شعار قسم مدونات

حتى تصبِح من المشاهير

مدونات - مشاهير مشهور سوشيال ميديا سلفي
العجيب أن هناك نوعية من البشر يلمع نجمهم في لحظة، لكن تُطوى صفحاتهم في لمح البصر (رويترز)

نحن في وقت أصبح فيه الناس يستميتون في سبيل الشهرة، فالكل يهرع إليها بكل الطرق والأساليب، ومن بين الطرق التي كانت وما زالت السبيل الأسهل الذي يتخذه البعض ليركبوا أمواج الشهرة هو الدين.

فإن كنت ممّن يبحث عن الشهرة فاسلك سبيل الفتوى الشاذة والتفلسف في أمور الدين، طبِّق مثال "خالف تُعرف"، كذلك الذي قال:

لو كان الغناء حرامًا لما سمّى النبيّ ابنته أمّ كلثوم

ليلمع نجمه وتسلّط عليه الأضواء، مندهشين بروعة استدلاله، وكأنّ المطربة أم كلثوم ولدت في عصر الجاهلية ليُسمي النبيّ عليه الصلاة والسلام ابنته على اسمها.

أو كذاك الذي أفتى منذ فترة بأن ارتداء النقاب عادة، لا هو سنة ولا فرض، وضجت مواقع التواصل الاجتماعي حينها بفتواه، منهم من استنكرها ومنهم من اتفق معه.

أو كالبعض الذين ظنّوا أنهم على أعلى درجات الثقافة والعلم فاتخذوا من الإلحاد سبيلا ليصلوا من خلاله للشهرة، فيُكثِروا من فلسفاتِهم الكونية والعلمانية، أولئك تنطبق عليهم مقولة:

الجاهلة إذا قرأت عن الحرية خلعت حجابها.

أتعرف ما العجيب في كلّ ما سبق؟ أنّ هذه النوعية من البشر يلمع نجمهم في لحظة وتُطوى صفحاتهم في لمح البصر، كالأعشاب الضارة تنتشر بسرعة وتموت بسرعة لا يبقى سوى عارهم، تفتنهم الأضواء فلا يأبهون للطرق التي يتخذونها، ولطالما كانت هذه حال البشر منذ القدم كحال "أعربي زمزم" يقول المثل: (بُل في بئر زمزم تشتهر)، ويدور هذا المثل حول قصة لم تثبت صحتها نُسِبت لابن الجوزي في المنتظم: "بينما الحجاج يطوفون بالكعبة ويغرفون الماء من بئر زمزم، إذ قام أعرابي فحسر عن ثوبه، ثم بال في البئر والناس ينظرون، فما كان منهم إلا أن انهالوا عليه بالضرب حتى كاد أن يموت، فخلصه حراس الحرم منهم وجاؤوا به إلى أمير مكة فقال له: قبّحك الله، لم فعلت هذا؟ فقال: حتى يعرفني الناس فيقولون هذا الذي بال في بئر زمزم". وهذا هم أغلب الناس خاصة رواد مواقع التواصل الاجتماعي، الشهرة مهما كانت وكيفما كانت، المهم أن يُذاع صيتهم.

لكن من يريد الشهرة بحق عليه أن يسلك السبل الصحيحة دون إفساد دين أمة محمد صلى الله عليه وسلم، أو إيذاء غيره بنشر الشائعات الكاذبة والتُهم الباطلة، كل ما عليه أن يتحلّى بالصبر حتّى يصل لمُبتغاه فلا يكون عجولاً، وهذا ما أصبح منتشرًا في وقتنا الحاضر، صرنا في عصر السرعة لا نصبر لنصل، فولد بيننا جيل عجول يتعجّل كل شيء، لكن لو يدرك أن عمل السنوات هو ما يعمّر ويُثمِر لا عمل الساعات، فالأشياء الجميلة ذات الفائدة هي وحدها ما تبقى، الفرق بينهما أنّ الأولى هي الأسهل لكنها تبقى لبضعة أيّام، أمّا الثانية فتحتاج للصبر والجهد لتبقى مدى الحياة، فقط انظر حولك وأخبرني أيّهما تريد أن تختار؟

إن كنت اخترت الأولى فقد اختصرتُ عليك الوقت وأخبرتك بما يتوجب عليك فعله، وإن اخترت الثانية فعليك أن تتبع بضع خطوات لتصل لما تريد:

  • اختر المجال الذي تريده، واعمل على تطوير ذاتك فيه حتّى تصل للمستوى المطلوب، وهذا لن يحتاج منك سوى ساعة واحدة في اليوم تكرسها للتدريب ومطالعة الكتب.
  • توسّع في المجال الذي اخترته، واقرأ عن المشاهير الذين برزوا فيه، كيف حققوا ما هم عليه؟ وكيف حافظوا على مكانتهم ونجاحهم؟ لأنّه ومِن المؤكد أن قصصهم ستلهمك وتعطيك دفعة قوية للمضيّ قدُمًا، وابحث من حولك عمن يهتم بالمجال نفسه يكون خبيرًا ومحترفًا فيه، لتستشيره وتستفيد من خبرته، إذ يمكنه توجيهك ومساعدتك.
  • ابتعد عن التقليد وابدع في مجالك، ضع لمستك الخاصة، ابتكر شيئا خاصًا بك وحدك.

وأخيرًا، كن حذرا في اختيار المَطِيَّة التي تريد أن تمتطيها لركوب أمواج الشهرة، وانتق أفضلها وأنفعها للنّاس حتّى تكون ذات فائدة ويبقى أثرك خالدًا ليعمر آلاف السنين، ولا تجعل من الشهرة همّك الوحيد، ساهم بشيء لتنير به عصورًا حتّى لو أخذ منك الأمرُ سنوات لترى ثماره، اجعل صيتك يُسمع بين النّاس بأمر حسن، فالأشياء الجميلة فقط ما تُعمّر، والمخزية تخبو وتبقى وصمة عارها.

يقول المثل:

ما كان لله دام واتصل، وما كان لغير الله انقطع وانفصل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.