شعار قسم مدونات

تجربتي مع مرض السرطان.. (1)

اكتشاف نقطة ضعف الخلايا السرطانية.. هل أصبح العلاج قريباً
اكتشاف نقطة ضعف الخلايا السرطانية.. هل أصبح العلاج قريباً (دويتشه فيلله)

 

تعيش النفس الإنسانية في معتركات الحياة في عزلة فكرية نفسية وأخرى اجتماعية، في محاولات كثيرة بين النجاح والفشل؛ لتتقوى على التحديات والمصاعب التي تواجهها فكريا ونفسيا واجتماعيا، أو في صراع مع تحديات الحياة، مُستنزفة طاقتها الداخلية على المستوى الفكري والنفسي أو طاقتها الخارجية على المستوى السلوكي والاجتماعي، أو في استسلام لكلّ ما يحصل مُبَدِّدة ذاتها في ظلام لتسير على خطى الغير دون وعي -مع السيل في النهر، غير مُدركة أنَّ السمك الميِّت هو فقط الذي يسير مع جريان النهر- غير مدركة حجم الخسائر على جميع المناحي وفي كلّ المجالات.

إنّ التغيير الذي تستهدفه هذه المقالة هو التغيير لأجل السلامة (الطمأنينة) والصحة (العافية) التي تطمح كلّ نفس إنسانية إليها، فتكون قادرة على أداء دورها المطلوب من ناحية، وهي مُدركة عمق الفهم الذي ستعيشه برضا واستسلام، وذلك من خلال الوعي الحقيقي الممنهج، الذي يحقق التغيير الواعي الشامل لمناحي النفس الإنسانية، ويهدف لحفظ المقاصد الحقيقية من خلقها، من خلال فهمها منهج الله تعالى المتمثل بالقرآن الكريم والسنة الشريفة، فتتمكن من أداء دورها المطلوب. وجسم الإنسان إحدى هذه المناحي التي لا بدّ من الوعي بها. سأتطرق في هذا المقال لمجال الصحة من منظور واعٍ بعلم وفهم.

الصحة تتحقّق من خلال معاني التوازن في مناحي النفس الإنسانية بصورة مُتكاملة: الفكريّة، والنفسيّة، والروحيّة، والجسديّة، والتي تتشكل من خلالها سلوكيات الإنسان وأخلاقه، من خلال الاكتساب والاحتكاك بمختلف شؤُون الحياة، وأيضا لما وصلت إليه بالفطرة السليمة. وأيّ مرض هو عبارة عن رسالة من الله تعالى من خلال الجسم لوجود خلل ما في هذا التوزان، فتظهر الأعراض واضحة للإنسان، ولكن قد تكون المسببات غير واضحة. والتشافي الحقيقي الذي يحقق التوزان السليم يحتاج إلى معرفة سبب الخلل -المرض- وفهمه وليس الأعراض، فالأعرض ما هي إلا علامة على وجود الخلل وليست السبب لهذا الخلل، ومن ثمّ تظهر قدرة الجسم الفطرية الربانية على التخلص من المرض من خلال علاج المسببات، وليس الأعراض، للعودة إلى توزان الجسم عند الإنسان.

عن تجربتي الشخصية أتحدث إليكم، عن معاناتي مع مرض السرطان الذي قادني إلى الوعي نحو التغيير، إذ نقلني نقلة نوعية في كلّ المناحي الإنسانية وعلى جميع المستويات، اكتشفتُ حقيقة الأمراض عموما ومرض السرطان خصوصا، وكذلك اتضحت لي الرؤيا في فهم حقيقة الابتلاء ومعانيه، فاستطعتُ أن اكتشف المعاني الحقيقية الجميلة للحياة على مستوى كلّ منحى من مناحي النفس الإنسانية، فكرياً ونفسياً وروحياً وجسدياً.

