شعار قسم مدونات

كلوب هاوس.. صعود صاروخي وأسئلة متعددة

 

شهدت السنوات الأخيرة طفرة منقطعة النظير في انتشار وسائل التواصل الحديثة من خلال كثرة التطبيقات وتنوعها وتعدد اختصاصاتها، حيث اخترقت كل الحدود ودخلت كل البيوت؛ مما ساهم في ارتفاع عدد مستخدميها بشكل غير مسبوق في مختلف أنحاء العالم، وصار الانسان أحيانا أسير هاتفه الذكي، حيث يقضي معه وقتا أكثر من العائلة والأصحاب، وأصبح التواصل عبر هذه الوسائط الحديثة كافيا للكثير من الناس كوسيلة جديدة للمحافظة على العلاقات الاجتماعية، فمن خلال واتساب أو سيغنال أو فايبر، يمكنهم التحدث مع أقاربهم وأصدقائهم بدون الحاجة إلى قطع المسافات الطويلة للقائهم.

كذلك مثلت هذه التطبيقات مصدرا جديدا للمعلومة، حيث أخذت في كثير من الأحيان مكان وسائل الإعلام التقليدية، وأصبحت قراءة خبر على تويترأو مقال على فيسبوك أو تصفح بعض الصور على إنستغرام أو حتى بعض الفيديوهات على التيك توك كافية لاستقاء معلومات جديدة، ومعرفة ما يدور حول العالم في بضع دقائق.

لا يمكن حصر كل الخدمات التي توفرها وسائل التواصل الحديثة، حيث أصبحت تغطي كل مجالات الحياة وتقدم الأجوبة السريعة لاحتياجات الإنسان في كل أصقاع الأرض، مما جعل كبرى الشركات التي تشتغل في هذا المجال تتنافس من أجل القيام بتحسينات في تطبيقاتها بصفة دورية للمحافظة على مشتركيها وروادها.

مثلت جائحة كورونا وما فرضته من إجراءات مشددة؛ كان أبرزها منع التجمعات وإلزام الناس بالمكوث في بيوتهم، منعطفا كبيرا حيث ارتفعت نسبة مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، ولعل أبرز مولود في السنة الأخيرة هو تطبيق "كلوب هاوس" (Clubhouse).

"كلوب هاوس" هو تطبيق دردشة صوتية جديد وسري، تم إطلاقه عام 2020 بواسطة شركة "ألفا إكسبلوريشن" (Alpha Exploration)، ولا يمكن استخدامه إلا من خلال دعوة، حيث يشترط أن يدعوك أحد مستخدمي هذا التطبيق لتشارك في غرف النقاش.

وقد انتشر بشكل كبير خلال جائحة فيروس كورونا، عندما لم يتمكن الناس من الاجتماع وجها لوجه، ولوحظ انتشاره في العالم العربي مع بداية 2021، مع الإشارة إلى أنه خاص فقط بمستخدمي هاتف "آيفون" (iPhone).

باختصار شديد، يتيح لك "كلوب هاوس" إنشاء "غرف" والانضمام إليها، حيث تستطيع بعد ذلك الدردشة مع الآخرين في مكالمة جماعية كبيرة. لا توجد صور أو مقاطع فيديو أو حتى نصوص، فقط صوتك وصوت الآخرين، ويمكن للمستخدمين الانضمام ومغادرة المكالمة في أي وقت، وتحويل أي غرفة إلى قاعة اجتماعات عامة.

يمكنك أيضا أن تطرح الموضوع الذي تريده، وتستدعي له الناس، أو تشارك في الموضوع الذي تريده من المواضيع المطروحة والمختلفة، والتي تمس مختلف مجالات الحياة.

