شعار قسم مدونات

سوريا.. نحو قسط من الراحة قريبا؟

 

في مقال سابق لنا حول الإدارة الأميركية الجديدة ومستقبل المنطقة، توقعنا أن الملف السوري سيؤخذ خلال المرحلة المقبلة لفترة من الراحة، بعد أن تم إنجاز المهمة بنسبة كبيرة في تدمير البلد وتفتيته اجتماعيا. مع ذلك لا بد من الإشارة إلى أن المخطط الأصلي لم يتم الوصول إليه في سوريا بعد.

المخطط الأصلي كان يتضمن تفتيت سوريا سياسيا باستخدام الورقة الكردية، وهذا ما كان على وشك التحقق فعليا لولا التدخل التركي في اللحظات الأخيرة في عملية درع الفرات، والتي تبعتها عمليات غصن الزيتون وشرق الفرات.

التدخل التركي في سوريا أنقذ برأينا المنطقة بأسرها من مخطط التقسيم، الذي لو تم في شمال وشرق سوريا، فإنه لم يكن ليتوقف قبل أن يفتت المنطقة بأسرها انطلاقا من سوريا ومرورا بتركيا والعراق وإيران ووصولا إلى الخليج ومن ثم مصر وليبيا. نعم لا تستغرب، فتأثير الدومينو حقيقي للغاية في منطقتنا القائمة على تركيبة ديموغرافية معقدة ومتداخلة للغاية؛ لذلك فإن تقسيم أي بلد في المنطقة سوف ينتقل تلقائيا إلى الدول الأخرى. ولا بد من التذكير أن القوى الساعية لتقسيم المنطقة والتي تدرك تماما هذه الحقيقة، استعملت الورقة الكردية بشكل جدي في كل من العراق (استفتاء كردستان عام 2017)، وسوريا خلال السنوات الأخيرة، إلا أن المخطط لم يكتب له النجاح بسبب وجود قوى فعالة معارضة للتقسيم، وعلى رأسها إيران وتركيا.

 

 

أما بالنسبة لإيران، فهي تعارض التقسيم؛ لأنه يتعارض مع مخططها في إقامة الهلال الشيعي وصولا إلى المتوسط، أما تركيا فإن مسألة التقسيم مرتبطة بأمنها القومي ووحدتها الترابية؛ نظرا لتداخل المكونات الديموغرافية على طرفي الحدود السورية التركية العراقية. ولعل ما ذكره غسان عبود، رجل الأعمال السوري المعارض المعروف، في مقال صحفي عن تلقيه اتصالا من آصف شوكت في بدايات الأزمة السورية، وعرض تقسيم البلد من خلال إقامة دويلة علوية في الساحل ودويلة سنية في الداخل، يندرج في رحاب مخطط التقسيم هذا، وربما كان هذا التوجه لدى آصف شوكت أحد أسباب اغتياله مع خلية الأزمة عام 2012 بتوجيه ودعم إيراني.

سوريا.. نحو قسط من الراحة؟

حسنا، قلنا إذن بأن المخطط المصمم لسوريا تم إنجازه بصورة كبيرة؛ لكنه لم يكتمل بعد بسبب تظافر العديد من الظروف الإقليمية والدولية المعاكسة، وعلى رأسها التدخل التركي؛ لذلك فإن الملف السوري سوف يأخذ برأينا قسطا من الراحة في انتظار إكماله بعد معالجة الإشكالية في الملف التركي، الذي يقف حجر عثرة في وجه التقسيم.

وهذا في الحقيقة ما صرح به بايدن عندما وعد باستهداف الحكومة التركية سياسيا، وتقديم الدعم اللازم للمعارضة. غني عن الذكر طبعا أن تركيا لم تعد بلدا من جمهوريات الموز؛ لذلك فإن التعهد باستهدافها لن يكون تحصيل حاصل، حتى بالنسبة للولايات المتحدة.
لكن السؤال هو ماذا يعني أن سوريا يمكن أن تعيش قسطا من الراحة في الفترة المقبلة؟ ولماذا نعتقد ذلك؟

2021 لن تمنح بشار الأسد ولاية جديدة على الأغلب، سيناريوهات البديل متعددة؛ لكن مهما يكن البديل، فلا بد أن يكون حاصلا على توافق دولي، نتيجة لذلك فإن سوريا ستعيش قسطا من الراحة المؤقتة على المستوى الاقتصادي، سيكون ذلك نتيجة رفع جزئي للعقوبات، وبدء عملية محدودة لإعادة الإعمار، وما قد يرافقها من نشاط اقتصادي، وتوفير بعض فرص العمل التي من الممكن أن تحسن الظروف الاقتصادية للسوريين ولو نسبيا.

