شعار قسم مدونات

ماذا لو كانت حياتي كلها خطأ؟!

رعشة الجفن قد ترجع إلى قلة النوم والإفراط في تناول الكافيين والعمل لساعات طويلة أمام شاشة الحاسوب والتوتر النفسي، بالإضافة إلى ارتفاع ضغط الدم ونقص المغنيسيوم. (النشر مجاني لعملاء وكالة الأنباء الألمانية “dpa”. لا يجوز استخدام الصورة إلا مع النص المذكور وبشرط الإشارة إلى مصدرها.) عدسة: dpa صور: Christin Klose/dpa-tmn/dpa Credit: Christin Klose / dpa-tmn / Christin Klose/dpa-tmn/dpa
الرجال العاديون قد يمرون بمراحل من التعاسة (الألمانية)

نولد لنجدنا نطارد أحلام الدينا، وأوهام الحياة، وخيالات ساكنيها المريضة، تلكم المفروضة غصبا على واقعنا البائس الذي لم نختره ولا هو اختارنا، إنما هكذا وجدنا أنفسنا متورطين فيه، وغارقين في متاهاته ومآسيه. وبطريقة ما صدقنا أنه قدرنا الحتمي الذي لا فكاك لنا من براثنه.

لنأخذ خطوتين إلى الوراء علّنا نرى الصورة أكثر وضوحا، ولنفتح شبابيك القلوب ولنتركها مواربة لرياح التساؤلات، عسى أن تزورنا السعادة ولو لمرة واحدة.

هل هذه هي حقًا الحياة التي يتمنى المرء أن يعيشها؟

بغض النظر عن المستوى الاجتماعي الذي حققته بنفسك أو وجدت نفسك متورطا فيه، وبغض النظر عن نجاحاتك وإنجازاتك وكم الشهادات والميداليات التي تزين بها حائط غرفتك وتتباهى بها وسط زملائك، أنت في الغالب لست مرتاحا!

الوضع الخارجي لحياة المرء وإن كان مهما

إلا أنه في واقع الأمر قد يكون مضللا للغاية

بالإمكان طبعا حين تداهمك هذه الأسئلة المزعجة، أن توصد الباب في وجهها، وتستنجد بعدمية بكيت، فأنت في النهاية "على الأرض وليس لذلك علاج"، وتواصل في مسعاك الذي لا يخصك هاربا نحو الأمام، إلى أن تصطدم فجأة بحائط الموت الغليظ الذي لا يمكن تجنبه، وحينها ستجلس وحدك مع كل هذه الأسئلة وجها لوجه، كما حدث تماما مع إيفان في رواية موت إيفان إيليتش الشهيرة لتولستوي.

إيفان رجل مثل كل الرجال العاديين التعساء مثلي ومثلك، الذين قرروا مبكرا جدا أن يعيشوا الحياة كما عاشها أسلافهم دون مساءلة حقيقية لها، مركزين فقط على المظهر الخارجي لهذه الحياة.

كل من يعرف إيفان كان سيقول عنه لحظة وفاته إنه قد عاش حياة طيبة وجيدة بالمجمل، موظف كبير، ووضع اجتماعي جيد، زوجة وأبناء. ما الذي يمكن أن يطمح له المرء أكثر من ذلك؟!

حسنا، الوضع الخارجي لحياة المرء وإن كان مهما؛ إلا أنه في واقع الأمر قد يكون مضللا للغاية، فكم من ملوك ورؤساء امتلكوا كل أسباب السعادة الخارجية، ومع ذلك ظلوا تعساء في دواخلهم، يأكلهم البؤس وتقضمهم الخيبة صباح مساء!

مشكلة إيفان إيليتش وذنبه الكبير لم تكن تعاسته، وإنما فشله في إدراك هذه التعاسة في وقت مبكر حتى يتسنى له تصحيح مسار حياته المعطوب قبل فوات الأوان. لكن للأسف وفي أحيان كثيرة، لا يمكن للمرء أن يدرك ماذا عليه أن يفعل كما يشير إلى ذلك ميلان كونديرا، لأنه ببساطة لا يملك إلا حياة واحدة، لا يسعه مقارنتها بحيوات سابقة ولا إصلاحها بحيوات لاحقة.

عندما داهمه الموت -أعني إيفان- راح يُسائل روحه التي أيقن أنها ستغادر جسده المنهك في أي لحظة، راح يسائلها بقلق وخوف وعيون ممتلئة عن آخرها بالدموع: ماذا لو كانت حياتي كلها خطأ؟!

اكتشف المسكين فجأة أنه لم يعش الحياة التي كان يريدها، قلّب دفاتر ذاكرته كلها ورقة ورقة وسنين عمره السابقة جميعها، ولم يستطع أن يحصي سوى بضع لحظات عابرة هنا وهناك كان فيها سعيدا، بينما كل ما تبقى من تلك الحياة لم تكن تخصه، لم يعش، لكنه سيموت!

أما بعد: لا أحد يهتم كثيرا إن عشنا حياتنا الوحيدة هذه كما ينبغي أو انتُزعت أرواحنا في الربع ساعة القادمة، ربما سيبكون ليوم أو اثنين، وقد يحزن البعض لأسابيع، لكنهم في النهاية سيواصلون الحياة. هذا ما فهمه إيفان في الربع ساعة الأخير من حياته، لذا سيكون من السخافة بمكان أن نسمح للآخرين أن يحتلوا أماكن في رؤوسنا أكبر مما هم عليه.

بطريقة ما كلنا إيفان إيليتش، ننتبه لمأساتنا متأخرين جدا، ونستيقظ من غفلتنا بعد فوات الأوان، ومن ثم نموت ويدفن معنا الكثير من الندم والدموع والفرص الضائعة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.