شعار قسم مدونات

القدس أمانة هذه الأمة

القدس والأقصى خلقت حالة تلاحم بين ابناء الشعب الفلسطيني بكل أمكان تواجده
القدس والأقصى خلقت حالة تلاحم بين ابناء الشعب الفلسطيني بكل أمكان تواجده (الجزيرة)

 

يجاهد الشعب الفلسطيني بمختلف فئاته الاحتلال الصهيوني البغيض الذي تقف خلفه الدول الكبرى التي اختارت لهذا الكيان الغاصب قلب الوطن العربي (فلسطين)، هذه الأرض المقدسة التي تضم إحدى المقدسات الإسلامية لأكثر من ملياري مسلم في مختلف أنحاء العالم إنه "أولى القبلتين وثالث الحرمين".

وهي مسرى الرسول عليه الصلاة والسلام ومعراجه، والتي سالت حولها دماء الشهداء الأبطال من الفلسطينيين. وتشهد أرض الزيتون المقدسة ملحمة جديدة من الرباط والجهاد والبطولات في معركة الدفاع عن المسجد الأقصى الذي دنسته أقدام الصهاينة في العشر الأواخر من رمضان الماضي.

 

لقد ردت غزة المحاصرة منذ عقود من العرب والصهاينة على جيش الاحتلال المتغطرس بأسلحة لم تكن في الحسبان، فصواريخ القسام وسرايا القدس التي صنعتها المقاومة محليا، دكت قلاع المحتلين في القدس الغربية وتل أبيب متجاوزة بذلك القبة الحديدية التي كلفت مئات الملايين من الدولارات.

لقد غيرت كتائب عز الدين القسام موازين القوى وكسرت تفوق الجيش الذي لا يقهر؛ إذ أظهرت المشاهد التلفزيونية المنقولة من الثكنات حالة الهلع والخوف التي تسيطر على هذا الجيش الذي تم تجميعه من أنحاء العالم، جراء رشقات الصواريخ التي تتساقط بلا انقطاع على مدن فلسطين المحتلة من النهر إلى البحر.

 

لقد كتبت في "الرؤية" العمانية و"العرب" القطرية مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي مقالا بعنوان "فلسطين قضية العرب الأولى" ولم أكن أقصد في ذلك المقال بأفضلية العرب في قضية القدس وفلسطين، بل وقف وتيرة التطبيع المجاني للعرب مع هذا النظام العنصري الذي يحتقرنا ويتمنى زوالنا، فالدول الإسلامية الكبرى مثل باكستان وماليزيا وإندونيسيا ونيجيريا لا تسمح لنفسها بإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، بل الحكومات الإسلامية في تلك الدول أكثر وفاء ودفاعا عن قضية فلسطين من بعض الأنظمة الحاكمة في الوطن العربي.

لقد آن الأوان أن تتحد الأمة في مواجهة هذا العدو ونبذ خلافاتها جانبا، وعندما نقول الأمة لا نستثني أحدًا من هذا الواجب وفي مقدمتهم علماؤنا الأجلاء الذين هم مرجعنا في شتى أمور الحياة. وفي هذا الصدد لا بد لنا من الإشادة بمواقف سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة، وهي مواقف ليست مستغربة على سماحته فقد كانت قضية فلسطين حاضرة معه طوال مسيرته الخيرة.

ولا شك أن قضية فلسطين لها مكانة خاصة في قلوب العمانيين عبر التاريخ، فهذا الشعب العريق يقف دائما ضد الظلم، فقد كنت أسأل نفسي كثيرا طوال سنوات تدريسي لمساقات ذات طبيعة سياسية وإعلامية في جامعة السلطان قابوس عن اهتمام هؤلاء الطلبة العمانيين بقضية الأمة الأولى (القدس الشريف) ومناقشة ذلك بإسهاب، رغم صغر سنهم، وكذلك تراجع المد القومي العربي بعد العدوان العراقي على دولة الكويت الشقيقة، وتوقيع اتفاقيات أوسلو.