عشتُ في بيئة مغايرة جدًّا عن بيئتي، وزادت ضغوط الحياة عليّ؛ إذ كنت طالبة وزوجة وأمّا وداعية. معظم الوقت أكافح في الحياة وحدي، أتطلع إلى حياة مثالية كاملة، أتكلَّف ما فوق طاقتي فكرياً ونفسيًّا وجسدياً، وفي جميع المجالات وعلى كلّ المستويات، كما كنتُ من ناحية أخرى أتناول الحلويات والمخبوزات والأجبان واللحوم الحيوانية يوميّا تقريبا، وبعد 5 سنوات أصبح لديّ إمساك، تحول إلى حالة من الإمساك المزمن، ثمَّ بعد بضع سنوات أخرى أصبح عندي نقص في الصفائح الدموية، وكسل في الغدة الدرقية، ثم أصبتُ بحرقة في المعدة يوميا تقريبا، حتى تحولت إلى بكتيريا المعدة، وعندما أذهب للطبيب وأشتكي، يقول الطبيب: "طبيعة جسمك"، وكنتُ بدوري أستسلم لمثل هذا الكلام، وأعزو ذلك إلى أنَّي لا عِلم لي بالطبّ فلا أفقهه ولا أفهم تفاصيله، وطبعًا هذا مرفوض الآن لي، إذ لا بدّ من التفقه بوعي في جميع ضروريات الحياة ومناحي النفس الإنسانية، ومن ضمن هذه المناحي الجسم.

مع استمرارية الأعراض السابقة التي دامت سنوات بقيت معي حتى أصبتُ بمرض السرطان في الغدد اللمفاوية، فبدأتُ القراءة والاطلاع على مرض السرطان لفهم طبيعته، وأنواع العلاجات وتأثيراتها على الجسم. فبدأتُ أقرأ حَتَّى أصابني الإعياء من البحث والقراءة، إذ كنتُ في صدام بين قناعاتي وأغلبية ما يتداوله الواقع من معطيات علمية، فكانت مفاجئتي بكلّ ما أقرأ، وعقلي يتصدع بين الحقيقة والوهم، فهل يُعقل أن تكون الحياة بهذا السوء؟! هل وصلت الإنسانية لهذه الدرجة من التجرد من الإنسانية، وباسم الإنسانية، فيقتل الإنسان الإنسان باسم الرحمة، والطامّة أنَّ ذلك إمَّا عن جهل باسم العلم الذي يُدَرَّس في الجامعات، أو باسم العلمانية وصناعة الأموال من رقاب العباد (المرضى)، وبرقاب العباد (الأطباء)، إلَّا من رحم ربي.

لم تكن الفكرة واضحة لي عن نظام العلاج الطبيعي، ولذلك زاد الوضع سوءا، إذ المنهج الصحيح الكامل المتكامل في أي مجال أنه إذا فقد ركنا من أركانه يبوء بالفشل، فقد أردتُ أن أمشي بخطوات متأرجحة بين العلاج الطبيعي والعلاج التقليدي (الكيمياوي والإشعاعي) -بعد الضغوط عليّ من قبل الأسرة- للوصول إلى الفكرة الواضحة والفهم الصحيح، فاضطررتُ للخضوع لعملية إزالة اللوز، لأخذ عينة منها وزراعتها، وقد أظهرت نتيجة العينة أني مصابة بسرطان الغدد اللمفاوية (Lymphoma Non Hodgkin) في مرحلة 1 أو 2، وتقرر بدأ العلاج التقليدي (الكيمياوي) بأسرع وقت ممكن، وإلا مواجهة الموت، إلَّا أنَّي رفضت العلاج التقليدي بسبب تغير القناعات عن وعي وفهم.

كانت البداية صعبة جدًّا، من حيث تغيير القناعة، إذ قد يكون منهج الطعام السليم وقاية من الأمراض، لكن أن يكون الطعام هو العلاج لمرض خطير! وتأتي الصعوبة أيضا في عملية تعلم مفاتيح أساسية في الطبّ، ثمّ التفقه في العلاج الرباني الفطري الطبيعي، فاستخرتُ الله تعالى واستجمعت قواي، وقررت السفر إلى أوروبا، وبدأت العلاج هناك في مصح (Gerson institute center).

