شعار قسم مدونات

افهم مشاعرك قبل أن تنهيك.. إسعافات مشاعرية

 

مهما نحاول سترها خلف ابتسامة شاحبة أو ضحكات لا تتجاوز الحنجرة، لن تستتر.
مهما اجتهدنا في التظاهر بالقوة والتحكم والسيطرة، لن يكون بمقدورنا أن ننكر تلك الحالات التي تعترينا من الضعف والوهن.

أنت لست الرجل الخارق "سوبر مان"، وأنت لست المرأة الحديدية "سترونغ إندبندنت وومن".

نحن بشر ولسنا خارقين، إنما قوتنا مجرد أحوال تأتي وتذهب، تزداد وتنقص، وليست باقية قائمة معنا في جميع الأوقات، وملازمتها لنا عند جميع الظروف ضرب من التمني.

مزعج صوت القلب وخصوصا حين ينبض بتلك المشاعر الصعبة كالضعف والوحدة والحزن، إزعاجه كصراخ طفل يلهث بالبكاء، حين تجهل فهم احتياجاته وتفشل في تلبيتها، حتى أنك غير قادر على ضمه في حضن دافئ يهون عليه.

قد يقرر البعض أن يسكت هذا الطفل بداخله، فيكبت مشاعره بداخل قبله، ويغلق عليها الأبواب، ثم يرنو تجاه القناع الأكثر راحة له فيرتديه، ربما يكون قناع القوة المصطنعة، أو السعادة الزائفة، قد يكون ذلك بدافع الجهل أو الخوف، وربما العداوة مع تلك المشاعر المزعجة.

لا أحد ينكر ضرورة إخفاء المشاعر في أوقات محددة ومع أشخاص بعينهم، فمثلا إخفاء الشعور بالهزيمة أمام الحاقدين قد يكون فضيلة طالما أنه بوعي ودراية، أما إذا تحول هذا الإخفاء ليصبح أسلوب حياة، فهذا مؤشر الخطر، حيث إن تلك المشاعر التي تحاول كبتها بداخلك، وتجاهلها، وإنكارها، ستنخر بداخلك حتى تستنسخ منك صورة هي أبعد ما تكون عنك، صورة مشوهة قد تجعلك تنفجر لأتفه الأسباب، أو العكس تماما، فيصبح سمتك العام اللامبالاة، حتى أن أقرب الأشخاص لك وأقوى علاقاتك قد أصابها الوهن وصارت سطحية، وفي كثير من الأحوال تكون منبعا للمشكلات والعناء.

 

بماذا تشعر/تشعرين الآن؟

توقف عن القراءة هنا، لا تكمل حتى تجد الإجابة عن هذا السؤال.. إن كانت الإجابة حاضرة لديك بسلاسة، فهذه علامة قدرتك الجيدة على التعامل الصحيح مع المشاعر، أما إن تعسرت معك الإجابة، ولم تستطع أن تتحسس مشاعرك، فهذا يعني أن عليك أن تخفض صوت العالم من حولك لتنصت لصوتك الداخلي، ثم:

ابك واكتب، ارسم ولون، فكر وأعد المحاولة، فوض واستسلم.

ابك واكتب

ابك وأفض دموع الأنين بمداد حبر قلمك على ورق لن يقرأه أحد غيرك، أو من تثق بمشاركته مشاعرك، ابك فقد بكى سيد الرجال والعالمين جميعا "إن العين لتدمع"، تقبل حزنك وعش معه القدر المناسب من الزمان، فقد شرع الله للحزن 3 أيام عند فقد عزيز، عش المشاعر بالتعبير عنها بكلمات تحدث بها نفسك "إن القلب ليحزن"، وأخرى تخاطب بها كل من تريد مخاطبتهم، حتى إن كانوا لن يسمعوك "وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون".

امسك قلمك وأوراقك عبر عن مشاعرك، أعط لكل شعور اسما صحيحا، حزن أم وحدة؟، غضب أم شعور بعدم الكفاية؟.
ردد على مسامعك رسائل تعاطف وتراحم وامتنان، فالخطأ ليس نهاية مطاف الرحلة؛ بل قد يكون خط البداية لحياة تائب.
اكتب لمن آذاك كل ما تريد قوله، اكتب مشاعرك، ولا تكبتها، فالكبت ليس الحل.

 

ارسم ولون

ليس ذلك الرسم الذي يتطلب مهارات أو فنون، ولا ذاك التلوين الذي يشترط تناسق الألوان، أو الأقلام ذات المواصفات المحددة؛ بل ذلك الرسم الذي يرسمه طفل صغير لا يعرف غير الرضا والتبسم لشخبطته.

ارسم وحدتك وعجزك، ارسم حزنك وغضبك، ارسم بدون قيود، بدون أحكام، بدون معايير، انطلق معبرا، وأطلق الطفل بداخلك.

 

فكر وأعد المحاولة

الشعور أبو الأفكار وابنها، فشعور كالحزن قد ينتج عن فكرة كـ"أنا فاشل"، وهذه الفكرة قد تولد شعورا آخر باليأس وهكذا.
فكر قليلا، هل أنا فاشل بالفعل؟ هل أنا فاشل في كل شيء؟ هل أنا فاشل تماما؟ هل أنا فاشل في كل مرة؟ إذا حاولنا بصدق أن نعيد المحاولة مع فهم أفكارنا وتصحيحها أو تبديلها بفكرة جديدة، كأن نستبدل فكرة "أنا فاشل" مثلا بفكرة "لقد اتبعت أسلوبا خاطئا هذه المرة".

 

فوض واستسلم

تحسس الشعور والوعي به وإدراكه، ثم قبوله والتعبير عنه وعيشه باتزان وسلاسة، وأخيرا معالجة الأفكار التي وراء الشعور، خطوات نافعة ومثمرة جدا بإذن الله، غير أنها تبقى ناقصة وغير كافية خصوصا عند الأحداث والمصائب العظام.
فهذا الفيض من المشاعر كعجز أم فقدت ابنها، أو ذلك الخوف من مرض عضال لا يرجى شفاؤه، لن يفت فيه إلا فيض مماثل من مشاعر اللجوء بمنتهى ضعفنا إلى القوة اللامتناهية لذي القوة المتين، والفرار من كامل عجزنا إلى كمال قدرته، والاعتصام بكل ذلنا إلى عظيم عزته.

افهم مشاعرك وتعامل معها كما يليق بإنسانيتك، أنصت لدقات قلبك، وأعد توزيع معزوفته بلحن يطرب له قلبك وتلمع به عيناك، ويجعل لحياتك معنى ومذاقا وقيما ترتقي بها إلى العلا.

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.