شعار قسم مدونات

اليوم العالمي "لست الكل"

 

سؤال يطرح نفسه ونحن في شهر المرأة، هل ما حدث في القرن الأخير يعد تمكينا للمرأة كما نادى المثقفون والمتفتحون والحقوقيون أم هو كمين وليس تمكينا؟

نعم كمين..

كمين تم نصبه للمرأة يوم أقنعها هؤلاء بأنها مهضومة الحق، وسليبة الإرادة، ويجب أن تشمر عن ذراعيها لتستعيد حقها الضائع من فم الأسد بكامل إرادتها.

 

لقد تأملت النظر في الحركة الفنية التي عاصرتها، وأنا من جيل الثمانينيات، حيث كبرنا على رفع راية مساواة المرأة بالرجل، وتم الغناء لها منذ الطفولة الأولى (البنت زي الولد مهيش كمالة عدد) بطريقة الفنانة سعاد حسني في الثمانينيات.

وبغض النظر عن أن هذا كله كان من أجل إحداث تغيير مجتمعي لنظرة خاطئة للمرأة ومساحتها، وإن كان في هذا شيء من الصحة لا غضاضة فيه؛ لكن هل اتجهت البوصلة في الاتجاه الصحيح؟

 

بالطبع لا، وبدلا من تمكين المرأة أرى أنها سقطت في الكمين.

كيف ذلك؟ دعاوٍ مستميتة من أصحاب حقوق المرأة أدت بها إلى مساواة غير عادلة، استنزفت قدرات المرأة وطاقتها، وتركتها تعاني الآن إما داخل عيادات الطب النفسي لأصحاب المستويات الاقتصادية العليا القادرين على استشارة نفسية باهظة الثمن -لا بد أن تدفع ثمنها من مالها الخاص- وإما داخل غرف الشات والفضفضة الإلكترونية للسواد الأعظم، والأغلبية من النساء المتخفيات خلف صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، فأصبحوا يتندمون ليل نهار على تحمل مسؤوليات تفوق قدراتهم فأصبح لقب "المرأة المستقلة القوية" (strong independent women) يثير الشفقة على النساء، فما إن نقرأه إلا ونتخيل هذه المسكينة (العاملة والأم والزوجة والمدرسة والطبيبة والمعيلة ماديا لتوفير الاحتياجات) جميعهن في امرأة واحدة، وبعد أن وصلت المرأة لهذه المكانة الموهومة بالروعة يقال لها:

عفوا امرأه واحدة لا تكفي

بطريقة الفنان أحمد ذكي في التسعينيات، فقد أهملت زوجك وله احتياجات، وعليك أن تشاهدي المسلسلات والأفلام، وتتعلمي من الفنانات كيف تهتمين بالرجل، فقد وفرت لك الحركة الفنية رصيدا كبيرا من الدراما، فمن خلال المشاعر الفياضة والهمسات والنظرات واللمسات، التي ستشاهدينها ليل نهار على الشاشات من المؤكد أن حياتك معه ستنجح نجاحا باهرا.

ولكن عذرا للأسف نسينا أن نقول لك إنهن مجموعة من الممثلات المطلقات غالبا، أو المكتفيات بأنفسهن أحيانا، وغالبا يقلدون مارلين مونرو على طريقة الفنانة هند رستم؛ لكن لا تقلقي، فلك ظهير قوي من الحقوقيين يسعون لتحريرك في الليل قبل النهار، وحمايتك -أنت وأبناؤك- فحياتك الشخصية هي شغلهم الشاغل، وأبناؤك قرة عينك هم هدفهم، وبالتالي لن يقصروا معهم أبدا، ولن تنساهم الحركة الفنية أيضا، فما بين محمد سعد (اللنبي) ومحمد رمضان (عبده موتا) خرج لنا نموذج من الأبناء لا يخفى علينا أسلوبهم وطريقتهم مع أمهاتهم ومع المجتمع كاملا.

ونقفز بالمشهد الحقوقي إلى المستجدات الأخيرة، فيصارع الحقوقيون مرة أخرى لإصدار القوانين التي تجعل "ست الكل" تستكمل الصراع ضد الرجل حتى تحافظ على حقها الضائع في الانفراد به وحدها بقانون معاقبة تعدد الزوجات الجديد، لندخل مرحلة جديدة مجتمعية من الدعوة للاستغناء عن هذا الكائن "الرجل" بالكامل، فهو سبب آلامك وأحزانك، وكيف يحق له كل شيء، ثم يشك بك لخروج رجل من غرفتك على طريقة (ده هاني) للفنانة أروى جودة.

 

فالحل بالاستغناء عنه اتباعا لطريقة (أيوه أنا سنجل) لأبلة فاهيتا ودرة.

وهنا يصفق لك المجتمع الحقوقي على شجاعتك وقوتك لقرارك الصائب ولتحتفلي به على الطريقة الحديثة (وأخيرا تطلقت) و(السنغلة جنتلة)  في 2020.

واهتمي بجمالك ونفسك أيتها الفراشة واستعيدي نفسك، وسافري، واعملي، وانفخي شفتيك، وارسمي حاجبيك، ونحفي خاصرتك، فقد أهملت جمالك في سنوات الضياع.

وبعد سنوات كثيرة ندخل للمشهد الختامي لهذا العمل الفني الهابط لهؤلاء الحقوقيين، هم أنفسهم، وهم يقولون لك اذهبي في أمان لدار مسنين؛ لتنهي كفاح حياتك بدون إزعاج، فقد أزعجتنا طوال الحياة بما فيه الكفاية. واطمئني سنسعى ليكفل لك الدستور حقك في دار رعاية بشكل يليق بك كما نفعل عندنا في الغرب تماما.

 

لكن إلى متى؟

إلى متى ستتوهم المرأة أن ما يأتي لها من الغرب وتصيغه الحركة الفنية والدراما اللا أخلاقية هو الحرية؟ فاعلمي أيتها الغالية أنك بالنسبة لهم لست إلا مجرد (عود البطل ملفوف) على طريقة أغاني المهرجانات، وينتهي دورك بالنسبة لهم عندما تمانعينهم في إظهاره.

 

فلتنتبهي يا "ست الكل" إنها ليست حرية التمكين؛ لكنها حرية يكفلها لك الحقوقيون لتصرخي بكامل حريتك داخل الكمين.

لن أعرض حلولا، فالحل عند "ست الكل".

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.