شعار قسم مدونات

منعطف فلسطيني خطير

القيادة الفلسطينية وفي الخلفية صورة لقبة الصخرة بالمسجد الأقصى

 

منعطف خطير تمرّ به القضية الفلسطينية يستدعي تدخلا عربيا وإسلاميا عاجلا، ينهي مهزلة تصارع القيادة الفلسطينية الهرمة التي آثرت بقاءها في السلطة على المصالح العليا للشعب الفلسطيني.

لا يخفى على أحد أن العقدين الماضيين شهدا أزمة وطنية فلسطينية كانت حاسمة في تحول الصراع الفلسطيني من معركة نضالية للتحرر يجمع على دعمها وتأييدها كل مسلم وعربي وحر في هذا العالم، إلى انقسام ونزاع داخلي يعاني من ويلاته الشعب الفلسطيني، وأثر سلبا في التعاطي الدولي والإقليمي مع الملف الفلسطيني وآخر ذلك التأثير "صفقة القرن" وما تبعها من انتكاسات على القضية الفلسطينية.

أنهت حركة حماس في قطاع غزة انتخاباتها الداخلية مؤخرا، وأظهرت بوضوح المزيد من التمكين للذراع العسكري للحركة، كتائب الشهيد عز الدين القسام، وهي أولوية بالنسبة للذراع العسكري لاستدامة العلاقة مع إيران والحفاظ على الدعم الذي تقدمه للحركة، ومنع أي فرص من داخل الحركة لتقويض هذه العلاقة التي أضرّت بالحركة على صعيد عمقها العربي والإسلامي.

أما الخطوة الأكثر تأثيرا على مستقبل الحركة خصوصا، ومستقبل القضية الفلسطينية عموما، هي التصالح الذي جرى بوساطة مصرية بين الحركة وبين ما يعرف بــ"التيار الإصلاحي" الذي يقوده محمد دحلان. وحينما يذكر محمد دحلان فإنه يجب استحضار الانقسام الفلسطيني الذي خلف أكثر من 300 قتيل و500 مصاب في صيف عام 2007، ونتج عنه هروب دحلان والمئات من عناصر الأمن الوقائي الذي كان يقوده إثر انهزامه في المواجهة مع حركة حماس التي سيطرت فيما بعد على قطاع غزة.

المصالحة التي تمت إثر اجتماعات مكثفة جرت خلال السنوات القليلة الماضية، نجحت بفعل إغراءات وتسهيلات قدمتها السلطات المصرية لحركة حماس، أبرزها تحسين آلية العمل على معبر رفح. مقابل ذلك سمحت حماس لدحلان بإعادة العشرات من عناصره من الإمارات والقاهرة إلى قطاع غزة، وأبرزهم رشيد أبو شباك أحد أذرع "أبو فادي" منذ قبل خروجه من قطاع غزة عام 2007.

وتتزامن عودة دحلان إلى قطاع غزة مع المرسوم الرئاسي الفلسطيني الصادر بتاريخ 15 يناير/كانون الثاني 2021 بشأن إجراء انتخابات تشريعية بتاريخ 22 مايو/أيار 2021، ورئاسية بتاريخ 31 يوليو/تموز 2021.

بعد أن فشلت كل المحاولات السابقة -سواء في القاهرة أو إسطنبول أو الدوحة أو مكة- لإنهاء الانقسام الفلسطيني، أظهر قرار الحركة الأخير أنها اختارت أن تواصل مواجهتها مع حركة فتح، فقبل عام 2007 وفي خضم المواجهة بين الجناح العسكري لحركة حماس وجهاز الأمن الوقائي في قطاع غزة، فوتت الحركة الكثير من الفرص لتصفية محمد دحلان، أسوة بما فعلته مع عدد من قيادات الجهاز، لأنها تعلم جيدا أن دحلان هو الرصاصة الوحيدة القاتلة لحركة فتح، وهو الشخص الأكثر أهلية للقدرة على مواجهة الرئيس محمود عباس لعدة أسباب، أبرزها حصوله على الدعم الأميركي والإسرائيلي الكافي لهذه المعركة، والشبهات التي تدور حول كليهما في تصفية ياسر عرفات.

