شعار قسم مدونات

الاتحاد العام التونسي للطلبة.. نضال مستمر وأفكار متجددة

 

جاءت ثورة الحرية والكرامة لتؤسس لواقع جديد في تونس، قوامه القطع مع نظام الظلم والاستبداد، وفتحت آفاقا جديدة للحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان. استقبلت الجامعة التونسية شعارات الثورة الشعبية المباركة وهبّت فيها نسائم الحرية والتعددية، بعد أن كانت فضاء مغلقا لمدة 20 سنة. تعد عودة الاتحاد العام التونسي للطلبة للنشاط داخل الجامعة التونسية أهم مكتسب للحركة الطلابية بعد الثورة؛ لما أضفته هذه المنظمة من حركية، وما رسمته من آليات جديدة للفعل النقابي.

عودة بعد 20 سنة من التغييب

كانت ثورة الحرية والكرامة حدثا فارقا بين مرحلة مغلقة بأقفال الديكتاتورية ومرحلة مفتوحة بمفاتيح الديمقراطية، حيث فتحت آفاقا جديدة للتفكير في استعادة النشاط النقابي والسياسي داخل الجامعة التونسية، التي تم تدجينها وتركيعها لمدة 20 سنة؛ مما ينبئ بصعوبة استعادة الأمجاد التاريخية للحركة الطلابية. لكن فكرة العودة لم تكن مجرد تمنيات، بل شرع أصحابها في تجميع ما ضاع والتعويل في البداية على نواة صلبة من جيل إعادة الإحياء وتكوين "تنسيقية هيئات أنصار الاتحاد العام التونسي للطّلبة"، التي تضمّ عناصر وشخصيات من الجيل المؤسس في الثمانينيات وطلبة من الجيل الجديد. انطلقت هذه التنسيقية في "ماراثون" اللقاءات والاجتماعات الطلابية من أجل الترويج لفكرة إعادة إحياء الاتحاد العام التونسي للطلبة. لم يكن الأمر سهلا في البداية، حيث واجه أصحاب الفكرة عزوفا من الطلبة في بداية الأمر نظرا لمخلفات الخوف وعدم الرغبة في التنظم، إضافة إلى الممارسة اليومية من الإدارات التابعة للدولة العميقة؛ ممّا جعل فكرة إعادة الإحياء في مفترق طريق، غير أن المؤمنين بالفكرة لم يهدأ لهم بال حتى تمكّنوا من إحداث تنسيقيات إعادة إحياء الاتحاد العام التونسي للطلبة في مختلف جامعات الجمهورية، مما جعل التحضير للمؤتمر الوطني الخامس للمنظمة بعد 20 سنة من الحظر أمرا ممكنا وواقعا ملموسا، وهو ما حدث بالفعل في 13 و14 و15 أبريل/نيسان 2013، حيث تم تنظيم المؤتمر الوطني الخامس بكلية العلوم بتونس، تحت شعار "مؤتمر الثورة والعودة"، حيث تمّ رسميا انتخاب قيادة جديدة للاتحاد وانطلق العمل الفعلي لاستعادة الموقع الحقيقي للمنظمة كأداة تنظيمية للحركة الطلابية التونسية.

خطاب جديد وشراكة مسؤولة

لم يتنكّر الجيل الجديد للشعارات الأساسية التي تأسست من أجلها المنظمة سنة 1985، المطالبة بالحرية والديمقراطية والدفاع عن المطالب المادية والمعنوية للطلبة، إضافة إلى تجميع الصفّ الطلابي من أجل الظفر بمكاسب حقيقية للحركة الطلابية، إلا أن جيل إعادة الإحياء كان مستوعبا لمتطلبات المرحلة؛ وأهمها أن تونس تعيش مرحلة الانتقال الديمقراطي، وأن خطاب الاحتجاج وردّ الفعل لا يمكن أن يؤسس واقعا جديدا إذا لم يقترن بخطاب الاقتراح والبناء.

في هذ الإطار راهن الجيل الجديد على مراجعة مفاهيم عديدة، لعلّ أبرزها "القطيعة التنظيمية والسياسية مع السلطة"، باعتبار أن هذا الشعار كان صالحا للاستعمال في زمن الديكتاتورية والقمع، أما المناخ الديمقراطي فإنه يفتح المجال للحوار مع السلطة والتفاعل معها، بوصفها منتخبة ديمقراطيّا، دون التخلّي عن مطالب الطلبة. ومن ثم رفع الاتحاد العام التونسي للطلبة شعار الشراكة في القرار مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، خاصة في ما يتعلّق بإصلاح منظومة التعليم العالي والبحث العلمي، وقام بعدة ورشات عمل ولقاءات مع خبراء ومختصّين ليقدّم بعد ذلك كتيّبا يتضمّن رؤيته للإصلاح الجامعي. علاوة على ذلك، راهن الاتحاد العام التونسي للطلبة على الترويج للثقافة الديمقراطية داخل الجامعة من خلال المشاركة الفاعلة في الانتخابات الطلابية سنويّا، واعتبارها محطّة مهمّة يدلي من خلالها الطالب برأيه ويختار ممثليه في المجالس العلمية للجامعات. زد على ذلك قام الاتحاد بطرح مبادرة أسماها "المشروع النقابي الديمقراطي"، وتهدف إلى رفض العنف داخل الجامعة وتوحيد الصفّ الطلابي من أجل الانشغال بمشاكل الجامعة التي تراكمت على مدى سنوات عديدة.

