شعار قسم مدونات

إيران وأميركا.. بين التنافر والتقاء المصالح

بعد انتخاب رئيسي (وسط) ربما يتغير مسار المفاوضات الذي كان يتميز به سلفه الإصلاحي (الفرنسية)

 

تشهد حاليا الساحة الدولية نفورًا بين الولايات المتحدة وإيران نتيجة بعض الخلافات في الملف النووي الإيراني والمناوشات بين وكلاء إيران في كل من العراق وسوريا، واستهداف كلا الطرفين بعضهما البعض، في ظل وضع التأزم بين إيران وأميركا.

وترجع بداية الخلاف، وفي الوقت نفسه التقارب الواضح بين البلدين- إلى وقت أزمة حكومة مصدق والإطاحة بالشاه ظنا من أميركا بأنه ربما يكون مخططا من الاتحاد السوفياتي لضم إيران للمعسكر الشيوعي، في ظل احتدام الصراع بين البلدين في ما تسمى الحرب الباردة، ولعبت الوكالة المركزية دورا مهما في الإطاحة بمصدق من خلال خروج مظاهرات مدعومة أميركيا  لإضفاء صفة الشرعية للمساهمة في الإطاحة بحكومة مصدق، وبالفعل نجحت تلك المكيدة في الإطاحة بالحكومة الوطنية ورجوع الشاه لإيران، واستمرت العلاقة الودية والتقارب بين إيران وأميركا.

الثورة الإيرانية وغموض العلاقة

حتى قيام ما تسمى الثورة الإسلامية التي كانت أولويات مطالبها إسقاط النظام البهلوي الفاسد حليف أميركا، نجحت الثورة وعاد الخميني ليصبح مرشد الثورة، وبدأت مرحلة الخلافات، وتم احتجاز رهائن بالسفارة الأميركية، وفشلت عدة محاولات لتحريرهم، وكانت سببا في خسارة كارتر، وهناك من يقول إن ذلك تم بين بكين وطهران للإطاحة بكارتر في الانتخابات الأميركية.

وتظل تلك الحجة فرضية وليست مؤكدة، خاصة بعد صفقة الأسلحة التي تم اكتشافها بين إيران وأميركا إبان الحرب الأولى مع العراق، مما يرجح احتمالية هذه الفرضية.

تخرج إيران منهكة للغاية من أطول حرب في القرن العشرين مع العراق، واحتضانها المعارضة العراقية، وتمر مرحلة التسعينيات على الإيرانيين مستقرة إلى حد ما بينهم وبين الولايات المتحدة، وتحاول إيران التقارب مع الخليج لمحاولة إنعاش اقتصادها، خاصة بعد حرب الخليج الثانية.

استقرار والتقاء مصالح

ومع وصول حركة طالبان للسلطة في منتصف التسعينيات والدخول في الألفية الجديدة وأحداث "11 سبتمبر"؛ بدأت المصالح تلتقي، خاصة مع بداية اجتياح القوات الأميركية أفغانستان للإطاحة بحركة طالبان السنية المتشددة المرتبطة بالقاعدة والمتهمة بدعمها وإيوائها التنظيم والجارة المقلقة لإيران، ويتجلى ذلك في دعم إيران للولايات المتحدة في حربها بأفغانستان ومداواة مصابيها، واستخدام الأراضي الإيرانية لإرسال المواد والدعم للقوات الأميركية.

وتلتقي المصالح مرة أخرى في شن الحرب على العراق، ولم لا تدعم إيران الولايات المتحدة في تلك الخطوة أيضا؛ فهي تقوم لها بعمل يخدمها بطريقة غير مباشرة، فالعراق به أكثر المجاهرين لها بالعداوة، ومن قاتل ضدها 8 سنوات، وأتعبها على مدار تلك السنوات، لتستخدم أراضيها قاعدة لضرب العراق، ويقترح جواد ظريف على زلماي خليل زاد وقتها أن ترجع المعارضة العراقية إلى العراق، وتمكنهم أميركا من مقاليد السلطة، ليتم لإيران ذلك، ثم ترجع الخلافات مجددا بينهما في الملف النووي الإيراني إبان عهد رئاسة أحمدي نجاد، ولكن على درجة خفيفة من حدة الصراع.

لتمر تلك العلاقة في عهد باراك أوباما بمحاولة التقارب من خلال الملف النووي الإيراني، ويتغير المشهد المألوف الذي كان يرى من قبل الساحة الدولية بأنه علاقة صراع في معظم الأوقات، وتمر العلاقة بتقلبات متقاربة بها درجة أقل من الخلاف المألوف، ويتم الاتفاق في 2015 على الملف النووي الإيراني، ولكن لا تعلم إيران أن تلك الخطوة هي بداية الصراع الأقوى، ربما مع انتهاء ولاية أوباما.

توتر من جديد

صعود الحزب الجمهوري بقيادة دونالد ترامب إلى سدة الحكم في أميركا بدأت معه فصول الخلاف، خصوصا تقارب ترامب وتأييده الصريح لدولة الاحتلال إسرائيل الرافضة كل الرفض لبرنامج إيران النووي، وشعور إسرائيل بأن هناك من يزاحمها في مقعد الهيمنة في الشرق الأوسط، وتبدأ المناوشات بين أميركا وإسرائيل من جهة وإيران من جهة أخرى، من خلال استهداف العلماء الإيرانيين وبعض الموالين لإيران بالعراق وسوريا من قبل إسرائيل وأميركا، حتى تصل ذروتها عند استهداف قائد الحرس الثوري قاسم سليماني، وتوعد كل المتورطين في تلك العملية حتى في مياه الخليج والبحر المتوسط، وتحدث مناوشات بين إيران وإسرائيل.

كل تلك الاضطرابات تلخص وتختزل في مشهد مفاوضات فيينا في الملف الإيراني بين إيران أميركا التي تضع شروطا لوقف العقوبات الأميركية على إيران وإتمام العملية، حيق تقوم إيران بزيادة تخصيب اليورانيوم تارة وتخفضه تارة أخرى، في محاولة منها لإنهاء محاولات الاستفزاز الأميركي الإسرائيلي في نظرها.

إيران وفوز المحافظين

وبعد انتخاب إبراهيم رئيسي خلفا لحسن روحاني ربما يتغير مسار المفاوضات الذي كان يتميز به سلفه الإصلاحي مع صعود التيار المحافظ للسلطة المقرب من المرشد الأعلى، وربما تصبح المفاوضات محفوفة ببعض الصعوبات، وهذا ربما يتضح من تصريحات الرئيس المنتهية ولايته روحاني على ضياع فرصة كانت سانحة في مارس/آذار الماضي لإتمام الاتفاق النووي، وربما ذلك التصريح يوضح أن ذلك كان سيحسب للإصلاحيين من إنجازات، ولكن روحاني يطمئن بأنه لا فرق بين حكومته والحكومة الجديدة في استمرار عملية التفاوض.

وعلى الجانب الآخر، تصرح الولايات المتحدة بأنها مستعدة لجولة سابعة، رغم أنها غير راضية على سياسات إيران في المنطقة، ولكن المصلحة تقتضي ذلك وتوصي بضرورة الإسراع في استئناف المفاوضات، بينما تصرح طهران بأنه لا يمكن استئناف المفاوضات قبل تولي الرئيس الجديد مهامه.

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.