شعار قسم مدونات

دعوة للتحرر وكسر الأغلال

رسوم فنان سوري تفضح الانتهاكات في سجون نظام الأسد
رسوم فنان سوري تفضح الانتهاكات في سجون نظام الأسد (الجزيرة)

 

إن ما يعيشه الداخل السوري في ظل نظام الأسد -من الذل والفقر والجهل والفساد- يستدعي بحرقة التفكرَ بحال أفضل مما يعانيه المواطن "المعتر" (المسكين)، أما السفر فقد بات حلما، بل محالا لدى معظم السوريين، فتكلفة جواز السفر السوري سيئ السمعة مليون ليرة لاستخراجه من دائرة الهجرة -دائرة السرقة والنهب- التي أصبحت أكبر متجر يجني الأرباح الطائلة من رقاب الشعب البائس، ليعود عليه بالبراميل والكيميائي والأسلحة المحظورة.

والأوضاع الداخلية كل يوم إلى أسوء، والمأساة لا تتوقف عند زاوية معينة، بل توسعت لتشمل كل نواحي الحياة، فالسوري يضربها يمينا فتأتي يسارا، ويضربها يسارا فتأتي يمينا.. وهكذا.

 

فما الحل في ظل هذا الجحيم؟

الحلول متاحة في كل وقت ولو كانت ضيقة في بعض الأحيان، ولكن يلزمها المزيد من الإيمان والإصرار والصبر والمجاهدة والجرأة.

وأول هذه الحلول هو الصبر، فالنظام بدأ يعد أنفاسه، وهذا الكلام ليس إنشائيا، فبالأمس كان يتوسل ثوارَ الشمال السوري لفتح المعابر من خلال المحتل الروسي لتحريك اقتصاده، وبنفس الوقت يبحث عن مكان آمن يأوي إليه، كذلك ارتفعت أصوات مؤيديه ضده بسبب الفقر والجوع، وظهور الحرب الدائرة بين عائلة الأسد وباقي عوائل الطائفة، وتسارعت المحاكم الدولية ضد جرائم الأسد؛ كل ذلك يبشر بقرب نهايته، فما بقي قليل، والصبر مفتاح الفرج.

ومن الحلول أيضا الثبات في وجه الظالم، ومتابعة طريق الثورة بأساليب مختلفة أو شبيهة عما بدأت به ثورتنا قبل 10 سنوات، وابتكار طرق يسلم بها السوري في الداخل من الملاحقة أو الاتهام، حسب ما يُمليه عليه واقعه وظروفه، وهذا متاح كالكتابات المناهضة لهذا الحال المزري، وتعميم المنشورات ضده، واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، ورفع حالة الوعي لدى الشعب وهو من أهم الوسائل الناجعة.

ومن الأهمية بمكان التواصل مع أبناء الثورة العاملين في الشمال وخارج سوريا، وإمدادهم بالمواد كالصور والفيديوهات والتقارير الفاضحة لممارسات النظام في البلد لتوثيقها، وكذلك إرسال قصص ومآس السوريين اليومية، فكل ذلك يُعد أدلة حية عليه، ويُسرع وتيرة المحاسبة، ويحرض الرأي العالمي (المنافق) على رفع اليد عن هكذا نظام فاسد.

 

ولمن يأس ولم يَعد يحتمل، فليدخل إلى الشمال السوري فهو أفضل حال من مناطق النظام، ولا يحتاج لجواز سفر، وطرق التهريب كثيرة، والحال في الشمال نعم ليست آمنة تماما وليست مريحة، ومع ذلك -وبكل ما فيه من الخطورة- هو أسلم وأنظف وأشرف من مناطق سيطرة النظام إلى حدٍّ ما.

ومن المهم أيضا رفع الصوت والاعتراض على التجار المجرمين عملاء النظام وشركائه والبلديات والوزراء المسؤولين ومشايخ السلطة، وأظن أنه غدا مستساغا لدى النظام، ليخفف الضغط عن نفسه، وليجعل مُتنفّسا للشعب، ففضح هؤلاء هو فضح لسياسات مُشغّليهم بطريقة غير مباشرة، فالصوت العالي الجريء مطلوب لإثارة الرأي الداخلي بشكل واسع، وللخروج من طوق الاعتيادية، وهذا يصب في مصلحة الثورة والسوريين.

