شعار قسم مدونات

ما سبب الذي حصل في تونس؟

الرئيس التونسي قيس سعيد
الرئيس التونسي قيس سعيد (الجزيرة)

 

باختصار، ما حصل في تونس هو كالتالي، عندما يزيد سقف توقعات المواطن العربي من التحول الديمقراطي، هذا المواطن الذي أنهكه الاستبداد والفساد والفقر عندما يزيد سقف توقعاته من ثورته فإنه بالضرورة يقع في الفخ الذي ينصبه له خدام الظلام للانقضاض على ثورته وتحوله الديمقراطي، هذا ما حصل في تونس بكل بساطة.

 

نحن لاحظنا أن الشعوب العربية التي نبت في أوطانها الربيع العربي أنها كانت تتوقع أن التغيير سيجعلها بين ليلة وضحاها تعيش في رغد وبحبوحة من العيش وتنتهي الديون الخارجية ويتحسن اقتصادها، كان ذلك خطأ قاتلا للأسف، لا يعني التحول للديمقراطية أن ينعكس هذا فورا على الاقتصاد وعلى جيب المواطن بالتحديد.

الغريب أن المواطن العربي يربط كل شيء بلقمة عيشه، فهذه تربية ترباها العرب على أيدي أنظمتهم المستبدة على مدار عقود، لذلك نجد هذه الشعوب سرعان ما تنقلب وتصبح لقمة سائغة في أيدي خدام الظلام إن لم يتحسن دخلها ويرتفع مستوى معيشتها فورا فيستخدمونها أداة للانقضاض على ثورتها وتحولها الديمقراطي، وتبدأ الشعوب بالندم على ما فعلته من ثورة، غريب جدا هذا أيها الشعوب المقهورة، غريب صراحة، هل كان المواطن العربي أيام الاستبداد شبعان؟ وهل كان جيبه عامرا؟ وهل كان مستواه المعيشي جيدا؟ هذا علاوة على قمعه وكبته وكتم أنفاسه، الجواب: لا طبعا، كنتم أيها الشعوب جوعى ومقهورين فوق ذلك.

 

هذا ما حدث في تونس بالضبط، وقبل كل شيء يجب أن نسأل السؤال التالي: ماذا لو فعل الغنوشي أيام حكمه ما فعله قيس سعيد؟ كيف سيكون رد فعل الشعب التونسي الذي يساق أغلبه كما يبدو من خدام الظلال والظلام؟ أترك لمخيلتكم حرية التخيل، لكن ما يهمنا في هذه اللحظة هو أن الشعب التونسي الغلبان الذي يساق صباح اليوم كالإبل أمام خدام الظلام بات وكأنه يطالب بالرجوع إلى عهد الاستبداد، لأن خدام الظلام زينوا له أن الديمقراطية لن تجلب له رغد العيش ولم تصنع منه شعبا شبعان وجيبه عمران كما كان يتوقع، وهل وفر لك الاستبداد ذلك من قبل أيها الشعب الغلبان؟

المشكلة الكبرى أن هناك تجربة مصرية فاشلة بكل المقاييس لم يتعلم منها التونسيون بالمرة، لم يصبروا على التحول الديمقراطي، وليتهم لم يصبروا مثلا على الحصول على المزيد من الحريات، هم لم يصبروا على بطونهم وجيوبهم، هذه شعوب صراحة لن تنال شيئا بالمرة، علاوة على أنها ستنال الاستبداد مرة أخرى في النهاية كما بات واضحا للأسف.

 

يا أيها الشعب التونسي الغلبان المخيب للآمال، الثورة الفرنسية مثلا استمر الشد العكسي معها 200 عام حتى هدأت وأصبحت فرنسا كما نراها اليوم، رغم أنني لا أعتبر فرنسا مثالا يجب أن يحتذى به، لكن هذا هو ديدن الثورات في الحقيقة، يجب أن نصبر عليها، الثورات أصلا تقوم بعد عقود من الظلم والهدم والتبعية والتخلف والفقر والقهر، لا يمكن التخلص من إرث الاستبداد الذي دام لعقود بهذه السرعة، فقد تتخلص من الظلم والظلمة والفساد والفاسدين والمتسلقين، لكن هذا لا يعني أن نبدأ بجني ثمار وفيرة منذ اليوم الثاني للثورة، وهذه هي نقطة الضعف التي يستغلها خدام الظلام للانقضاض على الثورة والتغيير كما حصل في مصر وكما يحصل الآن في تونس، أرجو أن يحمي الله تونس وثورتها وديمقراطيتها الوليدة وشعبها الغلبان الذي أثبت لنا أنه بسيط حد الاستغلال كما جاره المصري حين ضحى الرئيس مرسي بنفسه في سبيل شعب بسيط تخلى عنه.

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.