 

نادي الأثرياء والنخبة

يطلق بعض نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي على تطبيق "كلوب هاوس" نادي الأثرياء، ويسميه آخرون بتطبيق النخبة، حيث انتشر هذا المولود الجديد لدى النخب، وخاصة المسؤولون الرسميون والإعلاميون والنشطاء والكتاب، والذين بدورهم يستدعون من يشبههم في التفكير؛ مما جعل النقاشات داخله نخبوية، وتحقق الإفادة في كثير من الأحيان. أما في العالم العربي فيمكن الجزم إلى حد الآن أن تطبيق "كلوب هاوس" يضم أغلبية ساحقة من النخبة، التي تستخدم جهاز "آيفون"، وأغلبهم من الإعلاميين المعروفين والسياسيين والنشطاء، الذين أصبحوا يعقدون ندوات حول قضايا تهم دولهم خصيصا والعالم العربي عموما.

 

تراجع في استعمال وسائل التواصل الأخرى

عند متابعة الحسابات الرسمية خاصة على تويتر أو فيسبوك لدى العديد من النشطاء، الذين أصبحوا يستعملون تطبيق "كلوب هاوس"، نلاحظ تراجعا كبيرا في تفاعلاتهم عبر تلك الوسائط، حيث أصبحوا يقضون الكثير من الوقت والطاقة في طرح آرائهم وأفكارهم داخل هذه المنصة الجديدة.

ربما هذا المعطى المهم سيجعل وسائل التواصل التقليدية تفكر في إنشاء منصات منافسة لـ"كلوب هاوس" في محاولة للمحافظة على روادها ومستخدميها خاصة من النخب السياسية والأكاديمية والإعلامية.

 

الجانب الأمني

خلافا لما ورد في بعض التقارير التي طرحت مجموعة من المشكلات الأمنية خاصة فيما يتعلق بتسجيل المحادثات، بغض النظر عن الردود التي قدمتها الشركة المؤسسة لتطبيق "كلوب هاوس"، فإن الغالب لدى مستخدميه أنه آمن، ويمكنهم أن يطرحوا فيه أفكارهم بكل أريحية.

أما في عالمنا العربي تختلف المسألة كثيرا؛ لأنه كما ذكرنا سالفا أن هذا التطبيق يضم نخبة من النشطاء، خاصة المعارضون السياسيون والمحكوم على أغلبهم غيابيا بالسجن؛ مما يجعل الأنظمة قادرة بكل سهولة على اختراق هذه المحادثات والمشاركة فيها والاطلاع الدائم على أفكار معارضيها، لا سيما أن هناك ثلة من الإعلاميين والنشطاء العرب يقضون الساعات الطويلة في النقاش حول قضايا تخص بلدانهم، خاصة القضايا السياسية منها.

 

نوع من الإدمان

اتصلت بكثير من أصدقائي، الذين يستخدمون تطبيق "كلوب هاوس"، فاستغربت من كمية الوقت غير المعقولة، التي يقضيها بعضهم في النقاشات، حتى أصبح استعماله يمثل نوعا من الإدمان، الذي سيؤثر على حياة المستخدم وعلاقته بعائلته وعمله، خاصة قلة النوم نظرا للرغبة الشديدة في مواصلة النقاش.

أحدهم سألته عن كيفية استخدامه لهذا التطبيق، فأجابني "لا أستطيع النوم إلى الساعة السابعة صباحا"، هنا يجدر بنا الإشارة إلى أن الاستعمال السلبي لهذا التطبيق يمكن أن ينتج مخلفات سلبية على مستخدميه.

عودا على كل ما ذكرت، يمكننا اعتبار تطبيق "كلوب هاوس" سلاحا ذا حدين إذا تحكمنا فيه أفادنا، وإذا تحكم فينا أبادنا، حيث إن استخدامه بطريقة سليمة ومنظمة والمشاركة في مواضيع هادفة يمكن أن يحقق الإضافة، أما الاستسلام إلى رغباتنا والاستعمال العشوائي يمكن أن يسبب عدة آثار سلبية على حياتنا اليومية.

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.