قيادة الاتحاد الطلابي المغاربي

أسهم الخطاب الجديد المتشبّع بالحرية الديمقراطية، والمستوعب لضرورة المشاركة في بناء الوطن والابتعاد عن خطاب الكراهية والتصنيف الأيديولوجي للطلبة في توسيع انتشار فكرة الاتحاد العام التونسي للطلبة في مدارج الجامعة التونسيّة، إضافة إلى أن الخطاب التجميعي الذي تميّز به الاتحاد لم يساوم في جدولة المطالب الملحّة التي يعاني منها الطالب التونسي خاصّة التي تتعلّق بالسكن الجامعي والمنحة الجامعية، حيث نفّذ العديد من التحركات والمطالب التي أفضت في الأخير إلى مكاسب ماديّة مهمة للطلبة، جعلت ثقتهم في هذه المنظمة تتعزّز شيئا فشيئا.

وبدأت نتائج الفعل النقابي الجديد والتركيز على المشاكل اليومية للطلبة تظهر، خاصة بعد الفوز المتكرّر لقائمات الاتحاد العام التونسي للطلبة في انتخابات المجالس العلمية التي تقام كل سنة، مما يؤكد الثقة المتزايدة للطلبة التونسيين في هذا المنظمة التي تسعى لحماية حقوقهم المادية والمعنوية والبيداغوجية.

لم يقتصر دور الاتحاد العام التونسي للطلبة على الفضاء الجامعي التونسي، حيث انفتح على الفضاء الجامعي المغاربي؛ نظرا للتقاطع الكبير بين المشاكل التي يعانيها طلبة المغربي العربي. وبعد سلسلة من الحوارات والنقاشات مع الاتحادات الطلابية المغاربية أسهم الاتحاد العام التونسي للطلبة في تأسيس الاتحاد الطلابي المغاربي، الذي يضم أهم المنظمات والاتحادات الطلابية بالمغرب العربي، وتم انتخاب الاتحاد العام التونسي للطلبة في منصب الأمانة العامة. كل هذه المؤشرات تؤكّد تأقلم المنظمة مع الواقع الجديد وتصدّرها المشهد الطلابي تونسيّا ومغاربيّا.

الاتحاد والانتقال الديمقراطي

كما ذكرنا سالفا، فإن الحركة الطلابية جامعة موازية، حيث تؤهّل الجامعةُ الكفاءات والأطر العلمية والأكاديمية، وتقوم الحركة الطلابية بدورها التكويني في تخريج النخب والكفاءات والأطر التي ستحكم البلد في المستقبل. وفي هذا الإطار يتنزّل دور الاتحاد العام التونسي للطّلبة كطرف وطني يمتلك رصيدا بشريا يتمتع بنضالية عالية ومتشبّع بروح الوطنية في ضرورة التفكير الجدّي في مسألة تجديد النخبة السياسية. بعبارة أكثر وضوحا يتوجّب على الاتحاد العام التونسي للطلبة أن يؤسس بكل وضوح فكرة بناء جيل سياسي جديد يحكم تونس في المستقبل من خلال انخراطه في مختلف الأحزاب والمنظمات والجمعيات، ومشاركته في الحياة العامّة. هذا الجيل لا بد أن يتلقى تكوينا معرفيا وأكاديميا صلبا يؤهله لاستيعاب المسائل التقنية المتعلقة بإدارة الدولة، كما يتمتع بثقافة نضاليّة عالية على أرضية المبادئ والأخلاق والقيم المشتركة. هذا التوجّه من أوكد الأوليات التي يجب على الاتحاد تكثيفها والعمل عليها حتّى تعود بالفائدة على تونس مستقبلا.

ووفقا لهذه الرؤية سيجد الاتحاد العام التونسي للطلبة نفسه مساهما رئيسيا في تجديد النخبة السياسية بعد سنوات قليلة؛ نخبة تكون قاطعة مع خطاب التصنيف الأيديولوجي وثنائيات الصراع البائسة والشعبوية الهدّامة وتؤسس لفعل سياسي وطني مبني على البرامج والأطروحات.

يُعد الاتحاد العام التونسي للطلبة أحد أهم مخرجات ومطالب الثورة في الجامعة التونسية، مما يجعله مسؤولا مع جملة من المنظمات والأحزاب والشخصيات الوطنية عن حماية المسار الديمقراطي. وفي هذا الإطار لا بدّ أن يلعب الاتحاد دورا أكثر تقدّما ووضوحا في المطالب باستكمال المؤسسات الدستورية، وتوفير كل الشروط الواقعية لنجاح تجربة الانتقال الديمقراطي عبر جعل الجامعة فضاءً دائما للترويج لمبادئ ثورة الحرية والكرامة، وابتداع طرق عمل جديدة تقنع الطالب التونسي بجدوى المنظومة الديمقراطية.

 

ختاما، من خلال تجربتي الشخصية لمدة 7 سنوات داخل هذه المنظمة العريقة بعد الثورة، وتدرجي في هياكلها إلى أن وقع انتخابي أمينا عامّا للمنظمة سنة 2017؛ أستطيع القول إن الاتحاد العام التونسي للطلبة يمتلك رصيدا نضاليا له رمزية كبيرة، كما يمتلك موارد بشرية قادرة على قيادة تونس مستقبلا، شرط أن يواصل العمل الدؤوب في انفتاحه على عموم الطلبة، والاقتراب من مشاكلهم وتطلعاتهم، مع تعزيز دوره كقوة اقتراح من أجل مصلحة تونس.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.