شعار قسم مدونات

بنات وبنو الشيخ جراح.. كسر غرور المستعمر والمطبّع

عارف حمّاد عضو لجنة وحدات سكن لاجئي الشيخ جراح (الجزيرة نت)

 

هناك شيء محسوم دوما وأبدا، وهو الركن الأساسي في بيداغوجيا الحرية والانتصار للحق وإثبات إرادة الشعوب الحرة:

من ينتفض لا يُهزم،

والمستعمَر الذي يثور يكسّر شوكة غرور المستعمِر. أحبّ المطبّعون أو إنستغرام أو الجنرال الإسرائيلي أفيف كوخافي، أم كرهوا.

سطور فرانز فانون تبقى على الإطلاق تدوينة تجسّد الصرخة التي ترهب الاستعمار من فلسطين إلى المغرب. انتصارات الشعوب لا تنحت في كواليس الدبلوماسية المستهزئة بحق الشعوب في تقرير المصير، كما تجلّت في ثورة 1962 لمّا ولّى المستعمر الفرنسي مهزوما بكلمات الشيخ ابن باديس، وتضحيات شهداء أقسموا بالله، بالساحقات الماحقات، والجبال الشاهقات الراسخات، وبواسل حرب أكتوبر من مصر وسوريا وباقي العرب. بديهية في نواميس المجتمع الدولي، إلا إذا تعلّق الأمر بفلسطين.

 

فلسطين لها شباب يستعصي على المحتل، هؤلاء الشباب قلبوا موازين القوة: المستعمِر هو المحاصر المدجج بكل ما ينتجه المركّب الصناعي العسكري أميركيا وإسرائيليا، هو الذي يعيش كابوس الحجارة والدرّة وميس أبو غوش وعهد التميمي وأبطال الشيخ جراح وغزة العزة والشهيد البطل الشيخ أحمد ياسين والمناضل الفذ رائد صلاح.

 

وكأن المخيال بالكلمة بالحركة بالحراك بالحركات بالجسد بعاطفة الإيمان بالمفتاح الفلسطيني بالعودة بالثبات على المتخيّل التحرري الفلسطيني، أن بوابة الأرض إلى السماء ومعجزة الإسراء للقدس الشريف عربية مسلمة فلسطينية، أبلغ قوة وأفقه نطقا وأجدّ في استنطاقه للظلم واللامبالاة ممن يستكشفون نعومة المستعمِر. سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى. سبحان الله مغيّر الأحوال بقومة أبطال رافعتهم الإيمان بالله وبعروبة القدس والشيخ جراح هو معبر إلى سلب ما تبقى من مفاتيح لأبواب موصدة بالمرصاد لتهويد القدس.

 

ليس مهما أن تتحامل بعض شركات الإعلام الغربية على حجب الشمس، شمس فلسطين. ليس مهما أن الدبلوماسية الأميركية ليست في حاجة إلى تعرية إضافية. الأهم أن هدير الصمت انتفض فشاع إشعاعه صورا ورسوما وكاريكاتيرا وتصويرا تعرّي الغطرسة حتى في عقر أكثر البيوت صمتا أو خجلا في قول الحق، وتغريدة نائبة مجلس الشيوخ الأميركي ماري نيومان ليست إلا دويّا واحدا من عشرات آلاف الرسائل، تجسّد عنكبوتية وسائل التواصل الاجتماعي، فالرسالة تليها رسائل تخيف المستعمر وكأنها آية من الله: ألم يجعل كيدهم في تضليل وأرسل عليهم طيرا أبابيل ترميهم، تعرّيهم تربكهم تهزمهم. حتى سلاح العولمة الأميركي الناعم لا يخدم الإسرائيلي المحتل، فيفضح خشونته وهمجيته. وليس أعتى من حجارة وسم

#أنقذوا_حي_الشيخ_جراح وشبيهاتها.

هنا يتجلى متخيّل تحرّري محلي عربي إسلامي، الرافعة الإسلامية والعروبية لا سلاح يضاهيها. سلاحها صوت الإيمان بالحق الذي يخدش ضمائر النخب العربية الكريمة التي تهرول لتامين مصالح مع أميركا أو إسرائيل أو الاثنين، وينتفض لإثبات الهوية وإحقاق الحق داخل نسقه التحرّري الثائر، ساعيا أولا وقبل كل شيء إلى الانفلات من سيناريوهات ووصفات الدبلوماسية العربية الرسمية المنجزة للتطبيع، والمبنية على رمزية فلسطين كحد أقصى للمطالب العربية، لا للتأسيس لبيداغوجيا استقلال وسيادة وتقرير مصير.

تكمن في طيّات هذا المتخيّل المنتفض الثائر تجليات التمثل التحرّري لنصرة الدين (مقدسيين مسلمين ومسيحيين)، للمفتاح الفلسطيني، للذات، للوطن، فيعدو في قومته في الشيخ جراح هبّة تصبو إلى استنفار العمق الإنساني بكل ما يملك من طموح وجداني كياني، لينطق كلمة حق وأسئلة قابعة في متخيّل شباب عربي، ربما هو استراحة مناضل ينتظر العودة إلى ساحات الربيع العربي في بحثه اللامتناهي عن الحرية والكرامة، لإزالة ما يجتاحه في داخله المخفي من احتقان و"حقرة" وتهميش، وتحشيده لعنفوان الغضب الساطع الذي يفجّر فيه طاقة الانتفاضة كاسرا بها غبن اللحظة التاريخية ومهازل المألوف على امتداد وطننا العربي الجميل.

 

انتفاضة الشيخ جراح هي عبارة عن إبصار لثورية حقوقية تحررية تنتج انكشافا ليس فقط في إيمانها بقضيتها، لكن اليوم في عصر العولمة في صرخات أحرار العالم وفي مرآة الضمير الإنساني. فلسطين ولّادة ثوّار وأحرار، كما أشعر محمود درويش.

 

لا تقل لي:

ليتني بائع خبز في الجزائر

لأغني مع ثائر!

لا تقل لي:

ليتني راعي مواشٍ في اليمن

لأغني لانتفاضات الزمن

لا تقل لي:

ليتني عامل مقهى في هافانا

لأغني لانتصارات الحزانى!

لا تقل لي:

ليتني أعمل في أسوان حمّالاً صغيرا

لأغني للصخور

يا صديقي! لن يصب النيل في الفولغا

ولا الكونغو، ولا الأردن، في نهر الفرات!

كل نهر، وله نبع.. ومجرى.. وحياة!

يا صديقي! أرضنا ليست بعاقر

كل أرض، ولها ميلادها

كل فجر، وله موعد ثائر!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.