شعار قسم مدونات

تحديات السينما المحلية.. الحالة الجزائرية

صور التقطتها سابقا في احدى المعارض السنيمائية وهي صور للفنان حسن الحساني ملك الكوميديا الجزائرية الذي تقمص خلال مسيرته الفنية عدة أدوار كوميديا.
صور للفنان حسن الحساني ملك الكوميديا الجزائرية الذي تقمص خلال مسيرته الفنية عدة أدوار كوميديا (الجزيرة)

 

يكاد يجمع كل فناني ومخرجي السينما الجزائرية على أن السينما في الجزائر تحتضر وقد تموت إن لم يتم إنقاذها. بتشاؤم مفرط تقول الممثلة "زينب عراس" في مقابلة مع جريدة "الشروق العربي" إن "زمن السينما قد ولّى واليوم ماتت، مع أن هناك بعض المحاولات لإعادة إرجاعها، وجعلها تتجاوب مع وقتنا الحالي، إلا أن أعمالا مثل "أبناء نوفمبر" و"عطلة المفتش الطاهر" لن تعاد أبدا".

كما قال المخرج الجزائري "سيد علي مازيف" أثناء استضافته في نادي السينما في الجزائر إن "السينما الجزائرية تحتضر أو أظن أنها ماتت"، يعود هذا إلى تقلص عدد قاعات العرض وصعوبة إيجاد التمويل لإنتاج الأفلام.

 

تعايش السينما العالمية برمتها تحديات كثيرة أهمها هيمنة الأفلام الأميركية على قاعات السينما العالمية، فبعد موجة العولمة الشرسة التي حدثت في أواخر القرن الماضي أصبح للعالم ثقافة مشتركة متكونة أساسا من الثقافة الأمريكية.

أما في القرن الـ21 فقد زادت تحديات السينما المحلية، فبعد بروز طرق جديدة للترفيه البصري، كاليوتيوب ونتفليكس وأمازون برايم، أصبح للمشاهد العالمي اختيارات عدة تغنيه عن الذهاب لقاعات السينما لمشاهدة الأفلام المحلية.

ما زالت للسينما المحلية خصائص عديدة تميزها عن الأفلام الأميركية ذات الإنتاج الضخم، فالسينما في عمقها ليست صناعة في مجال الترفيه فحسب، بل هي مثلها مثل أي فن، تسلط الضوء على ما يعيشه المجتمع، وما يتطلع إليه.

السينما تصنع روايات وبطولات يتعلق بها المشاهد، تتشكل في وعيه وتصنع مستقبله، إذ من الضروري صنع أفلام من روايات المجتمع نفسه، تحمل قيمه وتطلعاته، فهو يتعلق بشكل أعمق بالروايات النابعة من واقعه، والتي تحاكي مشاكل المجتمع الذي يعيش فيه.

 

ليست الجزائر الدولة الوحيدة المعنية بالتحديات الجديدة للسينما المحلية، ولكن للجزائر خصائص أخرى تجعل من حالة السينما فيها أكثر صعوبة. بعد الاستقلال ونظرا لعوامل سياسية واجتماعية عديدة انتهجت الدولة الحديثة سياسة الاشتراكية لإدارة شؤون البلاد.

كانت الحكومة هي الممول والداعم الرئيسي لأغلب الإنتاجات السينمائية المحلية منذ الاستقلال، وفي العقود الأولى بعد الاستقلال وخاصة في فترة رئاسة "هواري بومدين" كان هناك زخم عام من ناحية الإنتاج السينمائي والاهتمام الشعبي بالسينما.

عرف عن الرئيس بومدين اهتمامه بالمرئيات الثقافية عموما وبالسينما بشكل خاص، حينها كانت الأيديولوجية المحفز الرئيسي لكل منتوج جزائري، في المجال الصناعي أو الزراعي أو حتى الإبداعي، وصنعت رئاسة "بومدين" جوا عاما في كل المجالات مليء بالشعور الوطني نظرا لحداثة الاستقلال، وما سمي حينها "تكملة المسار الثوري"، حيث كوَّن ذلك الجو العام هوية السينما الجزائرية حينها.

يحتاج أي إنتاج إبداعي كالسينما إلى محفز ما، قد يكون أيديولوجيا، أو وطنيا مثلما كان حال الجزائر سابقا. أو قد يكون الحافز ماديا مثلما هو الحال في الأنظمة الرأسمالية.

فهم النظام الاقتصادي لأي دولة يوضح المشاكل التي تعيشها البلاد في جميع المجالات، ومن ضمنها السينما، ويعتبر النظام الاقتصادي في الجزائر نظاما هجينا إن لم نقل مشوها، أساسه اشتراكي، حيث تدعم الدولة أمورا مثل الصحة والتعليم والسكن وحتى الإنتاج السينمائي. وفوق أساسه الاشتراكي هناك طبقات، وطبقات من البيروقراطية والمحسوبية والفساد المالي.

