شعار قسم مدونات

التطبيع وإغفال الحق التاريخي

 

رائعة المبدع إبراهيم نصر الله "أرواح كلمنجارو" كانت فاتنة يمكن رؤية التاريخ والحاضر فيها معا؛ ليس لكونها تجسد توصيفا دقيقا للضحية والجلاد بصورة تفضح السلوك البشع للاحتلال، بل إنها تمنح العالم الحر نفسا عميقا للمقاومة، فالحرية في مفهوم الفلسطيني تختلف كثيرا عن مفهومها عند عبد حرره سيده أو طائر فتح له باب القفص، إنها خليط من الثأر والتاريخ والهوية يمكن أن تراها في بيت كل فلسطيني خارج أرضه، قد يكون تحرر من سياط الاحتلال، وحصل على جواز سفر آخر وبلد آخر ومستقبل أفضل؛ لكنه ما يزال يحمل روح المقاومة في كل مكان يرحل إليه. أزمة الفلسطيني لا تتعلق أبدا بالنسيان كما ادعى "ديفيد بن غوريون"؛ بل بـدائرة الخيانة التي تتوسع، ودائرة الهوان التي أصابت جزءا كبيرا من عروبتنا وهويتنا الإسلامية سواء برضاها أم بخنوعها. منذ 12 عاما خرجت من غزة وإلى هذا اليوم لا أستطع زيارة أهلي هناك لا لشيء؛ إلا لأن جواز سفري هو الجواز الذي يتعامل معه ضباط الجوازات في المنافذ الحدودية العربية بمزاجية مفرطة. الأكثر حزنا في الموضوع أن "أفراخ بن غوريون" بدأت تفتح أمامها المطارات والحدود العربية، وتبني أعشاشا لها في منطقة الخليج، ولا أريد هنا إطلاق تسميات أو تحديد بلدان؛ لكن سأنقل ما أورده تقرير نشرته صحيفة "إسرائيل اليوم" المحسوبة على اليمين الإسرائيلي، فهناك رابطة للجاليات اليهودية تتشكل في الخليج وهدفها تعزيز الحياة اليهودية في المجتمعات اليهودية المنتشرة في بلدان الخليج بدون استثناء.

يضيف التقرير الذي كتبه "آرئيل كهانا" وهو اسم يذكرني بالمتطرف زعيم حركة كاخ الإرهابية "مائير كهانا"، إن الرابطة ستضم ممثلين عن الجاليات اليهودية في جميع دول الخليج، وسيتولى الحاخام إيلي آبادي منصب القائد الروحي للجاليات، وكذلك أبراهام ديفيد نونو منصب الرئيس. يؤكد التقرير أن تلك المبادرة هدفها مساعدة اليهود في الخليج العربي، وبدأت تلك المساعدة بإنشاء مطاعم "كوشير"، وسيتم إنشاء محكمة حاخامية للبت في القضايا الدينية الخاصة بيهود الخليج، ولم يذكر التقرير مكان إقامتها.

تشير الصحيفة أيضا إلى أن اتفاقية "أبراهام" سرعت نمو الوجود اليهودي في الخليج، وأصبح هناك مدارس وكنس لهم؛ لكن ما يزال هذا المجتمع صغيرا جدا والكثير من اليهود يخفون هويتهم، لأنهم يعون جيدا عدم تقبل المجتمعات الخليجية لهويتهم الدينية، فالمهندس اليهودي رافائيل، وفق ما تقوله الصحيفة، وصل من لندن بجواز بريطاني إلى دولة عربية، وحصل على عقد عمل من شركة عربية، وينوي أن يكون أحد ممثلي رابطة الجاليات اليهودية في المنطقة. ولا يستبعد رافائيل إنشاء برامج ومؤسسات مستقبلا تلبي الاحتياجات التربوية والثقافية والدينية لليهود هناك.

ما يجري بصمت في الخليج خصوصا، والعالم العربي عموما، لا يتعلق فقط بتجاوز نضال الشعب الفلسطيني والحق العربي والإسلامي بتحرير فلسطين وتجريد الدولة العربية من أي شرعية؛ بل أيضا هو اعتداء على هوية الشعوب المسلمة والعربية وإنبات الكثير من محاضن الاستخبارات والتجسس التي تضر بالأمن القومي العربي والإسلامي، وجر المنطقة بأسرها إلى حالة من الركون والاستضعاف عنوانها الأكبر هو "السلام".

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.