما هو ممكن، ما يقودهم إلى وضع أهداف غير واقعية لأنفسهم
أعطينا كثيرا ونسينا أنفسنا حتى أصبحنا بوجوه متعبة وجفون اسودت من التفكير، امتصوا قوتنا وإيجابيتنا حتى صرنا أشد ضعفا وكآبة (مواقع التواصل الاجتماعي)

أصبحنا نعيش في زمن يتآكل بالأنانية التي أثقلت كواهلنا وجعلتنا ننجرف وراء تيار السلبية، حتى صارت أمنياتنا ممزوجة بمرارة الألم، لأننا رمينا بأنفسنا دفعة واحدة دون أن نفهم قوانين الجاذبيّة أو نتعلم السباحة في فضاء الحياة أو نأخذ حذرنا من مصاصي الطاقة الذين يستنزفون طاقتنا ويأخذون منها ما بحاجة إليه، ويتشبعون حتى من أفكارنا.

أعطينا كثيرا ونسينا أنفسنا حتى أصبحنا بوجوه متعبة وجفون اسودت من التفكير، امتصوا قوتنا وإيجابيتنا حتى صرنا أشد ضعفا وكآبة، حملنا أنفسنا ما لا طاقة لنا به من أجل إرضائهم وعدم خسارتهم، حتى أصبحنا مجبرين على تصديق أقاويلهم حول الحياة، ورغم ذلك اتهمونا بالبخل، فانصدمنا حتى جمدنا في مكاننا جمود الصنم في هيكله وصبرنا على تحملهم لأننا كنا كاذبين في آمالنا، لعلهم يتغيرون ولكن الساعة تمضي ولم نجد من سيماهم تغييرا.

أحيانا يتحجر تفكيرك عندما ترى أن الذين وعدوك بأن يسهروا على سعادتك ويحرسوها كما تحرس الملائكة سعادة البشر هم أنفسهم الذين كسرو إيجابيتك في الحياة

أصبحنا نتقابل معهم كل لحظة، حتى في غيابهم نتحسر على ظلمهم لنا ولكن لا نتقابل مع أنفسنا إلا نادرًا، حبسنا روحنا ظلما، حتى خيوط الشمس كفت عن التسلل من زجاج نافذتنا، وإذا تأملنا في القمر نرى فتاتاً من الزمان وشوقاً إلى تلك الروح التي أهملناها.

أصبحت كلمات تتدفق من أفواهنا بنغمة تخالطها رعدة الخائف أو رنة المحزون، تريد إذابة شكوك الألم، وها نحن الآن نتمنى أن ننام نوماً هادئا لذيذاً نحلم فيه أحلاما ما رأينا مثلها بعد ليالي طفولتنا الجميلة، سمحنا لأحلامنا بأن تسقط لنعيش آلامنا معهم حتى صرنا كالمجانين نفتش عن شيء وما نحن نفتش إلا عن أنفسنا التي فقدناها في أروقة الروح ولا نزال ننشدها، ونقلب صفحات الكتب ولا نقرأ منها شيئا فتأخذنا خشخشة أوراقها بعيدا في التفكير.

أحيانا يتحجر تفكيرك عندما ترى أن الذين وعدوك بأن يسهروا على سعادتك ويحرسوها كما تحرس الملائكة سعادة البشر هم أنفسهم الذين كسرو إيجابيتك في الحياة، يتظاهرون أنهم يصغون إليك ويسمعون إلى شكاتك وهم في الحقيقة يبنون من ورائك أفكارا لا تخطر في مخيلتك، يجعلونك تشعر بأنك إنسان لا يجلب لنفسه خيرا ولا يدفع عنها ضرا ولا شأن له بين الناس، لا يخافون أن يأخذهم الله بذنبك يوم يأخذ الناس بذنوبهم ويسألهم عن تلك النفس الطيبة الطاهرة التي قتلوها وفجعوها في جميع فضائلها ومواهبها.

أصبحنا نرى أجمل الساعات عندنا تلك التي نخلو فيها بأنفسنا فنناجيها بهمومنا ونتأسف لها لإهمالنا لها، فنذرف من الكلمات التي نبرد بها تلك الغلة التي تعتلج في صدورنا المغطّاةِ بقشور الدّلب والصّبار المتناثرة فوق أرواحنا.

تغيرنا حتى أصبحنا نرى أن هذه الحياة لا تستحق كل ذلك العناء

أحيانا نتساءل عن أحوال العصور هل كنا هكذا منذ قرون، أين نحن من هذا العالم الذي تمزق غشاء النية فيه وكثرت الأنانية في بقاعه، فلا خير في حياة يحياها المرء بقلب متسخ بمشتقات سموم الحياة، ولأننا تعلمنا من تمثيلهم وفنون إخراجهم لم نعد كما كنا، تعالينا الآن وترفعنا عن بكتيريا عقولهم وغسلنا ملامحنا التي كانت تسيل بتجاعيد الهموم، تعلمنا أن نبرهن جدارتنا ونرسم قوتنا بخط لا يرتجف ونخطو خطواتنا بحذاء الثقة، وأن نكشر أنيابنا في كل هم، حتى أصبحت الهموم تهابنا.

تغيرنا فتغيرت نظرتنا عن الحياة، كنا نرى الأشجار كأنها أشباح متحركة والابتسامة حركة متعبة والدنيا موحشة مقفرة لا تسمع فيها حساً ولا حركة، يخِيل إليك أنك تعيش في صحراء منقطعة عن العالم لا يمر بها طير ولا يجري فيها نهر، وأنك تهيم فيها وحدك تطلب الصدق والإخلاص منها فلا تعرف السبيل إليهما.

تغيرنا حتى أصبحنا نرى أن هذه الحياة لا تستحق كل ذلك العناء، فمن السهل أن نمسك ريشة وألوانا لنشرع في تلوين حياتنا غصباً عنا وأن نتجاهل ونستصغر كل من أهدانا خذلانا، ولكن ينقصنا العزم والقرار الصارم للتغيير وعدم الرضى بالعيش تحت سموم الحياة.

أخبرتنا الحياة أنه عندما تطعن في مواطن الثقة ستتغير، لأن معايشتك الخذلان ستعطيك قوة لتبني نفسك من الشتات وتنسحب من لعبة الأشقياء، فيا صديقي إن كنت شارد الذهن ملتويا في عالم التساؤلات، اقلع جذورك المستوطنة في ذلك الحيز الأسود وحرر نفسك، فكل من استغلوا بياض النية هم المصدر الأساسي لنجاحك ولكنهم غافلون، وإن أردت أن تنزل بعقلك نازلة من نوازل الجنون استمر في ملاحقتهم، إذاً اترك الماضي تائهاً في دهاليز النسيان واحجز تذكرتك في محطة التغيير فليس لديك الوقت لتتحسر على أصحاب العقول الفارغة والقلوب الأنانية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.