شعار قسم مدونات

الديمقراطيات الزائفة وخداع الشعوب

(مواقع التواصل الإجتماعي)

 

تتغنى بعض الدول العربية بسياساتها التي بنيت على الديمقراطية والعدالة، ولا تخجل من نفسها ولا من شعوبها حين تتبجح بأنها دولة يحكمها الدستور القائم على مبادئ العدل والمساواة، ولا تكاد تهدأ أبواقها الإعلامية والسياسية من ضجيج التفاخر بمواد الدستور العادل والمنصف لكافة فئات الشعب، مستشهدين بآيات القرآن الكريم وهدي السنة النبوية الشريفة وغيرها، فتارة نرى الخشوع في محياهم وهم يتلون قوله تعالى:

وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل،

وتارة ينتابهم الوقار عند ذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم:

إن المقسطين عند الله على منابر من نور: الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما وَلُوا،

وتارة أخرى ترتفع رقابهم فخراً بعمر بن الخطاب وتصدح حناجرهم بالقول المنسوب اليه:

متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً،

فلا يخجلون من الله ورسوله ولا من عمر، ولا من شعوبهم ولا حتى من أنفسهم، لأنهم يعلمون علم اليقين أن ما يتفوهون به ويروجون له ما هو إلا أوهام وسراب، وأن مواد الدستور التي ترسخ للعدل والمساواة ما هي إلا سطور مكتوبة في كتيبات لا نرى منها على أرض الواقع شيئا، وهم من دواخلهم يعرفون حجم الظلم والاضطهاد التي تعيشه البلدان العربية، لكن مصالحهم الشخصية تتطلب تضليل الناس وتزييف الحقائق، لا بل إن الكثير منهم منهجه في الحياة:

أنا ومن بعدي الطوفان.

 

كان الله في عون شعوب أمتنا العربية، فقدرهم أن يصبح العالم قرية صغيرة بفعل التكنولوجيا، حتى تصبح ديمقراطيات العالم الحقيقية على مرأى ومسمع كل طفل بدأ يحلم بوطن يرسم به أحلامه، وشاب يتوق لعدالةٍ تحقق له طموحاته، ومسّن سبعيني يتمنى كرامةً قبل وفاته، وسجين ينتظر حريته بعد أن سُجن ظلماً نظير كلماته، كان الله في عوننا حين نرى المواطن في الدول الغربية ونقارن حاله بحالنا، لنندب حظنا ونصمت رغماً عنا، لأن الكلام في أوطاننا خيانة إلا إذا كان تمجيداً وتهليلاً بالسلطان وعدالته، والتعبير عن رأيك في بلداننا جريمة نكراء إلا إذا كان التعبير لا عن رأيك بل رأيهم، كان الله في عوننا لأننا في صراع نفسي يصيبنا بالجنون، يكبل الأيدي والأفكار والعقول، يكبل حتى الأحلام ويقتلها قبل أن تولد لنصحو على واقع مرير يلتف حول رقابنا كأنه ثعبان عظيم، فلا هو يقتلنا فنرتاح ولا يتركنا لنرتاح، فالظلم أقسى من الجوع والفقر، والقهر أشد ألماً من كافة الأمراض، سحقاً لكم أيها الظُلّام، تجلدوننا كل يوم ألف مرة ولا يعجبكم صراخنا من الألم، تباً لكم فلا أنتم انصعتم لأمر ربكم ورسوله بالعدل، ولا أنتم تعلّمتم من أسيادكم في الغرب..!!

 

ما هكذا تُبنى الدول، ولا هكذا يُحكم الناس والبشر، وإن كان لا بد من ظلمكم لنا فلا داعي للاستخفاف بنا وبعقولنا، نبشركم مهما علت أبواقكم المأجورة بالتغني بعدالتكم وديمقراطيتكم نحن نعلم الحقيقة، ونعرف جيداً أنكم أساتذة في فن الدكتاتورية تحملون درجة بروفسور في علم اضطهاد وظلم الشعوب، وسيرتكم الذاتية وإن كانت منمقة مزخرفة في ظاهرها، فإن باطنها فيه من الوضاعة والحقارة ما يلوث مياه المحيط الاطلسي، وسطور خطاباتكم وإن كانت حروفها تقطر إنسانيةً وتسامحا، فإن ما بين تلك السطور أسود كقلوبكم، وحبرها ما هو إلا قطران قذر منبعه ضمائركم النتنة، وصوركم المعدلة من أجل أن تظهر جبينكم وضّاءً منيراً ما هي إلا أقنعة الحملان على وجوه الضباع، فتأكدوا بأنكم لن تخدعونا بزيفكم المزعوم، فنحن نعرفكم أكثر مما تعرفون أنفسكم، ونلعن ظلمكم وجوركم في كل وقت، في جلسة الغداء بظل زيتونة وقت القطاف، أو أهازيج الرجال والمناجل في موسم الحصاد، في سهرة لعاشق لم يحظ بمن يحب، أو في سمرة تعلو جبين جندي يحمل السلاح على الحدود، وفي دعائنا بصلاتنا وقت السجود، وفي ترانيم الكنائس العتيقة، حتى في أحلام نومنا نلعنكم، لا بل في كل أنفاسنا نلعنكم، فشهيقنا لعنة وزفيرنا لعنة، تحل عليكم في حياتكم، وتطال بعد موتكم رفاتكم.

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.