لذلك ستمنح الحركة دحلانَ الشرعية الجماهيرية المطلوبة لإطلاق حملته الانتخابية لمنافسة قائمة حركة فتح الانتخابية برئاسة محمود عباس، وأرضية مناسبة لاستمرار معركته ضد اللجنة المركزية لحركة فتح التي وافقت على طرده من مجلسها الثوري، وساهمت في صدور قرار بسجنه لمدة عامين بتهمة الإضرار بـ"بمؤسسات الدولة". مقابل ذلك ستحصل حماس على تسهيلات من الجانب المصري بشأن معبر رفح، وكذلك سيتسلم دحلان إدارة الجهاز الحكومي في قطاع غزة لتخليص الحركة من أزمات مثل الكهرباء والمعابر، والأهم هو توليه المعركة ضد فتح في الضفة وتنحي حماس عن الجهاز الحكومي سياسيا.

أولى نتائج السماح لدحلان بالعمل من غزة -وقد قام بتجديد بطاقة هويته مؤخرا تمهيدا على ما يبدو لمعركة الانتخابات الرئاسية- هو الانقسام الذي تشهده فتح، سواء بتشكيل قوائم لنبيل عمرو وسلام فياض وناصر القدوة الذي عرض دحلان عليهم الانضمام إلى كتلته البرلمانية، وهي إشارة لا تبشر بخير بالنسبة لحركة فتح، فحماس تراهن على أن تكون هذه الجولة من الصراع بين دحلان والرئيس عباس القاضية بالنسبة لفتح، فمن تبقى من أعضاء اللجنة المركزية لا يمكن استحضار وجوده على المستوى الشعبي بالنسبة للحركة، كذلك فإن الشخصية الأكثر قوة في رام الله -وهو السجين مروان البرغوثي- رفض حتى الآن الانضمام إلى قائمة فتح، وهناك حديث يدور حول نيته الترشح للانتخابات الرئاسية.

لذلك فإن نتائج هذه المعركة -سواء حدثت انتخابات، أو لم تحدث استجابة لطلب نداف أرغمان رئيس الشاباك الجديد الذي زار عباس في المقاطعة وقدم له طلبا بإلغاء الانتخابات الفلسطينية- ستكون كارثية على حركة فتح، وستزيد من تفتيتها إلى جماعات صغيرة، سيتبعها انهيار كامل لمنظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، وهي خطوة تسعى إليها إسرائيل وتتمناها حماس.

فإسرائيل ترى في ذلك إنهاء لوجود ممثل شرعي معترف به دوليا للفلسطينيين، وتبريرا مقنعا لتمرير صفقات التطبيع التي تسعى لها أمام ضعف الدبلوماسية الفلسطينية. كذلك فإن حماس ترى في إنهاء السلطة فرصة للقضاء على دورها في تطبيق التنسيق الأمني وحماية المستوطنات الإسرائيلية، وبالتالي إنهاء القبضة الأمنية المفروضة على العمل المقاوم في الضفة المحتلة.

لذلك يمكن أن نبدأ من الآن فصاعدا جولة جديدة من الانقسام الفلسطيني، تتعلق بمواجهة بين تيار يقوده محمد دحلان ويتمركز في قطاع غزة، وآخر يقوده الرئيس محمود عباس ويتحصن في رام الله، بالمقابل ستلعب حماس الدور الذي لعبه حزب الله في لبنان خلال الأزمات المتعاقبة التي شهدتها الحكومات اللبنانية المختلفة.

إذن، نظريا، الانتخابات التشريعية أواخر مايو/أيار والانتخابات الرئاسية أواخر يوليو/تموز. عمليا، ما زال موضوع الانتخابات التشريعية غير محسوم بشكل نهائي لعدة أسباب، أهمها أننا ما زلنا بانتظار إجابة اسرائيلية حول عقد الانتخابات في القدس، وإجابة أخرى حول لوجستيات عقد الانتخابات في الضفة الغربية وقطاع غزة، فلطالما كانت حجة القيادة الفلسطينية لتأجيل الانتخابات هو ضرورة عقدها في كل أجزاء الوطن، وعليه: هل ستقبل القيادة إجراء الانتخابات هذه المرة في حال لم تسهل دولة الاحتلال الإجراءات اللوجستية لتمكين المواطن الفلسطيني المقدسي من ممارسة حقه الطبيعي؟

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.