يحصر هذا النظام الفوضوي الأعمال الإبداعية، ويجعلها رهينة لأجندات معينة ودوائر فساد. في السنوات الماضية، لم تعرض العديد من الأفلام الجزائرية في التواريخ الذي كان مقررا لها أن تعرض فيه، والكثير منها كان عرضة للفساد.

 

سنة 2018 كان يُسوَّق لفيلم "أحمد باي" كأكبر فيلم جزائري سيعرض في العقد الأخير. قدمت نسخة الفيلم النهائية للمركز الجزائري لتطوير السينما في يناير/كانون الثاني سنة 2020، وبعد حوالي 4 أشهر من ذلك التاريخ، أودعت منتجة الفيلم وهي من الكوادر السابقة بوزارة الثقافة "سميرة حاج جيلاني" الحبس بتهمة تبييض الأموال، وتبديد المال العام عبر فيلم "أحمد باي". يلخص هذا المثال حال السينما الجزائرية اليوم.

عرضت أفلام أخرى في السنوات الماضية مثل فيلم "لطفي" برعاية وزارة المجاهدين، وفيلم "بن باديس" برعاية وزارة الثقافة. هذه الرعاية الحكومية هي جزء من المشكل، فهي تجعل للإنتاج السينمائي في الجزائر مسارا وحيدا للتمويل، وهو التمويل الحكومي.

ينعدم التمويل الخاص بشكل شبه كلي في السينما الجزائرية، وذلك نظرا لعدم وجود أرباح في هذا المجال. يُعرض الفيلم عرضه الأول في قاعات السينما قليلة العدد، في مدن مثل الجزائر العاصمة أو وهران أو عنابة أو قسنطينة، ويُرجع بعد ذلك إلى رفوف الأرشيف.

حاول بعض المخرجين المخضرمين العودة بالسينما الجزائرية إلى واجهة المهرجانات. فاز فيلم "نورمال" للمخرج "مرزاق علواش" بجائزة أفضل فيلم روائي عربي في مهرجان الدوحة-ترايبكا السينمائي في دورته الثالثة العام 2011، يتناول الفيلم جانبا من الثورات العربية، وقد أهدى علواش الجائزة يومها للثورة السورية.

 

الطبيعة ترفض الفراغ، وهذا الفراغ الذي تَشكَّل في الساحة المحلية الجزائرية ملأته خلال العقود الأخيرة، أفلام تتبنى حكايات جزائرية، وتنتج في أوروبا وفي فرنسا على وجه الخصوص، أفلام تحاول "معالجة" قضايا المجتمع الجزائري بمنظور غربي، جمهورها هو المشاهد الغربي بشكل عام، ومهرجانات الأفلام في أوروبا بشكل خاص.

من أهم الأفلام التي عرضت من هذا النوع في السنوات الأخيرة فيلم "بابيشة" عام 2019 للمخرجة "مونية مدور"، وهي فرنسية من أصل جزائري. يُحاكي الفيلم قصة مصممة أزياء أثناء العشرية السوداء في الجزائر، وفيه تبسيط مبالغ فيه لتفاصيل الحرب الأهلية، حيث يبين الفيلم أن ضحايا الإرهاب هم فقط من لم يتبعوا الشعائر الدينية، كالصلاة أو الحجاب مثلا. هذا التبسيط مقصود، وقد عودتنا أغلب الأفلام الجزائرية الآتية من فرنسا على مهاجمة كل ما يحسب على الحضارة العربية والإسلامية في الجزائر.

 

كما حاول بعض المخرجين الفرنسيين من أصول جزائرية المشاركة بأعمالهم التي يتناولون فيها قصصا جزائرية في مهرجانات إسرائيلية، كما حدث مع مخرج فيلم "الوهراني" الجزائري الفرنسي "إلياس سالم" الذي اضطر إلى إعلان انسحابه من مهرجان إسدود الإسرائيلي العام 2015، بعد رفض وزارة الثقافة الجزائرية التي مولت جزءا من الفيلم، مشاركته في المهرجان.

بين المطرقة والسندان تعيش السينما الجزائرية حاليا، مطرقة الأفلام التي تتبنى منظورا غربيا لكل ما هو جزائري، وسندان الفساد المتوغل في كل المجالات، والذي أثر على الإبداع والثقافة، ونخر المنظومة السينمائية في الجزائر، فلم يسمح للطاقات الإبداعية الموجودة في البلاد من صناعة أفلام تناطح النظرة الغربية للمرويات الجزائرية.

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.