 

كذلك يُعد من الاهمية بمكان تحريض شرائح المجتمع كافة على خلع ربقة الاستعباد والذل، وعدم الاستسلام والركون للوضع الحالي، وعدم اعتياد هذا الحال الذي يسعى إليه النظام، فالزمن بنظر المستبد أكبر عامل من عوامل النسيان للحقوق والذوبان في الواقع الآني، وكسر العادة في زمن الاستعباد خطوة صحيحة ومهمة باتجاه التحرر.

ومن الجيد كسب بعض أصوات المؤيدين (للعظم) في انقلابهم على النظام بسبب لقمة عيشهم ورغيف خبزهم، ولجم ما بقي من أذنابه، ممن يتملق وينافق وينفخ بكيره، وهذا مما لا شك فيه إجراء سيقلب الطاولة على اللاعبين بمصير هذا البلد.
وللتنويه، فإن هذا الكلام ليس متأخرا، بل هو مواصلة لما بدأ به أبناء سوريا في ثورتهم، ونصحا لأهلنا في الداخل الذين يقمعهم النظام بأجهزته الفاسدة.

 

ويجدر بنا التعريف بأصناف شعبنا الذين في قبضة المجرم وتحت سيطرته حسب نظرتهم إلى الثورة، وهم الذين يقاسون وطأة هذا الحصار الخانق المفروض عليهم من حاكمهم بسياسته الاستبدادية العنصرية.

فمنهم فئة المستضعفين (وهم كثر)، هؤلاء قلوبهم مع الثورة وضد النظام قديما وحديثا، ولكنهم لم يقدروا على الخروج من البلد، ولم يتكلموا ضعفا وخوفا وصبرا.

ومنهم المغفّلون المنافقون الذين وقفوا مع النظام ودافعوا عنه (للمصلحة) ثم ظهر لهم سوء تفكيرهم وخبلهم، بعدما تضررت مصالحهم، وآلت أحوال البلاد إلى هذا الواقع المخزي، فخابت مساعيهم أدراج الرياح بطوابير الذل والعار.

وكذلك الذين فضّلوا الحياد في ثورتنا، فأدركوا بعد سنوات أنهم قد خُدعوا، وحيادهم عاد عليهم بالويلات، فلا هم سلموا من نار النظام، ولا ضمائرهم تغفر لهم وقوفهم السلبي وهم يرون خراب البلاد والعباد على يد جزار يحرق الأخضر واليابس فداء عرشه، فأصبحت حياتهم جحيما، فيتمنون لو أنهم وقفوا مع إرادة الشعب في إسقاط المجرم ومحاسبته. فلعل هذه الرسالة مواتية لإيقاظ وإنقاذ هذه الأصناف الثلاث.

 

لقد آن الأوان للسوريين أن يرتاحوا ويستقروا، وينفضوا عنهم غبار التعب وهموم الحرب والذل والمعاناة، فهل بقيت مأساة لم يذقها هذا السوري في بلده؟

 

وماذا ينتظر أكثر من ذلك؟ وهل صمته وطأطأة رأسه وقبوله بالذل كاف لرد ما خسره وبكى عليه؟
إذن .. فعلى ماذا يخاف السوري بعد ذلك؟

 

أيها السوري الأبي، الحل الوحيد الآن أن تقف على قدميك، رافضا واقعك المظلم، وتبتكر ما يجعلك حرا حقا، فيخرجك من جحيم وضعك فيه حاكمك وظالمك وخوفك، فلتكمل طريق مئات الآلاف من الشهداء الأبطال، ومثلهم من المفقودين والمعتقلين، وأضعافهم من المهجَّرين، قبل فوات الأوان، فإن أسكتك خوفك فستفضحك الدماء والآهات والدموع والأنين والنظرات المنكسرة التي تلاحقك في يقظتك وفي منامك، بل ستكون وصمة عار في تاريخك ونسلك، فاخرج من دائرة الذل والمهانة، وكن شعلة جديدة تضيء درب من معك، وطريق من خلفك، فالنصر أصبح قاب قوسين أو أدنى فاختر أي الفريقين ستكون فيه.

وليعلم الجميع أن ثورتنا السورية المباركة ما كانت يوما ثورة جياع، ولا ثورة رغيف ودولار، بل هي ثورة شعبية على الظلم والظالم، ثورة نادت بالحرية والكرامة والعدالة.

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.