ولكن ذلك لم يمنع أبناء هذا الوطن العزيز من مساندة الشعب الفلسطيني المنكوب، ولعلنا نتذكر جميعا انتفاض المجتمع العماني من مسندم إلى ظفار وخروجهم في مظاهرات للمطالبة بإغلاق المكتب التجاري الإسرائيلي في مسقط في أعقاب استشهاد الطفل (محمد الدرة) على يد الصهاينة.

فهذه الجريمة البشعة المتمثلة في استهداف هذا الطفل برصاص الغدر وهو يختبئ خلف والده الأعزل أمام كاميرات البث التلفزيوني المباشر قد هزت العالم من أقصاه إلى أقصاه، وفجرت موجة غضب واسعة النطاق في المدن العربية التي خرجت لمناصرة القضية الفلسطينية العادلة، وكشفت القناع عن حقيقة جيش الاحتلال ومجازره المتعددة في فلسطين.

 

 

إن دور الإعلام مهم للغاية في كشف جرائم الاحتلال للعالم الخارجي، فهو العين الثالثة التي تنقل الأحداث المأساوية في ربوع فلسطين الجريحة، وخاصة في أحياء القدس مثل حي الشيخ جراح وباب العامود والمسجد الأقصى، وكذلك في المدن الفلسطينية التي احتلت بعد عام 1948 مثل اللد وعكا ويافا وغيرها.

وهنا لا بد من الإشادة بشبكة الجزيرة القطرية التي قامت بتغطية إعلامية احترافية ومتميزة بكل المقاييس، فالعالم اليوم من الشرق إلى الغرب يتابع الجزيرة، بل أصبحت هذه الشبكة مصدرا أساسيا عالميا لأخبار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

فمنذ بداية اقتحام المسجد الأقصى ومداهمات سكان القدس من الفلسطينيين في حي الشيخ جراح قبل أكثر من 12 يوما ونحن نتسمر أمام شاشة الجزيرة دون غيرها من القنوات من الصباح إلى المساء دون توقف، لمشاهدة ما يسطره المجاهدون في غزة، رغم تقطع قلوبنا من مناظر أشلاء أطفال غزة ونسائها الذين يتعرضون للقصف اليومي من جيش الاحتلال الإسرائيلي.

ومن اللافت أن القنوات الرسمية التي تمولها الحكومات العربية تحاول تجنب نقل انتصارات المجاهدين في غزة، وكذلك اختصار فضائح المشاهد الفظيعة التي يرتكبها جنود الاحتلال ضد المواطنين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، وذلك لمحاولة تهدئة الرأي العام الذي هو في حالة غليان.

لقد أدركت القيادة القطرية أهمية الإعلام ودوره في عصر العولمة وثورة الاتصال؛ إذ قامت هذه القيادة الشابة المتمثلة في الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ومن قبله والده الشيخ حمد، بدعم شبكة الجزيرة التي أصبحت من أشهر المعالم في العالم، ويعد شعار قناة الجزيرة واحدا من العلامات الأكثر نجاحا في تاريخ البث التلفزيوني، فقد أعلن موقع "براند تشانل دوت كوم" أن الجزيرة خامس أكثر وسيلة إعلامية تأثيرا في العالم.

 

وفي الختام، إن غزة بحاجة للإغاثة العاجلة من أبناء هذه الأمة المخلصين، فهذه المنطقة المكتظة بالسكان التي تخضع للحصار الإسرائيلي منذ سنوات طويلة بحاجة إلى الدواء والغذاء والمساعدات المالية لبناء ما تم تدميره هذه الأيام من قصف الترسانة العسكرية الصهيونية الغاشمة.

فيجب ألا نكتفي ببيانات التنديد التي تصدرها الجامعة العربية منذ 50 سنة، فالعرب عادة يجتمعون في كل مجزرة ويتكرر على مسامعنا كلمات الشجب التي لا قيمة لها ولا تساوي حتى قيمة الورق والحبر المدونة فيها.

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.