تشكلت الرؤية بوضوح أثناء تواجدي في المصح بالعلم والفهم من خلال المحاضرات، والشهود الذين مارسوا العلاج ونجحوا في فهم منظومة التشافي ابتداءً ثم تطبيقها، ففهمتُ منهج العلاج وأركانه وشروطه وتبعاته، مِمَّا جعل قناعاتي بهذا العلاج تزداد إلى 80%، أمَّا الـ20% فكانت بسبب تضارب الآراء بين العلاج الطبيعي والتقليدي، في محاولات للتفقه في الطبّ، فهذا مجال جديد عليّ لفهمه، فكان يحتاج مني إلى محاولات لفهم هذا العلاج وتبعاته من ناحية، ويبقى هناك شيء لا يُفهم إلَّا من خلال التجربة والتطبيق.

كما كانت المؤثرات السلبية من كلّ من حولي في أنَّ قناعاتي خطأ، وأني سألقي بنفسي للهاوية، فكانت المؤثرات النفسية لها الأثر في زعزعة النفس والفهم. كما أني لم أكن قوية جسديًّا لتحمل هذا النوع من العلاج، ولكني توكلت على الله تعالى، وسرتُ في طريق العلاج الرباني الفطري الطبيعي، وحالي يقول لي: "لن يضيعني الله تعالى؛ فحاشاه، ليس لشيء إلَّا أنه الله خالقي مدبر أمري، هو الذي هداني لأن أسير في هذا الطريق".

باختصار، إنَّ منهاج التشافي الرباني منظومة متكاملة قائمة على مبدأ التخلية والتحلية في جميع مناحي النفس الإنسانية، والتي استنبطتُ معالمها من علم السلوك، وتُسمى في علم الأخلاق بالتزكية. والتزكية -أيّ التطهير- مقصد ضروري سواء على المستوى العقلي (الفكري)، أو المستوى النفسي (العاطفي)، أو المستوى الروحي (الإيماني)، أو المستوى السلوكي (الأخلاقي)، أو المستوى البدني (الجسدي)، أو التكامل بين هذه المناحي والتوازن بينها، وهو مطلب ضروري، فلا بُدّ من التخلية من الشرك الأكبر والأصغر، والتحلية بالإيمان بالله وحده، للوصول إلى التوحيد الخالص.

كما لا بُدّ من التخلية من كلّ خلق رديء، والتحلية بالخلق الحميد، للوصول إلى ما يريده الله من استخلاف العباد في الأرض. ولا بُدّ من التخلية من الأفكار الغربية والمدسوسة، والتحلية بالأفكار الإنسانية الإسلامية المعتدلة، للوصول إلى عمارة الأرض بالمنهج الفكري السليم. كما لا بُدّ من تخلية الجسم من السموم، والتحلية بما يصح الجسم ويعافيه من هواء وشراب وغذاء ونوم وحركة، فيكون قادرًا على تحمل الأعباء المناطة به للوصول إلى خير الدنيا والأخرة.

ومثل ذلك الجسم، فالمواظبة على الطعام الصحي لا تنفع بصورة كاملة ما لم يتم تطهير الجسم من السموم، سواء سموم تأتيه من خارج الجسم، أو مِمَّا يفرزه الجسم بعد عملية الأيض وعمليات التنفس والهضم للطعام والشراب، والنوم والحركة. ومن ثمَّ، فإنَّ السبب الرئيسي للأمراض هو زيادة السموم التي تساعد في هدم خلايا الجسم، والنقص في بعض العناصر الرئيسية في بناء خلايا الجسم، وسأقوم في المقالات التالية باستعراض مرض السرطان بين الحقيقة والوهم، وتوضيح المنهج الرباني الفكري الطبيعي في العلاج.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.