 

عدة عوامل ومؤشرات تدل على أن بشار الأسد لن يبقى رئيسا لولاية جديدة.

الضغط الاقتصادي غير المسبوق منذ بداية الأزمة والتخلي الروسي: 

وصل الدولار لما يقارب 4 آلاف ليرة سورية، يعيش المواطن السوري اليوم صراعا لسد رمقه. الأزمة الاقتصادية كانت موجودة أصلا بفعل سنوات الحرب؛ لكنها تعمقت كثيرا في عام 2020 بعد دخول قانون قيصر حيز التنفيذ، إضافة إلى الآثار الكارثية لجائحة كورونا، وتدهور الأوضاع في لبنان الذي يعد الرئة المالية لسوريا.

وإن استمرار وتعمق الأزمة المالية والاقتصادية بهذا الشكل، إضافة إلى تخلي أقرب الحلفاء مثل روسيا عن تقديم أي دعم مالي للنظام، يعد أحد أهم المؤشرات القوية على أن الأسد لن يبقى؛ لعدم وجود أي لاعب جاهز لدفع ثمن بقائه.

الممثل الخاص للرئيس الروسي في سوريا ألكسندر يفيموف أكد صراحة بأن بلاده غير مستعدة لدعم اقتصاد النظام، الذي يشهد حالة من الانهيار، وبأن مسألة تخصيص الأموال للدعم ليست سهلة للغاية؛ لأن روسيا نفسها اليوم تحت تأثير العقوبات، وتعاني من ركود اقتصادي بسبب جائحة كورونا.

فهل يستطيع الأسد نفسه تأمين فاتورة بقائه في السلطة؟

نظريا، ربما يكون عقد صفقة مع إسرائيل لتوقيع اتفاقية للتطبيع العلني إضافة الى تحجيم النفوذ العسكري الإيراني في سوريا ثمنا كافيا للتمديد لبشار الأسد؛ لكن هل يملك الأسد القوة الكافية لدفع هذا الثمن؟ وهل يمكن للمجتمع الدولي تقبل شرعنة وإعادة إدماج نظام الأسد في النظام الدولي بعد كل الجرائم الموثقة التي ارتكبها بحق السوريين. لا نعتقد ذلك، الأسد أصبح بالنسبة لإسرائيل ورقة محروقة؛ لذلك فإن وقت الاستغناء عنه قد اقترب.

نجاح بعض الجهود القانونية التي يقودها نشطاء حقوقيون سوريون -منذ مدة طويلة- ببعض الدول الأوربية في إدانة بعض الأفراد التابعين لنظام الأسد بجرائم ضد الإنسانية، كالإدانة التي صدرت حديثا ضد إياد الغريب؛ لدوره بجرائم ضد الإنسانية إبان عمله لدى أجهزة المخابرات السورية. أضف إلى ذلك ما ذكره أيضا رئيس اللجنة المستقلة من أجل العدالة الدولية والمحاسبة، ستيفن راب، عن وجود أكثر من 900 ألف وثيقة تدين الأسد ونظامه بشكل واضح بارتكاب جرائم ضد الإنسانية.

الأخبار المتداولة عن ترحيب دولي وروسي بفكرة إقامة مجلس عسكري سوري من ضباط متوافق عليهم سوريا ودوليا بقيادة العميد مناف طلاس، والرغبة الإسرائيلية في إزاحة بشار الأسد من السلطة للإتيان بشخصية سياسية قادرة على وقف التمدد العسكري الإيراني في سوريا. أما التمدد الثقافي، فلا مشكلة فيه؛ بل ومرحب به. وهنا تجدر الإشارة لتغريدة للصهيوني إيدي كوهين قال فيها بأن:

نهاية الأسد ستكون قريبة،

وأنّه سيتم اختيار رئيس جديد لسوريا،

وتساءل كوهين "هل سيكون فهد المصري الرئيس الجديد لسوريا؟".

رفعت الإدارة الجديدة في واشنطن بقيادة جو بايدن شعار الدفاع عن حقوق الإنسان حول العالم، ومن الواضح أن إدارة بايدن جادة في إحراز تقدم في هذا الملف، وتوظيفه سياسيا في خدمة إستراتيجياتها. هذا ما لمسناه خاصة في الملف السعودي وغيره من الملفات العربية.

في الحقيقة، إن إزاحة شخص مثل بشار الأسد يمكن أن تشكل طبقا مغريا لتأكيد التوجه الأميركي للدفاع عن حقوق الإنسان أمام العالم بشكل عام والعالم العربي بشكل خاص. ما ينقص هذا الطبق حاليا هو بعض توابل التوظيف السياسي والإستراتيجي، وهذا ما يتم العمل عليه حاليا باعتقادنا.

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.