شعار قسم مدونات

شخصية نسائية أشاد القرآن بحيائها

 

حياء امرأة سجله القرآن الكريم، في قصة موسى عليه السلام حين ورد ماء مدين، فوجد الناس يستسقون، وكان من ضمن الجموع سيدتان فسقى لهما، وهنا بدأت قصة الحياء المسجل في القرآن الكريم.

لقد نظم الإسلام العلاقات ووضع قيما إنسانية قابضة بحيويتها وفاعلة بقوة تأثيرها في جوانب حياتنا وقادرة على تهذيب الغرائز البشرية وربطها بما يجعلها منتظمة لتناسب البيئة التي يعيشها الإنسان.

وفي هذا السياق جاء القرآن الكريم مليئا بالقيم الإنسانية العليا التي ترتكز في طبيعتها على العلاقات الإنسانية، سواء ما يخص العلاقة الفردية أو الجماعية، فقد نظم الإسلام شؤون الحياة بشكل يراعي متطلبات النفس وغرائزها، وهنا سجل القرآن حالة حياء في العلاقات بين امرأة ورجل وهو ما استدعى التوقف مني عند هذه الحالة التي دونت في ديوان باق، حيث عادة ما تكون تصرفات الإنسان عفوية ونابعة من تصوراته للأشياء ومعتقداته.

غير أن تلك الواقعة استدعت التسجيل في هذا الكتاب الذي سيتلى على مر السنين، لتكون هذه القيمة الأخلاقية إضافة نوعية، خاصة إذا صدرت من امرأة، ومن عادة النساء الحياء، لكن الحال هنا تختلف فلم يتم اختيار صفات أخرى قد تهم البعض مثل اللون والطول والشكل وغيرها، مما يجعل لهذه الصفة في هذا المحل خصوصية أنثوية أكثر.

 

مفهوم الحياء

يتصور المرأة الحياء بناء على ثقافته وبيئته واعتقاداته، إلا أن القاسم المشترك في كل التصورات للحياء هو حبه وقبوله ليكون قيمة إنسانية، فقد جاء الحديث بتوسيع مفهوم الحياء وربطه بالعمل، حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم "إذا لم تستحي فاصنع ما شئت"، في هذه الدلالة الحيائية القابضة على الحركة والفعل يسع الإنسان أن يتحرك في دائرة الحياء ولا يخرج عنها في أي حركة للإنسان يقيدها في ذهنه الحياء ويحبب إليه فعلها أو يكرهها إليه.

إن الحياء بهذا المفهوم هو ما تنبع منه القيم وتصدر عنه القوانين الداعية للرحمة والتعاطف واحترام الإنسان وحقوقه فالحياء يسيطر على الأفعال سيطرة تحسينية وتقبيحية وهذا ما يجعل قيمة الحياء قيمة حيوية في جميع مجالات العلاقات الإنسانية وتنظيمها ضمن أسس حيائية.

لقد عبر القرآن في سورة الأعراف عن الحياء بلباس التقوى حيث جاء في قوله تعالى:

( يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا ۖ وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ۚ ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ) "الأعراف" "لباس التقوى يعني ‌الحياء" أبو حامد الغزالي، إحياء علوم الدين (1/ 5).

 

الحياء في النساء

تتجلى قيمة الحياء في النساء بشكل يجعل المرأة عنصرا لا يستغني عن الحياء استغناء الطعام عن الملح، فحياء المرأة تعبير عن قيم جماعية وسمو أخلاق ومكانة تربية، ولهذا جدير بكل امرأة أن تلبس ثوب الحياء وتتقلد طريقه بعزة وكرامة وشرف، لتحفظ نفسها وتدخل سباق الحياة وتزاحم في معترك السبق مرتدية زي الحياء كشعار أخلاقي وقيم.

فلكل إنسان قدوة حسنة يقتدي بها ويسلك سبيلها بالإعجاب والمحاكاة، ومن تسلك سبيل الحياء تكون سيدة أشاد القرآن بحيائها حينما جاءت تخاطب موسى عليه السلام في ثوب من الحياء ورداء من الاحترام، هذه المرأة التي سجل الله لها سمة في عالم الحياء في ديوان سيبقى يتلى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها لحري بكل امرأة الاقتداء بها والسير في مرابع الحياء.

فالحياء خلق كريم يستحق الإشادة والذكر وهو ما جعل القرآن يصف به السيدة مع جملة من الأخلاق الأخرى التي لم يذكر منها إلا الحياء، وفي هذا السياق يتأكد عنصر الحياء وضرورة إدراجه ضمن المفاهيم التربوية والتعليمية والاجتماعية في علاقتنا.
إذا غاب الحياء عن الأمم غاب عنها عنصر مهم وحرمت من قيم عبر عنها الشاعر بالأخلاق:

إنما الأمم الأخلاق ما بقيت أخلاقهم

فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا

ويعتبر الحياء قيمة أخلاقية مرتبطة بحسن الخلق، حيث يكمل كل منهما الآخر ويوافقه: "علامات حسن الخلق فقال هو أن يكون كثير ‌الحياء قليل الأذى كثير الصلاح صدوق اللسان قليل الكلام كثير العمل قليل الزلل قليل الفضول براً وصولاً وقوراً صبوراً شكورا رضيا حليما رفيقاً عفيفاً شفيقاً لا لعاناً ولا سباباً ولا نماماً ولا مغتاباً ولا عجولاً ولا حقوداً ولا بخيلاً ولا حسوداً بشاشاً هشاشاً" أبو حامد الغزالي، إحياء علوم الدين (3/ 70)

 

فاقد الحياء

من نقص حياؤه قلت أخلاقه وساءت معاملته، لقد يشتكي البعض من نقص خلق الحياء في عالمنا اليوم لما تقدمه المادة الإعلامية في كافات مجالات الإنتاج الإعلامي الموجه خاصة لهتك عرى الحياء والتقليل من قيمته.

لقد قامت قنوات الخلاعة ومواقعها بتشويه مفهوم الحياء واعتباره منقصة في النساء يجب إبعاده ومحاربته، وهو ما جيشت له جيوشها وخططت له خططها ووضعت في برامجها كثيرا مما يخدش الحياء، وتعتبره سلبا للحرية وتقييدا للرأي ومانعا من ولوج التحضر تحت أسماء كثيرة.

إن الحياء قيمة إنسانية يجب المحافظة عليها من كل جهة، وهنا يتوجب على المؤسسات التعليمية والأسرية تنمية ثقافة الحياء وربطه بالأخلاق الحميدة كما سجله القرآن الكريم عن سيدة جاءت مخاطبة سيدنا موسى عليه السلام كما يصور في سورة القصص، بشكل واضح حيث جاءته تمشي على استحياء، فالحياء ليس انفصالا عن الحياة ولا انعزالا عن الواجبات.

 

الحياء ترفع عن السفاسف

قد ينجر البعض لقلة حياء إلى سوء قول أو سوء فعل لنعكس بذلك حجم أخلاقه، فالترفع عن السفاسف وعدم مواجهة أصحابه لهو حياء محمود لا يقدر على فعله والصبر عليه إلا قليل ممن تحلى بحلية الحياء وتزين به.

وهنا نترك للقارئ مراجعة الآية وقراءتها في سياقها القصصي والأخلاقي ليتملى منها بشكل مستقل دون أن يحال بينه وبين

 

النص وسياقه الإخباري

( وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ ۖ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا ۖ قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ۖ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ۚ فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ ۖ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ۖ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ ۖ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ ۖ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ ۚ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27) قَالَ ذَٰلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ ۖ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ ۖ وَاللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (28)) "القصص".

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.