شعار قسم مدونات

لماذا ما زال هناك سوء فهم بشأن النظام السوري؟

 

هناك سوء فهم كبير حاليا يقود المزاج العام للشعوب العربية نحو جدال عقيم حين يتم التعاطي مع القضية السورية بالذات، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالنظام السوري.

ويظهر هذا الجدال العقيم بشكل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة على تلك الصفحات ذات المتابعة الضخمة، مهما كان المنشور حتى لو كان عن الطبخ إلا أننا يجب أن نجد شخصا ما وقد طاب له مثلا أن يعلق بالتأييد للنظام بتعليق، أو العكس يعلق ضده، حتى ينفجر سجال طويل حين تظهر مئات بل آلاف الردود السلبية قطعاً، من الطرفين، والتي تكشف عن مدى سقوطنا القيمي والأخلاقي وتراجع مستوياتنا الفكرية إلى الحضيض، وتكشف أيضا عن مدى عشقنا للعبودية، فالذي شتم النظام السوري نجده يمجد نظاما عربيا آخر والعكس، وهذا هو الأمر الذي قد يحير عباقرة التحليل النفسي.

مسألة سوء الفهم هذه بسيطة للغاية، وسأحاول هنا أعزائي القراء حلها بعيدا عن الهبوط وبعيدا عن العبودية، من خلال 4 نقاط بسيطة وسهلة.

 

أولا، الثورة السورية بدأت شعبية عفوية ضمن ثورات الربيع العربي التي طالبت الشعوب العربية من خلالها بكرامة العيش، والتحرر من براثن الأنظمة المستبدة، ولنتفق هنا أعزائي على أن المقصود بالاستبداد هو سيطرة شخص أو عائلة على الحكم إلى الأبد، بغض النظر عن أن هذا الشخص أو هذه العائلة كانوا نظيفي اليد، ومستقيمين، ويسعون دائما لتحقيق مصلحة شعوبهم أو العكس، فالاستبداد هو الاستحواذ على الحكم إلى الأبد بغض النظر عن أي شيء آخر، يجب أن نتفق على هذه النقطة.

هنا بعد أن بدأت الثورة الشعبية السورية جاء وركب موجتها مستبدون عرب آخرون، وأنفقوا المليارات على أصحاب النفوس الضعيفة ليشكلوا عصابات تعيث فساداً في الثورة السورية لتفسدها وتفسد أهدافها، فظهرت داعش (تنظيم الدولة الإسلامية) وأخواتها، هم فعلوا ذلك ليس كرها في سوريا أو كرها بالشعب السوري، ولا حتى كرها في النظام السوري لأنه كان يقفُ شوكةً في حلقهم كونه كان يحقق الاكتفاء الذاتي لسوريا ويبتعد عن ديون البنك الدولي، كما يدافع ويقول أنصار النظام السوري، لا لا، هم فعلوا ذلك يا عزيزي خوفاً من أن تنجح الثورة، وخوفا من أن يأتي في النهاية نظام غير مستبد يسمح بتداول السلطة بشكل ديمقراطي، وهو ما لا يريدونه أن يحدث بالقرب من بلادهم كي لا تنتقل العدوى إلى شعوبهم.

 

ثانيا، في الحقيقة النظام السوري لم يدعم تلك التنظيمات الإرهابية التي ظهرت على الساحة السورية كداعش وأخواتها، كما يعتقد وكما يروج مناهضو النظام، لكن الحقيقة أن النظام طاب له ظهور تلك التنظيمات المتطرفة، لأنها خدمته بشكل غير مباشر حين كان يتعامل عسكرياً مع تلك المناطق التي كانت مَهْد الثورة السورية وظهرت فيها داعش وأخواتها ونشطت بفعل الدعم السخي التي كانت تتلقاه من أنظمة تلك الدول العربية المستبدة، وكأنه يقول لأهل تلك المناطق ذوقوا وبال فعلتكم حين أردتم استبدالي وإنهاء حكمي، فقصفها بالبراميل المتفجرة هي والتنظيمات معاً في آنٍ واحد، تلك التنظيمات حين كانت تتغلغل في أحيائها وتستخدم سكانها دروعا بشرية، كحلب مثلا ودرعا اللتين مسحهما النظام من الأرض ببراميله المتفجرة فنزح منهما مئات آلاف السوريين هربا من التنظيمات الإرهابية وهربا من البراميل المتفجرة.

 

ثالثا، الآن بعد كل هذه السنين من الدمار الذي شارك فيه الطرفان، الطرف الأول، النظام السوري الذي كان يدافع عن وجوده في وجه كل شي، الشعب والحجر والشجر والتنظيمات الإرهابية، كل شيء، والثاني التنظيمات التي كانت تنفذ أهداف تلك الأنظمة العربية المستبدة مقابل المال، حين شارك الطرفان بتهجير أكثر من نصف الشعب السوري إلى شتى بقاع الأرض، لا يهم، المهم أن النظام يبقى موجودا، والتنظيمات تحصل على المليارات.

رغم ذلك يأتي مناصرو النظام السوري ويقولون إن النظام ظل شوكةً في حلق الحاقدين من العرب، ثم يجمعون مع هؤلاء الحاقدين العرب إسرائيل وأميركا، ومنهم من يقول إنه ظل شوكة في حلق كل العالم، ثم يشمتون تلك الأنظمة العربية التي دعمت الإرهاب في سوريا حين عادت صاغرة من جديد، على حد تعبيرهم، للتعامل مع النظام السوري ودعم وجوده.

 

رابعا، هذه الأنظمة يا عزيزي لا يهمها النظام السوري بحد ذاته بقدر ما يهما بقاء نظام مستبد يشبه أنظمتها المستبدة، ولذلك عندما فشلت الثورة وضمنت تلك الأنظمة أن حلم الشعب السوري في حصوله على نظام ديمقراطي تبخر أخيرا، عادت ودعمت النظام السوري المستبد من جديد، فهي تبحث عن بقاء الاستبداد والمستبدين لا أكثر، ليس لأن النظام ظل شوكة في حلقها وفشلت في القضاء عليه بل لأنها لم تجد بديلاً عن دعمه من جديد.

 

هذه الحقائق عصية على الفهم لدى العبيد، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يستوعبها العبيد، هم يرفضون أصلا فهمهما، وإن حدث ووصلت إلى فهمهم ولو بنسبة بسيطة تجدهم يبحثون عن مبرر ما حتى لو كان من الشيطان ليعدلوا عن فهمها، طبعا من عبيد الطرفين، عبيد النظام السوري، والعبيد المناهضين له، كيف تناهض النظام السوري وأنت تؤيد نظامك المستبد؟

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.